الحكومة الجزائرية تتدخل لضبط البرامج الاجتماعية وجمع التبرعات

أعلنت السلطات الجزائرية منع القنوات التلفزيونية الخاصة من بث البرامج الاجتماعية الموجهة لمساعدة الفئات الاجتماعية الهشة وعرض ظروف أفراد أو مرضى في حاجة إلى المساعدة المادية وجمع الأموال لصالحهم، إلى حين وضع إطار قانوني ينظم العمل الإعلامي وفق شروط تضبطها، وذلك بعد موجة من الجدل رافقت أحد البرامج.
الجزائر - قرر وزير الاتصال الجزائري وقف جميع البرامج الاجتماعية المهتمة بنشاط التبرع، إلى غاية صدور النص التنظيمي للقطاع السمعي البصري، وذلك في أعقاب اندلاع سجال بين قناة خاصة وإمام مسجد حول مزاعم بتحويله لمبلغ مهم لصالحه، بعدما تم التبرع به لوالد طفلة مريضة، وهو ما نفاه الإمام تماما.
وأثار برنامج تلفزيوني تبثه قناة “النهار” الخاصة جدلا صاخبا لدى المتابعين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، بدعوى ضربه للقيم الروحية والاجتماعية، من خلال توجيه الاتهام إلى إمام مسجد، بأحد أحياء مدينة سطيف في شرق البلاد، بالاستيلاء على تبرعات مالية مهمة، جمعها المحسنون من أجل مساعدة وليّ طفلة مريضة.
واضطرت الوزارة الوصية إلى التدخل عبر لقاء وجهه الوزير محمد لعقاب لمديري ومسؤولي القنوات التلفزيونية الحكومية والخاصة، لبحث مسألة معالجة القضايا الاجتماعية، وتقرر وقف البرامج التي تعمل على جمع التبرعات ومساعدة الأشخاص المحتاجين، إلى غاية صدور نص تنظيمي تفاديا للسقوط في حادثة مماثلة لما أثاره برنامج “خليها على ربي” الذي تبثه القناة المذكورة.
وشنّ مدوّنون على شبكات التواصل الاجتماعي، حملة انتقاد حادة وواسعة ضد القناة وضد الصحفية المنتجة والمقدمة للبرنامج، ووجهوا لها اتهامات بالعمل على كسر قيم المجتمع والمساس برموزه المقدسة، لاسيما وأن القناة معروفة بتناولها لـ”القضايا” الاجتماعية بمختلف أشكالها وأنواعها، خاصة العلاقات الأسرية.
وزارة الاتصال تتجه إلى تطويق حملات الجدل المؤثرة على الاستقرار الاجتماعي وتوجيه الرأي العام خارج الاستحقاقات المبرمجة
وظهرت الصحفية عائشة بوزمارن في حالة تأثر شديد من حملة الانتقاد التي شنت ضدها وضد برنامجها، وأكدت في تصريح لنفس القناة بأنها “لم تكن تقصد الإساءة للإمام، ولا كسر قيم المجتمع كما يزعم الكثير، وأنها ملتزمة بالدين وبالأعراف ولم تكن نيتها إثارة كل هذا الجدل”.
من جهته عبّر الإمام عمر بن زاوي في خطبه أمام رواد مسجد حي طنجة بمدينة سطيف أو من خلال ظهوره على شبكات التواصل الاجتماعي، عن تعرضه لحملة تشويه وقذف من طرف البرنامج، وأن القناة انحازت في روايتها لتفاصيل الحادثة لصالح المدعي، بينما أظهرته هو في ثوب الجاني.
وذكر بأن “والد الطفلة قدم مع ابنته من مدينة تيارت الواقعة في غرب البلاد، إلى المسجد وطلب منه أن يطرح حاجته لعملية تبرع من أجل علاج ابنته على رواد ومحسني الحي، ولأن العملية غير مرخص بها فقد ترددت في بداية الأمر، لكن إلحاحه وتوسله جعلني أتجاوز النصوص الناظمة وأطرح حاجته في صلاة الجمعة، وتم جمع مبلغ من المال لا أعلم قيمته، لأنني تفاديت الخوض فيه وطلبت تسليمه من القيمين إلى صاحبه”.
وأضاف “بعدها بأيام تفاجأت بوصول استدعاء لي من مفرزة الدرك الوطني للتحقيق معي حول مزاعم يقول فيها صاحبها إنني استوليت على مبلغ يعادل 30 ألف دولار، تم جمعه خلال عملية التبرع، وبعدها ظهر الرجل في برنامج تلفزيوني يدّعي ذلك أمام المتابعين والجمهور”.
برنامج تلفزيوني تبثه قناة "النهار" الخاصة أثار جدلا صاخبا لدى المتابعين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، بدعوى ضربه للقيم الروحية والاجتماعية
وأردف “المبلغ ضخم ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال جمعه في صلاة جمعة واحدة لا تتعدى نصف ساعة، ولقد كانت حملات التبرع المبرمجة والمحضر لها في جميع مساجد الولاية (800 مسجد) لا تتعدى حدود 70 ألف دولار، فكيف يتم جمع 30 ألف دولار في مسجد واحد وفي جمعة واحدة لا تدوم إلا نصف ساعة”.
ولفت المتحدث إلى أن ما سمعه خلال الحملة من القيمين أن المبلغ يقدر بحوالي 2000 دولار، وأنني أطلب أمام الجزائريين وفي جميع المحافظات والمدن، أن من تبرع بمبلغ لهذا الرجل خلال العملية المذكورة أن يجهر به كي يتأكد الحق من الباطل.
وتتجه وزارة الاتصال إلى تطويق حملات الجدل المؤثرة على الاستقرار الاجتماعي وتوجيه الرأي العام خارج الاستحقاقات المبرمجة، حيث تدخلت بقوة ما أسمته بـ”انفلات الإعلام الرياضي “، وخلال شهر رمضان الماضي تدخلت لضبط محتوى بعض البرامج التلفزيونية، فضلا عن احترام الذوق العام ووقف هيمنة الإعلان على الرسالة الإعلامية والتثقيفية والترفيهية، وقررت الآن وقف مثل هذه البرامج بعد حادثة إمام مسجد سطيف.
وذكر بيان لها أن “وزير الاتصال الدكتور محمد لعقاب، التقى مع مدراء القنوات التلفزيونية والإذاعية العمومية والخاصة، وتم التطرق للقضايا التي تشغل قطاع الاتصال بصفة عامة، لاسيما ما تعلق منها بتعزيز المهنية والاحترافية”.
وأوضح أن الاجتماع جاء على خلفية ما أثير مؤخرا بخصوص تناول قناة تلفزيونية خاصة موضوعا اجتماعيا كان أحد الأئمة وأحد المواطنين أطرافا فيه، وقد أحدث ردود فعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ولفت إلى أن الوزير شدد على أن معالجة القضايا الاجتماعية هي مسائل مشحونة بالعواطف تتطلب مهنية واحترافية وحيادية عالية، والسلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري سجلت العديد من الخروقات القانونية وانتهاكات لآداب وأخلاقيات المهنة، لاسيما فيما يتعلق باحترام كرامة الإنسان، والتدقيق في المعلومة والتأكد من مصدر الخبر، والاحترام الصارم لآداب وأخلاقيات المهنة.
وأكد أن “بعض البرامج التي تقوم على جمع التبرعات، كان يتعين عليها الامتثال لأحكام القانون المنظم لهذه العملية، وأن مثل هذه البرامج تقتضي مهنيا التثبت من حقيقة الحاجة الاجتماعية من جهة، ومراعاة الجانب المهني من جهة أخرى، لاسيما وأن مصالح الوزارة استقبلت العديد من الشكاوى من مواطنين حول عمليات ابتزاز واحتيال جراء مثل هذه البرامج “.