الحكومة السودانية تهدد باتخاذ إجراءات قانونية ضد المحتجين

ما يحصل اليوم في السودان، من ارتفاع لسقف الاحتجاجات متعددة الأبعاد والمطالبة بوجوب إسقاط النظام، أثبت أكثر من أي وقت مضى أن الرئيس عمر حسن البشير بات المتقن رقم واحد لفن المحافظة على كرسي الحكم مهما كانت النتائج. فمنذ 19 ديسمبر 2018 لم يكفّ السودانيون بمختلف شرائحهم عن الدفع لتغيير النظام السوداني الذي تراكمت أخطاؤه وقضاياه وجرائمه القاتلة، إلا أن كل الوقائع والخطابات الرسمية للنظام السوداني المكفّرة للحراك الاحتجاجي تثبت أن البشير وأذرعه مازالا لم يستوعبا الدرس ولم يتعظا من خطابات مشابهة أطاحت في عام 2011 برؤساء تونس ومصر وليبيا.
الخرطوم – تجددت احتجاجات الجمعة، في أحياء بالعاصمة السودانية، ومدينة خشم القربة (شرق)، تطالب باسقاط النظام، والقصاص لمعلم توفي أثناء الاحتجاز بحراسة أمنية شرقي البلاد، فيما ردت الحكومة السودانية على هذه التطورات بالتلويح باستخدام سلطة القانون ضد المحتجين، مهددة باتخاذ إجراءات قانونية بحق منظمي التظاهرات المناهضة لحكومة الرئيس عمر البشير، واتهمتهم بالدعوة للعنف وتعريض “أمن البلاد للخطر”.
وشهد السودان في الأيام الماضية احتجاجات مختلفة هذه المرة عن سابقاتها، حيث انضم إلى الحراك الاحتجاجي الذي نظمه تجمع المهنيين السودانيين طيف آخر من الغاضبين والمتضررين من سياسات النظام السوداني ألا وهم القابعون في مخيمات النازحين، والذين رفعوا شعارات تطالب بإسقاط النظام دعما للملايين من المتضررين من جراء النزاعات في هذا البلد العربي الأفريقي.
وعلاوة على إقدام أجهزة الأمن السودانية على انتهاج نفس السياسات القمعية باعتقال الكثير من الشبان والشابات في وسط الخرطوم، فإن السلطات السودانية مضت إلى أكثر من ذلك بكثير، حيث قالت الحكومة السودانية إنها ستتخذ إجراءات قانونية للرد على مجموعة من أحزاب المعارضة، دعت إلى “تغيير النظام بالقوة، ونادت بالعنف والإرهاب الفكري والسياسي”.
وناشد بيان الحكومة “المواطنين عدم الانسياق وراء دعوات العنف، والخروج على الإجماع الوطني، وتعريض أمن البلاد للخطر”.
الخطوة الجديدة التي تتبعها الحكومة السودانية تأتي كرد على حالة الغليان الشعبي ستتوسع أكثر فأكثر
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة الجديدة التي يتبعها النظام السوداني تأتي كرد لإدراكه أن حالة الغليان الشعبي ستتوسع أكثر فأكثر خاصة بعدما أعلن “تجمع المهنيين السودانيين” (نقابي غير حكومي)، وأحزاب معارضة ومنظمات مدنية سودانية، في مؤتمر صحافي، اتفاقها على “إعلان الحرية والتغيير، وتمسكها بإسقاط النظام وتصفية مؤسساته”.
والمؤتمر هو الأول لقوى “إعلان التغيير” التي تضم “تجمع المهنيين” وتحالفات المعارضة، أبرزها “نداء السودان”، و”الإجماع الوطني”، و”التجمع الاتحادي المعارض”.
وتتعلل السلطات في السودان رغم تعاملها الأمني المحكم مع الاحتجاجات التي راح ضحيتها العشرات من المواطنين بالإضافة إلى اعتقال المئات من الشباب، بأن الأطراف التي تدفع إلى الاحتجاج تتحمّل مسؤولية العنف وأنها أعلنت صراحة رفضها للحوار بدعوتها لإسقاط النظام بالقوة.
ويقود “تجمع المهنيين السودانيين” حركة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد، ويضم أساتذة جامعيين ومعلمين وأطباء وصحافيين، إضافة إلى صيادلة ومحامين وبياطرة انضموا إليه لاحقا.
ويرجّح العديد من المتابعين لقضايا السودان منذ إمساك الرئيس حسن عمر البشير بمقاليد الحكم في البلاد عقب الانقلاب العسكري على الحكومة المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء المنتخب في تلك الفترة الصادق المهدي وتوليه منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني في 30 يونيو 1989، أن السودانيين فقدوا الثقة تماما في السلطة ما ينذر بالمزيد من الغليان الذي قد يطيح في النهاية بأركان النظام.
ويقر جميع المتابعين بأن سياسات عمر البشير المستفزة للسودانيين والذي يعترف هو نفسه بارتكاب أخطاء قاتلة، ستنتهي على الأرجح بتغييره شعبيا، لكنه يتشبث في نفس الوقت بتجريم منافسيه وبتحريم كل تحرّك احتجاجي يقوم ضدّ سياساته.

ومنذ 19 ديسمبر، يشهد السودان احتجاجات مندّدة بالغلاء ومطالبة بتنحي البشير، صاحبتها أعمال عنف. وتحولت التظاهرات لاحقا الى حركة احتجاج واسعة على البشير الذي يحكم البلاد منذ انقلاب في 1989. وبحسب حصيلة رسمية سقط 30 قتيلا منذ بداية التظاهرات، في حين تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن عدد القتلى بلغ 51 قتيلا.
ولا تشي التطورات الميدانية الحاصلة في السودان إلا بالمزيد من التطور حيث يتشبث منظمو احتجاجات السودان بعزمهم على مواصلة تحركاهم حتى الإطاحة بالنظام مستبعدين كل حوار معه.
ولتأكيد هذا التمشي قال محمد يوسف أحمد المصطفى، المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين في مؤتمر صحافي الأربعاء، “هذا النظام لا بد أن يرحل، ونواصل ثورتنا حتى نحقق هدفنا”، مشيرا إلى أنه حين يردّد أنصار الاحتجاج شعارات ضد الحكومة خارج المبنى “ما من سبيل للحوار مع هذا النظام”.
وتحدثت منظمات حقوقية عن توقيف مئات المحتجين بينهم قياديين في المعارضة وناشطون. وبحسب تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود فقد تم توقيف ما لا يقل عن 79 صحافياً.
وقالت المنظمة إنّ "هذه الاعتقالات المنهجية لم تطل فقط صحافيين يغطون الاحتجاجات بل ايضا صحافيين تجرأوا على التظاهر ضد سياسة النظام التعتيمية".
وتعهد حزب الأمة الذي أيد الاحتجاجات مواصلة دعم الحركة المعارضة المستمرة منذ سبعة أسابيع. وقالت سارة نقدالله، الأمينة العامة لحزب الأمة، "سنواصل انتفاضتنا لحين سقوط النظام". والشهر الماضي، أعلن الصادق المهدي، أبرز زعيم معارض في السودان، تأييده "الحراك الشعبي" في البلاد، مؤكّداً أن نظام البشير "يجب أن يرحل".
والمهدي الذي يقود أحد أعرق الأحزاب السياسية في السودان، كان آخر رئيس وزراء منتخب ديموقراطياً. وقد طرد من السلطة بانقلاب حمل الرئيس الحالي عمر البشير في 1989.