الحكومة الجزائرية تتنازل للمحامين بعد رجال الأعمال

الجزائر - أعلنت المنظمة المهنية للمحامين عن تجميد قرار الإضراب الذي هددت به خلال الشهر الحالي، وذلك في أعقاب اللقاء الذي جمعها بوزير العدل لبحث المطالب التي رفعتها، خاصة مراجعة مشروع قانوني العقوبات والجنايات، الأمر الذي يعتبر تنازلا جديدا للحكومة يأتي في أعقاب التنازل الذي قدمته عبر الإعلان عن تجميد عمل لجنة التقويم المالي لرجال الأعمال.
وتوصل الاجتماع الذي جمع وزير العدل حافظ الأختام الجزائري عبدالرشيد طبي، مع نقابة المحامين، إلى اتفاق يتم بموجبه إطلاق ثلاث لجان مختصة لمراجعة مشروع قانوني العقوبات والجنايات، مقابل تعليق الإضراب الشامل الذي كان مقررا في غضون هذا الأسبوع.
وجاءت هذه الخطوة لتحتوي حالة من التصعيد الخطابي بين الطرفين، خاصة وأنها تزامنت مع الدخول الاجتماعي الذي تريده السلطة أن يتم بمرونة، وبعيدا عن أجواء الشحن والغضب الذي يهدد الجبهة الاجتماعية بالانفجار، خاصة في ظل الانتقادات المتصاعدة للسلطة حول تدهور الأوضاع المعيشية وتراجع مساحة الحريات والحقوق.
ويعتبر هذا التنازل هو الثاني من نوعه الذي تقدمه الحكومة لصالح شركائها الاجتماعيين، بعد ذلك الذي تقرر بشأن تجميد عمل لجنة إعادة التقويم المالي لرجال المال والأعمال، المعلن عنه من طرف الرجل الأول في مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري كمال مولى.
الاتحاد الوطني لنقابات المحامين يقرر تعليق مقاطعة عمل الجهاز القضائي التي كانت مقررة من 24 إلى 30 سبتمبر
ويجهل إذا كانت التنازلات المذكورة نابعة عن إرادة السلطة في تهدئة الجبهة الاجتماعية والاستجابة لانشغالات الشركاء الاجتماعيين، في ظل الحديث عن تدخل جهات خارجية من أجل دفعها إلى التراجع عن بعض القرارات، كما حدث مع الولايات المتحدة الأميركية، التي تدخلت عبر سفيرتها لدى الرئيس عبدالمجيد تبون، بعد الانشغال المرفوع لها من طرف إدارة شركة “فايزر” حول ضغوط لجنة التقويم المالي.
وفي نفس الاتجاه ذهبت مراسلة داخلية صادرة عن المستشار الاقتصادي في بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر، موجهة لرجال الأعمال والشركات الأوروبية العاملة في الجزائر، تحضهم على عدم التجاوب مع لجنة التقويم المالي، بعدم التوقيع على أي وثيقة، وعدم دفع أي مبلغ يطلب منهم، والاتصال بسفارات بلدانهم أو بعثة الاتحاد، وتعهد المستشار الاقتصادي بالتدخل لدى السلطات الجزائرية لرفع ما وصفه بـ”الضغط غير المشروع وغير القانوني”.
وهو ما يتطابق مع خطاب الرئيس تبون، الذي أكد في أكثر من مناسبة، كانت آخرها في منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بنيويورك، حول ما أسماه بـ”إذعان بلاده لتشريعات واتفاقيات الأمم المتحدة خاصة في مجال حقوق الإنسان”، وهو ما ترجمه تشكيل لجنة مشتركة دائمة بين الوزارة ومكتب الأمم المتحدة لدراسة مشاريع القوانين قبل عرضها على البرلمان، وهي خطوة تجسد تنسيق وانسياق الحكومة الجزائرية لترسانة التشريعات الأممية.
وكانت سيدة الأعمال سعيدة نغزة قد طلبت في رسالتها المثيرة إلى الرئيس تبون، عقد لقاء للثلاثية (الحكومة، أرباب العمل، والنقابات) لبحث الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وانتقدت بشدة محتوى الرد الذي جاءها عبر برقية للوكالة الرسمية، اتهمت الهيئة المذكورة (الثلاثية) بالإرث المافياوي الذي بدد وأفسد المال العام.
غير أن تجاوب الحكومة مع قلق طبقة رجال الأعمال ورؤساء المؤسسات الناجم عن عمل لجنة التقويم المالي، ثم الجلوس للحوار مع نقابة المحامين، يعتبر أحد أوجه عمل هيئة الثلاثية قبل تجاوزها من طرف السلطة الجديدة في البلاد منذ العام 2019، خاصة وأن الحكومة لا يستبعد أن تقدم تنازلات جديدة لصالح شركاء اجتماعيين آخرين.
اقرأ أيضا:
وأفاد بيان صحفي لنقابة المحامين بأنه “بعد نقاش صريح، اتفقت نقابة المحامين ووزير العدل على تشكيل لجنة مشتركة لدراسة القضايا الخلافية المتعلقة بمشروعي القانونين المتعلقين بقانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية”.
وأضاف “كما تقرر إحداث لجنة مشتركة لإثراء مشاريع القوانين المتعلقة بمجلة المرافعات المدنية والإدارية والمجلة التجارية، أما اللجنة الثالثة فهي تجمع بين مكتب الأمم المتحدة ووزير العدل لإثراء مشاريع قوانين القطاع قبل عرضها على البرلمان”.
وأعلن أنه عقب هذا الاجتماع، “قرر الاتحاد الوطني لنقابات المحامين تعليق مقاطعة عمل الجهاز القضائي التي كانت مقررة في الفترة من الرابع والعشرين إلى الثلاثين من سبتمبر الجاري”.
وكانت مصادر مختلفة قد تحدثت عن أن مشروعي القانونين يتضمنان خرقا للحقوق المكتسبة وتقييدا لعمل جهاز المحاماة، فضلا عن توسيع صلاحيات الضبطية القضائية، حيث يتم بموجبهما حذف ما يعرف بهيئة المحلفين، وهم الأشخاص العاديون الذين يتم اختيارهم من المجتمع لحضور مداولات ومحاكمات الجرائم الجنائية، تجسيدا لمبدأ صدور الأحكام باسم الشعب الجزائري.
كما يصبح بموجبهما أيضا الحصول على ملف التقاضي من طرف الدفاع يخضع لرغبة القضاة في منحه له أو عدمه، فضلا عن توسيع صلاحيات الضبطية القضائية في القيام بعمل الوساطة بين المتقاضين دون حضور المحامين.