الحكومة السورية تبحث عن دور مؤثر للإعلام بإعادة هيكلة مؤسساته

دمشق – بدأ الحديث في دمشق عن إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية العامة وتأهيل الكوادر البشرية فيها لصناعة إعلام قادر على التأثير وإقناع الرأي العام بالتوجهات الرسمية وتحسين صورة الحكومة، بعد تسلم زياد غصن الوزارة المعنية وهو من الوجوه الصحافية المعروفة بانتقاداته للحكومة وقانون الإعلام.
ووجه رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي وزارة الإعلام إلى دراسة إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية وحل المشكلات المتعلقة بالموارد البشرية فيها، خلال جلسة لمجلس الوزراء ناقش فيها رؤية وزارة الإعلام لتطوير السياسات الإعلامية الوطنية، استناداً إلى توجيهات الرئيس بشار الأسد.
وتظهر الخطوة سعي السلطات إلى إعادة تشكيل المشهد الإعلامي للمساهمة في عملية التأثير على الرأي العام، وسط غضب مكتوم لدى شرائح واسعة من المواطنين بسبب الأوضاع المعيشية المتردية وغياب الإعلام الرسمي تماما عن هذه الأزمة وانفصاله عن الواقع.
وأكد وزير الإعلام زياد غصن في تصريح للصحافيين أن الرؤية التي تقدمت بها وزارته هي حصيلة بعض اللقاءات التي جرت خلال الفترة الماضية مع المؤسسات الإعلامية الرسمية ومع العشرات من الصحافيين.
وأضاف “الرؤية تنطلق نحو وضع محددات أساسية للسياسة الإعلامية للمرحلة القادمة.. هذه السياسة سيتم وضع مسودتها من خلال جلسات الحوار والنقاش التي ستعقدها الوزارة مع جميع الفعاليات الإعلامية ووسائل الإعلام العامة والخاصة”.
ويبدو الوزير الجديد حريصا على عدم تكرار أخطاء المسؤولين السابقين الذين انتقدهم في مقالاته بعدة صحف ومواقع إلكترونية، لعدم استشارتهم الوسط الصحفي وأهل المهنة بخصوص قانون الإعلام.
وأشار إلى أن “الرؤية تضمنت ما يتعلق بتطوير وسائل الإعلام الرسمية من خلال عملية إعادة الهيكلة، وتسهيل حصول الصحافي على المعلومة وحق المواطن في الوصول إلى المعلومة.. فما هي السبل والإجراءات التي تكفل هذا الأمر”.
وبيّن أن جزءاً من النقاش “تمحور حول وضع المكاتب الصحفية في الوزارات والمؤسسات الحكومية وسبل تفعيلها وتطويرها، ووضع خطة تدريبية للعاملين في المكاتب الصحفية وتطوير عملهم من خلال الانتقال من مرحلة التغطية الإخبارية إلى مرحلة صناعة المحتوى الإعلامي الخاص بكل وزارة ومؤسسة”.
ويعتبر الإعلام الرسمي انعكاسا لسياسة الحكومة السورية، حيث يمثل وجهة نظرها تجاه القضايا المحلية والإقليمية، وبدا لافتا أن السياسة الحالية تركز على الرسائل الإيجابية حول “الاستقرار” الداخلي ودور سوريا في مواجهة “العدوان الخارجي والإرهاب”.
ويركز على نجاحات الحكومة في استعادة “الأمن”، وإعادة الاستقرار للدولة بعد سنوات من الحرب، وعلى جهود إعادة الإعمار، وعودة الخدمات تدريجيا، ومؤشرات على “تعافي” البلاد، مع الترويج لرواية “الدولة انتصرت في الحرب ضد الإرهاب”.
وتقول الحكومة السورية إنها تسير نحو تطوير الإعلام وإعادة هيكلته، عبر سلسلة من الإجراءات منها تشريع قانون الإعلام الجديد الذي أقره مجلس الشعب في مارس الماضي. وأثار القانون موجة من القلق بين الصحافيين العاملين في مناطق النظام، إذ اتهم الإعلاميون المشروع الجديد بتغييب آرائهم وتجاهل مشاركتهم في صياغة مواده، مما يعمق المخاوف من تضييق الرقابة وسيطرة النظام على الإنتاج الإعلامي.
وكان وزير الإعلام الحالي زياد غصن من أبرز المنتقدين له، واعتبر أنه من المثير للسخرية أنه في الوقت الذي تحرص فيه بعض المؤسسات العامة على دعوة الصحافيين للمشاركة في نقاشاتها الهادفة لتعديل بعض القوانين والأنظمة، تجاهلت الحكومة ووزارة الإعلام عرض التعديلات المقترحة على الصحافيين لإبداء رأيهم حيالها، وكأن هذا القانون لا يعني هؤلاء.
مشروع القانون الجديد يتجاهل حقوق شريحة الصحافيين المستقلين بالعمل، وذلك بحصره تأدية الإعلامي الذي هو خارج الجهات العامة لعمله إما “بواسطة بطاقته الصحفية الصادرة عن الاتحاد بصفة عامل أو متمرن، أو البطاقة الصادرة عن الوزارة”
وأضاف في مقال بموقع “أثر برس” المحلي، أنه على خلاف التصريحات الحكومية، التي تحدثت عن أن الهدف من التعديل إصدار قانون إعلام جديد وعصري، فإن مشروع القانون المعروض على مجلس الشعب لا يتضمن جديداً على صعيد تحسين بيئة العمل الصحفي في البلاد، أو على الأقل تجاوز المشاكل التي حالت دون تنفيذ ما نص عليه القانون النافذ حالياً، لا بل إن هناك بنوداً في المشروع الجديد من شأنها التضييق أكثر على حرية الرأي والتعبير من قبيل ما نصت عليه المادة 15 في الفقرة (ج) لجهة شرعنة الإجراءات التي كانت تلجأ إليها بعض إدارات المؤسسات الإعلامية الرسمية من إيقاف صحافيين لديها عن العمل لأسباب يقال عادة إنها مهنية في ما هي عمليا رضوخ لضغوط كانت تأتي من هنا وهناك، فقد نصت تلك الفقرة على جواز إيقاف الصحافي عن العمل لمدة ثلاثة أشهر بحجة “تداول أو نشر أيّ معلومات أو أخبار كاذبة أو ملفقة لم يقم الإعلامي بتوثيق مصدرها الأساسي”، وكذلك بحجة ”كل ما يحظر نشره وفقاً للقوانين والأنظمة”.
وليس هذا فحسب، فما تضمنه القانون النافذ حالياً من توفير بعض الحصانة للصحافيين تم شطبها كالمادة 101 من القانون الحالي، والتي نصت على أنه “في جميع الأفعال التي تشكل جرائم ويقوم بها الإعلامي في معرض تأدية عمله باستثناء حالة الجرم المشهود لا يجوز تفتيشه أو تفتيش مكتبه أو توقيفه أو استجوابه إلا بعد إبلاغ المجلس أو فرع اتحاد الصحافيين لتكليف من يراه مناسباً للحضور مع الإعلامي، ويجري في حالة هذه الجرائم إبلاغ المجلس أو فرع اتحاد الصحافيين بالدعوى العامة المرفوعة بحق الإعلامي وجميع الإجراءات المتخذة بحقه”.
كما ويتجاهل مشروع القانون الجديد حقوق شريحة الصحافيين المستقلين بالعمل، وذلك بحصره تأدية الإعلامي الذي هو خارج الجهات العامة لعمله إما “بواسطة بطاقته الصحفية الصادرة عن الاتحاد بصفة عامل أو متمرن، أو البطاقة الصادرة عن الوزارة”.
وخلص إلى أن مشروع القانون باختصار في حاجة إلى إعادة صياغة كاملة من جديد، وذلك في ضوء التكرار وإيراد الكثير من المصطلحات والعبارات “الفضفاضة” التي لا يوجد لها تعريف أو تحديد واضح قابل للقياس عند الرغبة بتقييم أيّ عمل إعلامي، مضيفا “فمثلاً ما هي القيم الوطنية للمجتمع السوري، وما هو تعريف الهوية الوطنية، وما هو المقصود بحرمة النظام العام، وأين هو ميثاق الشرف الإعلامي الذي نص عليه القانون الحالي الصادر منذ 12 عاماً ولم ير النور”.
ويرى متابعون أن السلطة السورية تحاول إعطاء انطباع بوجود انفتاح في الإعلام الرسمي عبر تسليم وزارة الإعلام لصحافي تم تقديمه للشارع على أنه ناقد وجريء، يتحدث عن قضايا الفساد دون أن يتجاوز الخطوط الحمراء.