الحكومة السودانية ترسم خارطة طريق تقصي القوى المدنية

حراك سياسي في القاهرة وبورتسودان بين قوى متحالفة مع الجيش.
الخميس 2025/02/06
البرهان يريد ظهيرا سياسيا يدعم المسار العسكري

تشهد مدينة بورتسودان التي يتخذ منها الجيش السوداني والحكومة التابعة له مقرا، حراكا لافتا، يستهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي، بما يصب في صالح أجندة الجيش والقوى المتحالفة معه.

الخرطوم - حمل مشروع ما بعد الحرب لقوى سياسية محسوبة على الحكومة السودانية، إشارات دالة على وجود مساع لرسم مشهد يتماشى مع ما يحرزه الجيش السوداني من تقدم عسكري في مناطق متفرقة، بينها الخرطوم، بما يوجِد ظهيرا سياسيا قد يقطع الطريق على تحركات اصطفاف وطني شامل.

وتصر هذه القوى على أن يكون الحوار سودانيا خالصا وداخل البلاد، وتقويض مشاركة بعض القوى السياسية، بعد صدور أحكام قضائية ضد سياسيين ينتمون إلى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وتمثل طيفا واسعا من القوى المدنية.

وتستبق التحركات السودانية دعوة وجهها الاتحاد الأفريقي لسودانيين لعقد مشاورات نهائية حول ترتيب حوار سوداني – سوداني في منتصف فبراير الجاري بأديس أبابا.

علي الدالي: القوى المحسوبة على الحكومة تريد فرض واقع سياسي
علي الدالي: القوى المحسوبة على الحكومة تريد فرض واقع سياسي

وتهدف القوى القريبة من الجيش السوداني إلى تبني رؤية يتم فرضها من جانبه، بما يصعّب مهمة إحداث توافق حقيقي، كما تستبق إعلان وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي تدشين حوار سوداني في بلاده تشارك فيه جميع القوى السياسية، استكمالا لمؤتمر القاهرة الذي عقد في يونيو الماضي.

وعلمت “العرب” أن اجتماعات انطلقت في بورتسودان أخيرا، شاركت فيها أحزاب داعمة للجيش السوداني، أبرزها: الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة عثمان الميرغني، وحزب الاتحاد الوطني بقيادة يوسف محمد الزين، وتنسيقية القوى الوطنية، والتحالف الديمقراطي ويقوده مبارك أردول، وشخصيات عامة بينها رئيس لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة المحامي نبيل أديب، وإدارات أهلية ومجتمعية في بورتسودان، وحركات مسلحة متحالفة مع الجيش، وقيادات محسوبة على حزب المؤتمر الوطني (المنحل) حضرت من خلال أحزاب سودانية مشاركة.

وأخذت عملية تجميع تلك القوى وقتا، وتمكنت الأطراف التي تقود الحوار من توسيع دائرة المشاركين فيه، بما يخلق واقعا سياسيا في بورتسودان، تقف في خلفيته قوى مؤثرة في المشهد، لا تقول مباشرة إنها ترفض الجلوس مع تنسيقية “تقدم”، لكن تتحجج برفض الجلوس مع أي شخص صدر بحقه حكم قضائي، ما يعرقل تواجده.

وسجلت لجنة شكلها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان منذ نحو عام بلاغات في نيابة بورتسودان ضد 17 من قياديي “تقدم”، بينهم رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك، وحوت مذكرة التوقيف تهما، مثل “إثارة الحرب ضد الدولة والتحريض والمعاونة والاتفاق، وتقويض النظام الدستوري، وارتكاب جرائم الحرب وضد الإنسانية، وإبادة الجماعية.”

وجاءت هذه التحركات من جانب واحد، بهدف توظيف انقسامات “تقدم” بعد خلاف نشب داخلها حول تشكيل حكومة موازية، ووسط توقعات بحدوث انشقاقات كبيرة، وهو ما تسعى إليه الحكومة السودانية للاستفادة منه عبر تدشين ظهير واسع من القوى المؤيدة للجيش، بما يقلص أي مكتسبات قد يحصل عليها المدنيون بعد الحرب.

وقد يكون تراجع نهم المكون العسكري في السلطة مدعوما بوصول آخرين محسوبين عليه دون ترك الغلبة لقوى مدنية أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير.

وقال المحلل السياسي السوداني علي الدالي إن اجتماعات بورتسودان لا تنفصل عن أخرى بدأت في القاهرة، ترمي لتدشين حوار سوداني- سوداني بواسطة قوى محسوبة على الجيش، تتكون من مجموعات رفضت التوقيع على بيان مؤتمر القاهرة السابق، ومن المتوقع مشاركتهم في أي مفاوضات مستقبلية كممثلين عن الجيش، والذي سيتوجب عليه الدخول لاحقا في مفاوضات مع قوات الدعم السريع لوقف الحرب.

وأضاف الدالي في تصريح لـ“العرب” أن القوى المحسوبة على الحكومة السودانية تريد فرض واقع سياسي عقب انتهاء الحرب، وقطع الطريق على قوى تسعى للتفاوض خارج السودان، ترى أن التواجد في بورتسودان يجعلها في قبضة الجيش.

المعز حضرة: "تقدم" لم تشارك في اجتماعات بورتسودان أو القاهرة
المعز حضرة: "تقدم" لم تشارك في اجتماعات بورتسودان أو القاهرة

وأوضح أن المستهدف هو وجود سلاح (سياسي) يمكن إشهاره حال تشكلت حكومة موازية في مناطق الدعم السريع، بحيث يمكن الإعلان عن أخرى عبر قوى قريبة من الجيش، لكن الاجتماعات الحالية تصعّب مهمة المجتمع الدولي في جمع كافة القوى السياسية على طاولة واحدة.

وشبه مراقبون ما يحدث في بورتسودان بحوار سياسي أطلقه الرئيس المعزول عمر البشير عام 2014، ولم يتمكن بموجبه من حل أي مشكلة، وعطل حوارات عديدة كانت تجري خارج السودان في ذلك الوقت، وبعد خمس سنوات اندلعت الثورة ضد البشير، ما يجعل الرهان على نجاح الحوارات في خلق مشهد يقبله السودانيون صعبا.

وأشار الدالي لـ“العرب” إلى أن القوى السياسية في بورتسودان شاركت في اجتماعات عدة في القاهرة وأديس أبابا وجدة، وجلست على طاولة واحدة مع تنسيقية “تقدم”، غير أن موقفها الحالي أخذ منحى أكثر تشددا، بالتزامن مع تقدم الجيش العسكري، ما جعله أكثر حرصا على تشكيل مشهد سياسي داخل بورتسودان وتوظيفه حال كان هناك إصرار على تكوين حكومة مدنية لاستعادة مقعد السودان في الاتحاد الأفريقي.

وكان الاتحاد الأفريقي عقد مشاورات في شهري يوليو وأغسطس الماضيين، في إطار عملية شاملة، تمهيدًا لإطلاق حوار سياسي بين الأطراف السودانية المختلفة، وشارك في الجولة الثانية التي عُقدت في أغسطس تحالف “تقدم”، بينما شهدت الأولى (في يوليو) مشاركة أكثر من 20 كتلة وحزبًا ومجموعة مدنية وشبابية مساندة للجيش.

وأكد عضو تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعز حضرة أن القوى المدنية داخل تنسيقية “تقدم” لم تشارك في اجتماعات بورتسودان أو القاهرة، لأنها تتم بين مجموعات غير محايدة، وتضم ممثلين للنظام السابق وهي عبارة عن واجهات لحزب المؤتمر الوطني، وقيادات بالحركة الإسلامية.

ولفت حضرة في تصريحات لـ“العرب” إلى أن تنسيقية “تقدم” لا تمانع في الجلوس مع أي قوى سياسية غير محسوبة على حزب المؤتمر الوطني، وهناك مساع للوقوف عند نقطة وسط بين رفض الحوار مع فلول البشير، وبين رفض المشاركة في حكومة موازية.

وذكر أن تنسيقة “تقدم” هي أكبر جسم مدني يمثل تكتل الرافضين للحرب، وتسعى مع الدول المؤثرة التي تهمها مصالح السودان إلى عقد مائدة مستديرة تضم جميع القوى السياسية، باستثناء المؤتمر الوطني، ووجدت هذه المبادرة قبولا من مصر والسعودية والإمارات وأوغندا وتشاد، ويعد ذلك هو الطريق الوحيد الذي بمقتضاه يتم التأسيس لسلطة مدنية بعد الحرب، ويتفرغ الجيش لحماية البلاد وممتلكاتها وحدودها.

 

اقرأ أيضا:

       • السودان بين الفيدرالية والعلمانية والديمقراطية

2