الحكومة الكويتية المرتقبة: تعثر التشكيل أم رغبة في التريث

نواب يرفضون شغل منصب وزاري لتوقّعهم تجدّد المواجهة بين الحكومة والبرلمان.
الجمعة 2024/05/03
قائد الأوركسترا يبحث عن فرقة متجانسة

همُّ الحفاظ على الاستقرار الحكومي واستعادة قدر من الاستمرارية التي فقدت إلى حدّ بعيد في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية، يحضران في اعتبارات رئيس الوزراء الكويتي المكلّف الشيخ أحمد العبدالله وهو يدير الحراك الهادف لتشكيل حكومة جديدة قادرة على الإمساك بالمعادلة الصعبة من طرفيها؛ معادلة تلافي الصدام مع مجلس الأمّة والدفع بالإصلاحات المنشودة والتي تستدعي اتخاذ قرارات صارمة وغير شعبية.

الكويت- أرجعت مصادر سياسية التأخير المسجّل في تشكيل حكومة كويتية جديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلّف الشيخ أحمد العبدالله إلى الرغبة في التأني للوصول إلى تشكيل قادر على التوفيق بين الحفاظ على علاقة جيدّة مع مجلس الأمّة المنتخب أوائل أبريل الماضي، من جهة، والنهوض بمسؤولية تنفيذ الإصلاحات المطلوبة من قبل أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد، من جهة مقابلة.

وقالت المصادر إن القيادة الكويتية ليست في عجلة من أمرها بشأن تشكيل حكومة جديدة وأنّها تفضل منح رئيس الوزراء أقصى مهلة زمنية يسمح بها دستور البلاد لتوسيع دائرة مشاوراته مع مختلف الفاعلين السياسيين لاسيما أعضاء البرلمان لتشكيل حكومة متوافق عليها وقادرة على الاستمرار والصمود وتحقيق الاستمرارية في العمل والتي فُقدت إلى حدّ كبير خلال السنوات الأخيرة بسبب تكرار الانقطاعات في عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية بفعل تواتر حلّ مجلس الأمّة وإعادة انتخابه، وما يستتبع ذلك إجرائيا من استقالة الحكومة وإعادة تشكيلها.

لكنّ المصادر لم تنف مواجهة الشيخ أحمد العبدالله لصعوبات في اختيار طاقمه الجديد متمثّلة بالأساس في عزوف العديد من الشخصيات والكفاءات المرشّحة من قبله عن تولّي المناصب الوزارية لمعرفتهم  المسبقة بصعوبة العمل في ظل وجود برلمان كثير المطالبات ومتحفّز للصراع بشكل مسبق وشروع بعض أعضائه بمجرّد فوزهم في الانتخابات الأخيرة في التلويح بعصا الضغوط على الحكومة حتى قبل الإعلان عن تشكيلها.

متعب السهلي: أفضل العمل والتعاون من موقعي كعضو  في مجلس الأمّة
متعب السهلي: أفضل العمل والتعاون من موقعي كعضو  في مجلس الأمّة

وكنموذج عن حالة العزوف تلك تحدّثت وسائل إعلام محلّية عن رفض عدد من أعضاء مجلس الأمّة لشغل منصب ما يعرف في الكويت بالوزير المحلّل والذي جرى العرف بأن يتمّ اختياره من بين النواب المنتخبين. وقالت صحيفة الرأي المحلّية إنّ المنصب الوزاري عُرض على خمسة نواب لكنّهم رفضوه جميعا.

ونقلت عن مصادر قولها إن رفض هؤلاء النواب راجع لتخوّفهم من تجدّد المواجهة بين البرلمان والحكومة في حال أصرّت الأخيرة على تمرير قرارات غير شعبية ما سيجعل عمرها قصيرا و“يضع النائب الوزير في زاوية حرجة فضلا عن أن تجارب الوزير المحلّل غالبا ما تأتي بنتائج عكسية على من يقبل بالمنصب”.

وقال النائب متعب السهلي إنه يفضل العمل من موقعه كعضو بمجلس أمّة والتعاون مع الحكومة القادمة، نافيا الأنباء المتداولة بشأن قبوله بمنصب الوزير المحلّل ومؤكّدا أنّه اعتذر رسميا عن عدم المشاركة في التشكيل الحكومي.

ولا تقتصر ظاهرة العزوف عن تولّي المسؤوليات الحكومية في الكويت على مناصب الوزراء، بل تشمل أيضا رئاسة الحكومة بحدّ ذاتها. وكان قد سبق الإعلانَ عن اختيار الشيخ أحمد العبدالله لرئاسة الحكومة رواجُ أنباء عن اعتذار كل من رئيس الوزراء السابق الشيخ محمد السالم، والأسبق الشيخ صباح الخالد عن عدم تولي المهمّة، وذلك في إشارة لصعوبتها بعد أن أفضت الانتخابات البرلمانية إلى تشكيل برلمان لا يختلف كثيرا عن سابقه الذي دخل في خلافات عميقة مع السلطة التشريعية بسبب غلبة المعارضة على تركيبته وبفعل الخارطة التشريعية التي وضعها نوابه وتضمنت الكثير من المطالب الاجتماعية المتناقضة مع عملية الإصلاح المراد تنفيذها والتي تقتضي تقليص الدعم المقدّم للمواطنين من قبل الدولة وفرض مجموعة من الضرائب.

ويُتوقّع أن تشهد الحكومة الجديدة عودة العديد من أعضاء الحكومة السابقة التي كان قد قادها الشيخ محمد صباح السالم ولم تعمّر سوى ثلاثة أشهر على الرغم من أنّها وُصفت عند تشكيلها بأنها حكومة إصلاح وصرامة في تمرير القرارات المهمّة، لكنّ المصادر أكّدت وجود “مرونة في توزيع الحقائب الوزارية بمعنى أنه ليس بالضرورة عودة الوزير إلى وزارته الحالية في التشكيل القادم”.

أنور الفكر: أحذر من تحول الكويت من واقع انتشار الفساد إلى الفشل
أنور الفكر: أحذر من تحول الكويت من واقع انتشار الفساد إلى الفشل

وعلق عضو مجلس الأمّة الكويتي النائب أنور الفكر على الحراك الجاري لتشكيل الحكومة الجديدة قائلا إنّ الكويت في حاجة إلى وجود رجال استثنائيين على قدر من المسؤولية، معتبرا أن البلاد “تمر بلحظة وجودية ومنعطف تاريخي يُحدّد شكل الدولة ومصيرها ووجودها في المستقبل”، ومحذّرا من تحول الكويت من واقع انتشار الفساد إلى الفشل.

ولفت النائب إلى أن تشكيل حكومة الشيخ أحمد العبدالله أخذ أطول فترة في تاريخ تشكيل الحكومات، معتبرا أنّ اقتصار “التغيير بعد كل ذلك على وزير أو وزيرين سيجعلنا أمام عدم جدية في قراءة الواقع السياسي”، لافتا إلى أنّ رئيس مجلس الوزراء هو وحده المسؤول سياسيا أمام البرلمان عن اختيار وزراء حكومته.

ولا يتوقّع متابعون للشأن الكويتي أن تخرج علاقة الحكومة والبرلمان الكويتيين الجديدين عن سياق التوترات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية التي تحوّلت إلى سمة ملازمة للمشهد السياسي في الكويت.

وانتخبت الكويت مطلع أبريل الماضي برلمانا جديدا ليصبح البرلمان الرابع منذ ديسمبر 2020، وبعدها استقالت حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح كخطوة إجرائية بعد كل انتخابات نيابية.

وأسفرت الانتخابات عن تغيير محدود قياسا بتركيبة البرلمان السابق تمثل في دخول أحد عشر نائبا جديدا من أصل خمسين عضوا منتخبا إلى المجلس الجديد، مما يشير إلى احتمال استمرار حالة الجمود السياسي بعد أول انتخابات تجري في عهد أمير الكويت الحالي الشيخ مشعل الأحمد الصباح.

ولم تتأخّر علامات تحفّز النواب لاستئناف الصراع ضدّ الحكومة الجديدة حال تشكيلها، وذلك من خلال تصريحات بعض هؤلاء النواب وما تتضمنه من وعيد مبكر. وقال النائب بدر سيار “لم نتقدم لتمثيل الأمّة إلا من أجل التعاون وخدمة الوطن والمواطن، ولكن إذا كانت الحكومة تفكر في استخدام ملف تحسين المعيشة كمادة للمساومة، فأهلا وسهلا بالمواجهة”.

وستكون الأجندة التشريعية التي يريد نواب مجلس الأمّة تمريرها بما تتضمّنه من مطالبات اجتماعية يصفها البعض بالشعبوية ويقولون
إنّها على طرف نقيض من عملية الإصلاح المنشودة، سببا رئيسيا في التوتّرات المتوقّعة في علاقة الحكومة بالنواب.

يُتوقّع أن تشهد الحكومة الجديدة عودة العديد من أعضاء الحكومة السابقة التي كان قد قادها الشيخ محمد صباح السالم

وقال النائب سعود العصفور إنّ على رأس القوانين المراد تمريرها خلال دور الانعقاد الأوّل تلك المتعلّقة بـ”غلاء المعيشة والمساعدات الاجتماعية ومفوضية الانتخابات والتمويل العقاري وفئة المعوقين والشركة الكويتية للصناعات النفطية وبسط سُلطة القضاء على مسائل الجنسية وتعديل قانون الانتخابات”.

وفي ذات التوجّه حدّد النائب محمد الرقيب “إقرار قوانين تحسين معيشة المواطنين واستكمال الإصلاحات التشريعية والسياسية”، شرطا لتعاون مجلس الأمّة مع الحكومة التي يعكف الشيخ أحمد العبدالله على تشكيلها، فيما خاطب النائب أنور الفكر رئيس الوزراء الجديد بالقول “أنت وحدك، كما أكدنا سابقا، تتحمل المسؤولية السياسية بتشكيل حكومتك واختيار وزرائك، وأمامك ملفان لا يحتملان التسويف أو التأخير أو المماطلة هما تحسين معيشة الناس، وحماية الهوية الوطنية ببسط سلطة القضاء على شؤون الجنسية”.

ولم تسلم الكويت العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال السنوات الأخيرة من التعرّض لبعض المشاكل المالية جرّاء ارتهانها بشكل كبير لعوائد النفط، في ظل تعثّر الإصلاحات الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل والحدّ من تضخّم القطاع الحكومي رغم خموله وقلّة إنتاجيته على حساب القطاع الخاص.

 

اقرأ أيضا:

         • هيمنة السلطة: لماذا تُهمش أفكار النخب المُستقلّة

3