الحكومة التونسية تتحرك لضبط الانفلات في الفضاء الإلكتروني

الرئيس سعيد: "تدبير مسبق" وراء الشائعات على مواقع التواصل.
الجمعة 2023/08/25
الرئيس سعيد: لا يمكن أن تبقى الدولة مكتوفة الأيدي أمام حملات التشويه

تونس - تواجه السلطة السياسية في تونس تحديات كبيرة في ضبط الخطاب والمحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل وجود العشرات من الصفحات والحسابات الممولة، والتي يدار بعضها من الخارج لـ”شيطنة” السلطة. وتجد السلطة التونسية نفسها أمام إكراهات في التعامل مع حالة الانفلات داخل الفضاء الإلكتروني، لاسيما مع وجود خيط رفيع يربط بين حرية الرأي والتعبير وبين خطاب ممنهج موجه رأسا ضد السلطة كل الأساليب فيه مباحة، في سياق الصراع السياسي الذي تعيشه البلاد.

ويرى متابعون أن السلطات التونسية كانت تتجنب على مدى العامين الماضيين اتخاذ إجراءات رادعة أو زجرية بحق الصفحات المشبوهة الناشطة على مواقع التواصل، رغم وجود نصوص قانونية في الغرض، وذلك في سياق محاولاتها تفادي المزيد من الانتقادات والهجمات، لكن الصمت عن هذا الوضع لم يعد مقبولا بالنسبة إليها. وقال الرئيس التونسي قيس سعيد، مساء الأربعاء، إن إطلاق الشائعات والسب والشتم على مواقع التواصل الاجتماعي “لا علاقة له بحرية التعبير”، مؤكدا أن وراءها “تدبير مسبق وتخطيط مرتّب”، داعيا إلى ضرورة وضع حد لهذا الأمر.

وجاء ذلك في بيان أصدرته الرئاسة التونسية عقب اجتماع الرئيس سعيّد بقصر قرطاج مع وزراء العدل ليلى جفال والداخلية كمال الفقي وتكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي وعدد من المسؤولين الأمنيين. وتم خلال هذا الاجتماع، وفق البيان، بحث عدد من المحاور من أهمها الجرائم الإلكترونية ودور الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية (حكومية).

◙ السلطات التونسية كانت تتجنب اتخاذ إجراءات رادعة أو زجرية بحق الصفحات المشبوهة رغم وجود نصوص قانونية في الغرض

وقال سعيد، وفق البيان، إن “حملات التشويه والتهديد تتزامن في العديد من الأحيان لتستهدف جهة محددة أو أشخاصا بأسمائهم ووظائفهم (دون تسميتهم)”. وأضاف أن “مثل هذا التزامن يدلّ على تدبير مسبق وتخطيط مرتّب تتولاه مجموعات هدفها بثّ الفوضى وزعزعة الاستقرار”. وأردف سعيد “الحريات ضمنها الدستور وسائر التشريعات الوطنية والمعاهدات الدولية ولكن لا مجال للتردد في إنفاذ القانون لأفعال يُجرّمها القانون”. وأكد أنه “لا تراجع في مواجهة هذا الانفلات عن الحريات”.

وشدد الرئيس التونسي على أنه “لا أحد فوق القانون ولا مجال لأن تبقى الدولة مكتوفة الأيدي أمام من يسعى بكل الطرق للتنكيل بالشعب التونسي وافتعال الأزمات”. ولوحظ مؤخرا استهداف العديد من الصفحات لوزراء بعينهم ولاسيما وزيرة العدل التي تخوض جهودا كبيرة في سياق المعركة القائمة مع المنظومة السابقة. وعقب الاجتماع أصدرت وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال بيانا مشتركا ذكرت فيه أنه “تمت إثارة التتبّعات الجزائية للكشف عن هوية أصحاب ومستغلي الصفحات (..) والمجموعات الإلكترونية التي تعمد إلى استغلال هذه المنصات لإنتاج بيانات وإشاعات كاذبة”.

وحذر البيان من أن "كل من يساهم أو يشارك في نشر محتوى موقع أو صفحة محل تتبع عدلي أو جزائي بأي طريقة كانت داخل أو خارج التراب التونسي، فإنه يعرض نفسه إلى التتبّعات الجزائية". وذكر البيان أنه سيتم نشر قوائم الصفحات والمجموعات الإلكترونية محلّ التتبع بصفة دورية على المواقع الرسمية.

وكانت السلطات التونسية شنت قبل فترة حملة ضد مروجي الشائعات على مواقع التواصل، واستخدام مفردات تتضمن قدحا وذما في أشخاص، لكنها سرعان ما تراجعت عن الحملة تحت وقع ضغوط من نشطاء معارضين اتهموها بالسعي لتكميم الأفواه ضمن مسار يستهدف ضرب الحريات المكتسبة في البلاد.

ويرى خبراء أن خطوات ضبط حالة الانفلات في الفضاء الإلكتروني باتت ضرورة ملحة في ظل حجم الشائعات التي تساق يوميا من صفحات معروفة الخلفية تعمل على إثارة الإرباك والبلبلة ضمن مخطط يستهدف مسار الخامس والعشرين من يوليو. ويستدرك الخبراء بالقول إن ذلك لا يعني عدم وجود مخاوف من أن يتحول الأمر إلى استهداف لأي صوت منتقد. واتهمت جبهة الخلاص الوطني التي تقودها حركة النهضة الإسلامية، الخميس، السلطة السياسية بـ”محاولة يائسة لإخراس أصوات” المنتقدين لأدائها.

◙ تتبّعات جزائية بحق أصحاب ومستغلي الصفحات والمجموعات التي تعمد إلى استغلال المنصات لإنتاج بيانات وإشاعات كاذبة

ووصفت الجبهة البيان المشترك لوزارات العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال بأنه “سابقة غير معهودة”، قائلة إنه "يأتي على إثر اجتماع الرئيس قيس سعيد بكل من وزراء العدل والداخلية وتكنولوجيات الاتصال ومدراء الأمن والحرس الوطنيين ومستشاره للأمن القومي". واعتبرت الجبهة أن "البيان يرتقي إلى مستوى إعلان الحرب على حرية الكلمة والتعبير في محاولة يائسة لإخراس أصوات المدونين الناقدين لأداء السلطة والمعبرين عن تنامي التذمر الشعبي في وجه الأزمة المالية والاجتماعية المحتدمة".

وحثت “كل القوى الحية في البلاد (..) على الدفاع عن الحريات العامة والفردية وإنقاذ تونس من خطر التفكك والانهيار وفتح طريق للإصلاح يؤمن لها الاستقرار والنهوض الاقتصادي والاجتماعي”. وتُتهم جبهة الخلاص ولاسيما حركة النهضة الإسلامية بالوقوف خلف العشرات من الصفحات الفيسبوكية وامتلاكها لجيوش إلكترونية تعمل على إثارة النعرات وبث الشائعات في خضم معركتها المفتوحة مع الرئيس سعيد.

وفي 12 يوليو الماضي دعا سعيد إلى وضع حد للشائعات التي تستهدف الدولة وعدد من المسؤولين داخل أجهزة الدولة دون أن يوضح فحوى هذه الشائعات. وفي سبتمبر 2022 صدر المرسوم الرئاسي رقم 54 لمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال. ويتضمن المرسوم الرئاسي 38 فصلًا وعقوبات مشددة، إذ تنص المادة 24 منه بالسجن خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى 16 ألف دولار، بتهمة نشر أخبار زائفة أو الإضرار بالأمن العام والدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان.

5