الحكومة الجزائرية تدافع عن القيود الجديدة على العمل النقابي

الجزائر - دافعت الحكومة الجزائرية عن محتوى مشروع قانون العمل النقابي والحق في الإضراب المثير للجدل، معتبرة أن الهدف منه حماية مصالح الاقتصاد الوطني مما أسمته بفوضى الإضرابات وتلاعب النقابات.
وذكّر وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي فيصل بن طالب بحجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد جراء الإضرابات في السنوات الأخيرة، فيما تجاهل المطالب المنادية بالتمسك بآخر مكاسب الديمقراطية والحريات في البلاد، التي كانت تعتبر العمل النقابي والحق في الإضراب خطا أحمر.
وأكد وزير العمل في دفاعه عن المشروع المعروض أمام الغرفة الأولى للبرلمان أن "قانون الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب يشجع على الحوار المثمر المبني على أساس احترام الحقوق الأساسية للعمال"، في إشارة إلى المراحل التي وضعها المشرع بين الإدارة والشريك الاجتماعي قبل اللجوء إلى الإضراب كوسيلة للاحتجاج.
وقال إن "هذا القانون يحدد مفهوم الإضراب في مجال العمل وشروطه وضوابطه القانونية، ويرسي آليات أكثر مرونة للحوار الاجتماعي ولتسوية النزاعات الجماعية ويهيئ مناخ عمل ملائما والحفاظ على السلم والاستقرار الاجتماعيين".
وأعلنت الفعاليات النقابية في الجزائر في وقت سابق عن رفضها المطلق لهذا المشروع الذي يشكل التفافا خطيرا على المكتسبات النقابية. وطالبت النقابات بضرورة إعادة النظر فيه وإشراكها في صياغة مشروع جديد.
واعتبر وزير العمل الجزائري أن مشروع القانون "لا يشكل بتاتا تضييقا أو تقييدا أو تراجعا في مكاسب ممارسة الحق الدستوري في الإضراب وإنما جاء لينظم هذا الحق، وأن الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وتسويتها تعد من أهم المسائل التي اهتم بها مشروع هذا القانون، لأن آليات الحوار والتشاور والتفاوض الجماعيين تعتبر الوسائل السلمية الحضارية الأمثل لتنظيم العلاقات المهنية لما لها من دور وقائي وعلاجي لهذه النزاعات لتفادي الآثار الوخيمة على المؤسسة والعمال والمجتمع بصفة عامة".
وبدا الهدف من تصريحات الوزير طمأنة النخب النقابية والسياسية التي تخشى من ضرب آخر المعاقل الديمقراطية والحقوقية التي ورثتها الطبقة الشغيلة عن الإصلاحات السياسية لنهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي.
وكانت نقابات عمالية وأحزاب سياسية قد شددت على أن قانون فض النزاعات الجماعية، هو تركيع للطبقة الشغيلة أمام سطوة الإدارة وأصحاب المال، لأنه "لم يترك الإضراب كحق مكفول للعمال، كما عمل على العزل بين العمل النقابي والسياسي ووسع لائحة القطاعات المعنية بحظر الإضراب إلى قطاعات جديدة بعدما كانت تقتصر حصرا على وحدات الجيش والأمن".
وشنت نقابات مستقلة نهاية فبراير الماضي إضرابات احتجاجية ونظمت وقفات أمام البرلمان للتنديد بمشروع القانون المذكور، ودعت إلى سحبه لغاية إجراء مشاورات ونقاش موسع داخل الطبقة العمالية والسياسية، غير أن العملية برمتها قوبلت بتجاهل كبير من طرف الحكومة التي تحدثت عن "مشاركة رمزية في إضراب دعت إليه نقابات بعضها غير شرعي".
وفي هذا الشأن أكد الوزير بن طالب أن “هذا النص يهدف إلى ترقية وتعزيز الحوار الاجتماعي ومختلف آليات التسوية الودية بغرض الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وإقامة علاقات مهنية متينة ودائمة قوامها التوازن بين حقوق العمال ومصالح المستخدمين بما يضمن الحفاظ على مناصب الشغل وديمومة الآلة الإنتاجية دون المساس بالحق الجماعي في الدفاع عن الحقوق المهنية والاجتماعية للعمال".
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد تحدث في تصريح سابق لوسائل إعلام محلية عما وصفه بـ"فوضى نقابية" نتيجة ليونة النصوص التشريعية في إنشاء النقابات، وعما قال عنه أيضا إنه "التباس كبير بين العمل النقابي وبين الأغراض السياسية والحزبية في توظيف الجبهة الاجتماعية والمطالب العمالية".
وهو ما يكون الوزير قد أراد توضيحه لنواب البرلمان من خلال تشديده على أن "الإضرابات الفوضوية كبدت البلاد خسائر مالية معتبرة خلال السنوات العشر الأخيرة التي هيمنت فيها الإضرابات غير القانونية على العمل النقابي.
◙ تصريحات بن طالب تأتي لطمأنة النخب النقابية والسياسية التي تخشى من ضرب آخر المعاقل الديمقراطية والحقوقية
ولفت إلى أن بلاده "سجلت في الفترة ما بين عام 2013 والعام الماضي 2173 إضرابا، وأن جل تلك الإضرابات جاءت مخالفة للأحكام التشريعية المعمول بها وكل الدعاوى التي رفعتها الهيئات المستخدمة أمام الجهات القضائية أفضت إلى الحكم بعدم شرعية الإضراب وأمرت بالتوقف الفوري له، وأن هذه الإضرابات غير القانونية أدت إلى ضياع أزيد من 8 ملايين يوم عمل".
وشدد على أن "مشروع القانون المذكور أمام المجلس الشعبي الوطني يهدف إلى ترقية وتعزيز الحوار الاجتماعي ومختلف آليات التسوية الودية بغرض الوقاية من النزاعات الجماعية للعمل وإقامة علاقات مهنية متينة ودائمة قوامها التوازن".
وأكد الوزير على أن “حتمية هذا المشروع أملتها ضرورتان: تتمثل الأولى في توفير آليات فعالة للوقاية وتسوية النزاعات الجماعية للعمل، بينما تتمثل الثانية في إيجاد توازن بين حق الإضراب والحقوق الأخرى ذات القيمة الدستورية كاستمرارية الخدمة العمومية وحرية المقاولة وحرية العمل".
ويرى مراقبون أن تمرير مشروع القانون يكاد يكون محسوما في ظل سيطرة الأغلبية المؤيدة للسلطة، مشيرين إلى أن هذا الأمر يضع النقابات والمعارضة في موقف صعب بين التصعيد في الشارع أو القبول بالأمر الواقع، وبالتالي الخضوع لأجندة السلطة السياسية.