الحكومة الجزائرية المعدلة ترسب في امتحان البصل

الجزائر- سجلت مادة البصل ارتفاعا غير مسبوق في الأسواق الجزائرية خلال الأسابيع الأخيرة، حيث وصل سعره في مختلف المحال أكثر من 1.5 دولار للكيلوغرام الواحد، ليكون بذلك أول تحد لحكومة تم تعديلها أسبوعا قبل حلول شهر رمضان، من أجل التحكم في الأسعار ومحاربة الندرة، غير أن اللافت أن الأزمة القائمة لا تتصل بالأفراد بقدر ما تتصل بمنظومة اقتصادية وتجارية تبقى هي المصدر الأول للارتباك الذي تعيشه الأسواق.
وورث وزير التجارة الجزائري الجديد الطيب زيتوني تركة ثقيلة من سلفه كمال رزيق، خاصة فيما يتعلق بوتيرة الأسعار الخيالية والندرة أو النقص المسجّل في العديد من المواد بما فيها ذات الاستهلاك الواسع كالزيت والحليب والطحين، غير أن نفس الذرائع يواصل الرجل تسويقها من أجل تبرير الوضع المرتبك للأسواق المحلية.
وتحولت أسعار البصل خلال الأسابيع الأخيرة إلى قضية رأي عام في الشارع الجزائري بسبب ارتفاعها التاريخي، الأمر الذي صنفه في خانة المواد الكمالية أو الفواكه، رغم أنه يمثل المادة الأساسية في مطابخ الجزائريين خاصة خلال شهر رمضان، وظل محافظا طيلة السنوات الأخيرة على أسعار في المتناول رغم موجة الغلاء التي مست معظم الخضار.
ولا زالت السلطات التجارية والزراعية المختصة عاجزة عن ضبط وتنظيم الأسواق المحلية، فارتباك الوفرة والأسعار يبقى سمة أساسية في الأسواق الجزائرية، رغم أن الأمر يتعلق بمنتجات محلية لا تخضع لمتاعب وتعقيدات الاستيراد، ففي كل مرة يتفاجأ المستهلك بندرة أو غلاء مادة من المواد، كما يحدث الآن مع البصل.
لكن لوزير التجارة وترقية الصادرات الجديد الطيب زيتوني رأي آخر في المسألة، فهو يرى أن “مشكلة الندرة على مستوى المواد الأولية واسعة الاستهلاك غير موجود في الجزائر، وأن الخلل والإشكال كان حول عملية التوزيع وتنظيمها”.
وكشف في تصريح أدلى به للإذاعة الحكومية على أن “الوزارة اعتمدت جملة من التحسينات على خطة العمل من أجل بلوغ الأهداف التي وضعتها الدولة، لضمان وفرة الإنتاج وحسن التوزيع وضبط السوق الجزائرية”.
وشدد على أن مصالحه تضطلع بـ”ضبط السوق الوطنية وتنظيمها وحسن توزيع المواد الاستهلاكية، ثم المراقبة والسهر على صحة المواطن والتأكد من أن هذه المواد صالحة للاستهلاك، وكذلك تطوير التجارة الخارجية ورقمنة القطاع، وهي أولويات أساسية باشر القطاع وفقها عملية تحسين الإستراتيجية الوطنية من أجل بلوغ الأهداف المسطرة”.
ويبدو أن الوزير، ومن خلفه الحكومة، يسير عكس تيار قطاع من الخبراء والمختصين الذين يرجعون حالة الارتباك والتخبط التي تعيشها الأسواق المحلية إلى الفوضى وعجز الحكومة عن ضبط قطاعي الزراعة والتجارة، نظرا إلى عدم امتلاكها للبيانات الأساسية المتعلقة بحاجيات السوق من كل مادة، وأن كل شيء متروك للصدفة.
ويرى المزارع خليفة دبار، من محافظة وادى سوف، أن غياب آليات التخطيط والخارطة الأساسية للمنتجات وحاجيات الأسواق هي التي تجعلها تعيش على وقع حالة من التذبذب، ففي موسم تسجل فائضا يؤدي إلى اتلاف المنتوج وتكبيد الفلاح خسائر كبيرة، وفي موسم آخر ينفر المزارعون من ذلك المنتوج، فيكون الإنتاج قليلا وغير كاف، فترتفع أسعاره وتحوم حوله الندرة، ليعود إليه المزارعون في الموسم الآخر على أمل الاستفادة من الطفرة، وهكذا دواليك.
ويضيف “الإدارة الزراعية والتجارية لا زالت دون مستوى الضبط والتنظيم، فوفرة الإنتاج لا تقابلها إمكانيات تخزين وتسويق متدرّج، وحتى التخطيط والاستشراف غائب، في ظل غياب البيانات الحقيقية حول الحاجيات الحقيقية للاستهلاك، وكيفية توزيع الإنتاج أو طلبه من المزارعين لتلبية الحاجيات الداخلية أو التوجه إلى التصدير”.
وتحاول السلطة الجزائرية في كل مرة تبرير الموقف بتفشي الندرة والتضخم في مختلف الأسواق العالمية منذ جائحة كورونا، إلى غاية ارتدادات الأزمة الأوكرانية على الأسواق العالمية، لكن ذلك لا يغفل مسؤوليتها عمّا وصلت إليه الأوضاع في الآونة الأخيرة، وذلك باعتراف الرجل الأول في الدولة، الرئيس عبدالمجيد تبون، نفسه، في أكثر من تصريح صحفي.
وكانت أزمة الندرة والأسعار الفاحشة مصدر غضب تبون، بحسب ما روّجت له برقية لوكالة الأنباء الرسمية منذ أسابيع، وعمّا قالت عنه، “عدم رضى الرئيس على أداء الحكومة”، وتوجهت حينها كل الأصابع إلى وزير التجارة كمال رزيق كونه المسؤول المباشر عن الظاهرة، رغم أن المسؤولية السياسية والأخلاقية لعمل الحكومة يتحملها رئيس الجمهورية بحسب تصنيف الدستور للمؤسسات وصلاحيات المسؤولين، فبموجبه تقوم الحكومة بـ”تطبيق وتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية”.
ويبدو أن الرئيس تبون كان بصدد امتصاص غضب الشارع الجزائر من الأوضاع التجارية والتموينية والغلاء، وليس ترتيب أو ضبط أوتار الحكومة، فالوزير الذي كان محل غضب لم يتأخر في تعيينه مستشارا لدى رئاسة الجمهورية حتى دون أن يسمّي مهمته الجديدة، وهو ما يؤكد أن سياسة التموين وحظر الاستيراد والتقشف المنتهج خلال السنوات الأخيرة كان بإيعاز من رئيس الدولة، وأن الوزير ما هو إلا مجرد منفذ وليس صاحب قرار.