الحكومة العراقية حائرة والميليشيات متأهبة بعد الضربات الأميركية

بغداد – ما يحصل اليوم على الساحة العراقية من تبادل للضربات العسكرية بين القوات الأميركية والميليشيات الموالية لإيران ليس مفاجئا.
إن هذه التطورات تقع في إطار تصعيد طهران ضد المصالح الأميركية في العراق ولا يُتوقع أن يمر ذلك دون ردود أميركية بالغة الدقة ضد أذرع طهران.
قبل رد واشنطن عبر ضربة جوية استهدفت معسكرا تابعا لحزب الله العراقي في القائم غرب العراق أكدت تصريحات المسؤولين الأميركيين أن ميليشيات طهران تمادت في استهداف القواعد الأميركية في مرات عدة خلال شهر ديسمبر في “عين الأسد” بمحافظة الأنبار غربي البلاد وقاعدة “بلد” الجوية شمال بغداد، التي تضم أيضا جنودا أميركيين، وفي مطار بغداد الدولي المخصص جزء منه لقوات التحالف الدولي، ويضم قطعات عسكرية أميركية.
هناك تخبط واضح في الموقف السياسي لحكومة عراقية مستقيلة تجاه ما حصل رغم حزمة البيانات المعتادة التي حاولت الأحزاب من خلالها التودد لإيران وليس لحماية الأراضي العراقية المستباحة من طهران.
لقد ادعى رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي في تصريح له بأنه استنكر العملية العسكرية الأميركية، لكنه تجاهل حقيقة أن وزير الدفاع الأميركي كان قد أبلغه بالضربة الجوية قبل حصولها بنصف ساعة بحسب قناة “سي.أن.أن” الأميركية.
وسبق أن حذر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إيران وحلفاءها في العراق من مغبة تنفيذ أي هجمات صاروخية يمكن أن تضرّ بالأميركيين، متوعّدا بأنّ مثل هذه الهجمات “ستقابل بردّ حاسم” وقبل يوم واحد من الضربة قام الوزير الأميركي بزيارة سرية خاطفة إلى قاعدة “عين الأسد” غرب العراق، بحسب تسريبات صحافية.
رغم الشعور العام داخل أوساط كثيرة في العراق ومن مقربين من القيادات السياسية المسؤولة عن الميليشيات بأن وقع هذه الضربة سيمرر دون تجرؤ الميليشيات على خطوات انتحارية، فإنه توجد محاولات ذات إيقاع إعلامي مكرر لتصعيد المطالبات السابقة الداعية إلى طرد الأميركان من العراق عبر إبطال الاتفاقية الاستراتيجية الأمنية المشتركة.
الرد الأميركي جاء لتصحيح وهم إيراني بعجز واشنطن عن الرد خاصة بعد صمتها على حادثة إسقاط الحرس الثوري لطائرة مسيرة أميركية
لكن الكثير من القانونيين العراقيين يقرون بصعوبة ذلك لما قد يترتب عليه من تكاليف مالية كبيرة يتحملها العراق الغارق في ديونه. وأشار جاسم حنون الخبير في القانون إلى أن “العراق لا يستطيع الخروج من هذه الاتفاقية في المنظور القريب”.
لقد لوحت الولايات المتحدة في هذا الصدد قبل فترة، بأنه وفي حالة ما إذا طالبت الحكومة العراقية القوات الأميركية بمغادرة أراضيها بعد انتهاء الحرب على “داعش” فإنه يتوجب على العراق تسديد تلك المبالغ المترتبة بذمته مع الفوائد، إضافة إلى تكلفة حرب عام 2003 والبالغة ترليون ومئة مليار دولار”.
لقد جاء الرد العسكري الأميركي لتصحيح الوهم الإيراني بعدم قدرة واشنطن عن الرد خاصة بعد صمتها عقب حادثة إسقاط الحرس الثوري الإيراني للطائرة المسيرة الأميركية في يوليو 2019 والتي برر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها عدم الرد بسبب عدم وجود خسائر بشرية أميركية.
يبدو أن الإيرانيين غالطوا أنفسهم بمكابرة وأرادوا التأكد من صحة الاعتقاد بأن ترامب المنشغل بقصة محاولة تمرير خلعه من الرئاسة داخل الكونغرس غير قادر على اتخاذ قرار عسكري خارجي حتى وإن تم استهداف جنود أميركان.
إن التصعيد الأخير يشير إلى وضوح الاستراتيجية الأميركية الهادفة إلى محاصرة أذرع إيران في العراق. وعلى الرغم من الأخطاء الأميركية الفادحة بترك العراق للنفوذ الإيراني، فإنه من غير المتوقع أن تترك الأمر إلى ما لا نهاية، حيث توجد مصالح أميركية مهمة في المنطقة وعلى رأسها العراق.
وفي هذه الحالة فإنه من المفيد التذكير بخطاب ترامب في فبراير 2019 حيث قال إن “الدول العظمى لا تخوض حروبا لا تنتهي”. بمعنى أنها قد تكون خاطفة لكن ما يمكن أن يكون طويلا هو الحصار الاقتصادي الذي تقابله طهران بدعم وتوجيه وكلائها في المنطقة.
إن التطورات الأخيرة بين طهران وواشنطن في العراق تؤكد أن هذا البلد يفتقد لدولة قادرة على حماية مصالح شعبها، حيث يتنازع السياسيون فيه منذ عام 2003 على مصالحهم الفئوية.
إن طهران وواشنطن توافقتا على النفوذ في العراق لتتنازعا اليوم على ذلك بسبب عدم تمكن القيادات السياسية العراقية المثقلة بولاءاتها من إبعاد البلد عن حمى الصراع الخارجي واحتمالات أن يكون ساحة للحرب في المستقبل.
وفيما تبلورت الولاءات في تحشيد ميليشياوي متصاعد بديل للجيش من قبل الأحزاب الموالية لطهران بعد تخليها عن صداقاتها الشكلية مع واشنطن، تتناثر القوى العراقية الأخرى ولم تتوحد في مواقفها تجاه الجانب الأميركي، ومن بينها أحزاب سنية وكردية وذلك في الوقت الذي يتطلب وضوحا كاملا تجاه ما تقوم به إيران.
ستؤدي التطورات الأخيرة إلى وضوح الاصطفافات التي ستكون إما إلى جانب إيران وإما إلى الجانب الوطني المستقل.
وفي إعلانات صريحة للمواقف من تنامي وخطورة الميليشيات المدعومة من إيران ترجمتها ميليشيا حزب الله برئاسة أبومهدي المهندس التي أعلنت قبل أشهر عن تشكيل قيادة جوية خاصة بها، اضطر الزعيم الشيعي مقتدى الصدر إلى التشكي عند علي خامئني من تنامي وخطورة تصرف تلك الميليشيات التي يقودها قاسم سليماني في العراق على حساب ما يشعر به من أن تياره السياسي هو صاحب الأفضلية في العراق.