الحكومة السودانية تعرقل مبادرة جديدة لمساعدة المدنيين

بورتسودان (السودان) - رفضت الحكومة السودانية توصية بعثة تقصى الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بنشر قوة “مستقلة ومحايدة” في السودان لحماية المدنيين، متذرعة بأنها “هيئة سياسية”، في استمرار لموقفها الرافض لأي مبادرة تحد من مأساة المدنيين سواء كانت تفاوضية أو سياسية.
وشنت وزارة الخارجية السودانية هجوما لاذعا على بعثة تقصي الحقائق، بسبب دعوة الأخيرة إلى حظر السلاح لإنقاذ حياة المدنيين الذين يواجهون شتى صنوف الانتهاكات.
وقالت وزارة الخارجية السودانية في بيان نشر ليل السبت “ترفض حكومة السودان توصيات بعثة تقصي الحقائق جملة وتفصيلا”، ورأت أنها “تجاوز واضح لتفويضها وصلاحيتها”، منددة بما أسمته “تناقضا غريبا” يحمله تقرير البعثة، إذ استنكرت “التوصية بحظر السلاح على الجيش الوطني (وبأن) توكل مهمة حماية المدنيين لقوة دولية لا يعرف متى ستشكل”.
وأوضحت الوزارة في بيانها أن البعثة قامت بنشر تقريرها “وعُقد مؤتمر صحفي حوله، قبل أن يستمع له مجلس حقوق الإنسان”، ما يعكس “افتقاد اللجنة للمهنية والاستقلالية”.
20
ألف قتيل و10 ملايين نازح ومليونا لاجئ في دول الجوار جراء القتال الدائر في البلاد
واتهمت الخارجية البعثة بكونها “هيئة سياسية لا قانونية، ما يعضّد موقف حكومة السودان منها منذ تشكيلها”.
ويأتي بيان الخارجية ردا على دعوة خبراء من الأمم المتحدة إلى نشر قوة “مستقلة ومحايدة من دون تأخير” في السودان، بهدف حماية المدنيين في مواجهة الفظائع التي يرتكبها الطرفان المتحاربان.
وأنشأ مجلس حقوق الإنسان هذه البعثة نهاية العام الماضي بهدف توثيق انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في البلاد منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في 15 أبريل 2023.
ويأتي موقف الحكومة السودانية رغم الوضع الإنساني المتدهور في البلاد وتحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من استمرار الانتهاكات، في حين تحاول الأطراف الوسيطة الوصول إلى توافق بين المتحاربين، وقال وسطاء بقيادة الولايات المتحدة الشهر الماضي إنهم حصلوا على ضمانات من كلا الطرفين في محادثات بسويسرا لتحسين آليات توصيل المساعدات الإنسانية، لكن غياب الجيش السوداني عن المناقشات عرقل إحراز تقدم.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحافيين “سنواصل الضغط على جميع الأطراف للتوصل إلى تسوية من خلال التفاوض تسمح للشعب السوداني برسم مستقبله السياسي”، مؤكدة إدانة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعنف.
وأسفرت الحرب عن عشرات الآلاف من القتلى، في حين تفيد تقديرات بأن العدد قد يصل إلى 150 ألفا.
ونزح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل السودان أو لجأوا إلى البلدان المجاورة منذ اندلاع المعارك، بحسب أرقام الأمم المتحدة. وتسببت المعارك في دمار واسع في البنية التحتية، وخرج أكثر من ثلاثة أرباع المرافق الصحية عن الخدمة.
وقد تحدث مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في مؤتمر صحفي الأحد بمدينة بورتسودان عن الوضع المأساوي في البلاد، وقال إن “المجتمع الدولي يبدو أنه نسي السودان ولا يبدي اهتماما كبيرا بالنزاع الذي يمزقه أو عواقبه على المنطقة”.
وأضاف أن عدد القتلى في السودان بلغ أكثر من 20 ألف قتيل جراء القتال الدائر في البلاد بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتابع “حسب المعلومات المتوفرة بشأن حرب السودان، فإن هناك أكثر من 20 ألف قتيل، و10 ملايين نازح، ومليونا لاجئ في دول الجوار”.
وأضاف أن “السودانيين يعانون اليوم من أزمات متتالية؛ أكبر موجة نزوح في العالم وخطر المجاعة يهدد أكثر من 25 مليونا من سكان السودان، من بينهم أكثر من 14 مليونا يحتاجون إلى تدخل عاجل”، موضحا أن التمويل المطلوب لهؤلاء يبلغ 2.7 مليار دولار، و”لم يتم توفير سوى أقل من نصفه”.
وزارة الخارجية السودانية تشن هجوما لاذعا على بعثة تقصي الحقائق، بسبب دعوة الأخيرة إلى حظر السلاح لإنقاذ حياة المدنيين الذين يواجهون شتى صنوف الانتهاكات
وتابع “كما يعانون من كوارث طبيعية تهدد بانهيار البنية التحتية وانتشار الأمراض وانهيار في القطاع الصحي، وهناك أعداد معتبرة تعرضت للعنف الجنسي”.
وأوضح غيبريسوس، الذي وصل إلى بورتسودان السبت في زيارة رسمية، أن “حجم الطوارئ صادم، وكذلك الإجراءات غير الكافية التي يتم اتخاذها للحد من الصراع”. ودعا العالم “إلى الاستيقاظ ومساعدة السودان على الخروج من الكابوس الذي يعيشه”.
وتؤكد الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في السودان تتفاقم، حيث تنتشر الأمراض والجوع، وتقدر بحاجة أكثر من 26 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، إلى المساعدات الإنسانية.
وقالت لجنة مراجعة المجاعة أن الصراع دفع المجتمعات بولاية شمال دارفور إلى المجاعة، وخاصة في معسكر زمزم للنازحين قرب الفاشر، عاصمة الولاية.
ويرجح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن يكون الناس في أكثر من عشر ولايات أخرى في نفس الظروف المروعة.
وتواجه البلاد بشكل عام مستويات تاريخية من “انعدام الأمن الغذائي الحاد”، فيما يوصف الوضع بـ”الخطير”، خاصة للعالقين في المناطق المتأثرة بالصراع، مثل ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان.
وإلى جانب الظروف المروعة في ما يرتبط بالجوع، يواجه السودان “أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم”، بحسب الأمم المتحدة.