الحكومة التونسية تتجاهل نقابة الصحافيين كما الحال مع اتحاد الشغل

تونس - أعربت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عن تذمرها من طريقة تعاطي بعض الوزارات معها وعدم التعاون مع الصحافيين في تزويدهم بالمعلومة، وسط مخاوف من أن يكون هناك توجه رسمي لتجاهل النقابة ومنظوريها كما هو الحال مع الاتحاد العام التونسي للشغل.
ويوجد اعتقاد سائد لدى السلطة السياسية في تونس بأن نقابة الصحافيين هي أحد أطراف المنظومة المضادة لها، لجهة الخطاب التصعيدي الذي تبناه المكتب التنفيذي الحالي للنقابة، منذ الأشهر الأولى من إعلان مسار الخامس والعشرين من يوليو 2021.
وكرس تصعيد نقابة الصحافيين، الذي يترافق عادة مع حملات وخطوات تصعيدية أخرى للاتحاد العام التونسي ضد الرئيس قيس سعيد، ذلك الاعتقاد، وسط حديث عن أن الأمر لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة في ظل الوضع السياسي المتشنج الذي تشهده البلاد.
وقد أثر النهج الحالي الذي تسلكه نقابة الصحافيين على العلاقة مع الجهات الحكومية، حيث هناك اليوم ما يشبه القطيعة بين الجانبين، الأمر الذي انعكس سلبا على الأداء الصحفي حيث يواجه الصحافيون اليوم صعوبات في الحصول على المعلومات، فضلا عن تعرض العديد منهم لمضايقات أثناء تغطياتهم لاسيما خلال الوقفات الاحتجاجية.
صحافيون يحذرون من تصاعد نسق التضييق الأمني على أبناء القطاع، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعفن المناخ الحالي
ودعت نقابة الصحافيين في تقريرها الشهري الصادر الإثنين رئاسة الحكومة إلى مراجعة توجه وزارات العدل والداخلية وتكنولوجيا الاتصال نحو مقاربة زجرية والتوجه نحو مقاربة وقائية تقوم على الانفتاح على وسائل الإعلام في مجابهة الأخبار الزائفة.
وطالبت النقابة بضرورة سحب كل المناشير الإدارية التي تكرس تجفيف منابع المعلومات ورفع العوائق غير المشروعة أمام التدفق الحر للمعلومات وضمانها من مصادرها الرسمية حماية للمواطن من الأخبار الزائفة وضمانا لصحافة الجودة.
كما دعت نقابة الصحافيين الجهات القضائية إلى إيقاف الإحالات إلى المحاكم خارج إطار القانون المنظم لقطاع الصحافة وحفظ كل الشكاوى التي تستند إلى نصوص أخرى، وقبول مطلب التعقيب ومطلب إيقاف التنفيذ في ملف الصحافي المودع في سجن المرناقية خليفة القاسمي، ومراجعة بطاقة إيداع الصحافية شذى الحاج مبارك في سجن المسعدين وإطلاق سراحها.
وذكر التقرير أن وحدة الرصد في مركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحافيين سجلت 10 اعتداءات على صحافيين ومصورين صحافيين خلال شهر أغسطس الماضي من أصل 15 إشعارا بحالة اعتداء.
وجاء في التقرير الشهري أن هذه الاعتداءات وردت من رصد شبكات التواصل الاجتماعي ومراقبة مواقع المؤسسات الإعلامية، وعبر متابعة البرامج والأخبار في وسائل الإعلام وعبر الاتصالات المباشرة من قبل ضحايا الاعتداءات أو شهود العيان.
وطالت الاعتداءات 12 صحافيا ومصورا صحافيا يعملون في 6 مؤسسات إعلامية توزعت على موقعين إلكترونيين وثلاث قنوات إذاعية وقناة تلفزيونية واحدة. وقد طالت ضحايا الاعتداءات ست حالات مضايقة وحالتا منع من العمل وحالة تحريض وحالة اعتداء لفظي.
النقابة تطالب بضرورة سحب كل المناشير الإدارية التي تكرس تجفيف منابع المعلومات ورفع العوائق غير المشروعة أمام التدفق الحر للمعلومات وضمانها من مصادرها الرسمية
ويحذر صحافيون من تصاعد نسق التضييق الأمني على أبناء القطاع، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعفن المناخ الحالي، مشيرين إلى أن هناك حاجة ماسة اليوم إلى حوار جدي بين السلطة والنقابة، واعتبروا أن القطيعة بين الطرفين مسؤولية مشتركة.
ويقول الصحافيون إن على السلطة السياسية أن تبدي انفتاحا على معالجة الإخلالات التي يدفع ثمنها أبناء المهنة، في المقابل على نقابة الصحافيين أن تعيد النظر في نهجها، حيث بات الصراع الدائر بين الطرفين يتخذ بعدا سياسيا وهذا الأمر خطير، ويدفع ثمنه ليس الصحافي فقط وإنما المواطن التونسي أيضا.
وأشار الصحافيون الذين استطلعت “العرب” آراءهم إلى أن تركيز النقابة على الإعلام الحكومي والمخاوف من سيطرة السلطة عليه يبقيان مثار اختلاف وجدل بين أصحاب المهنة، حيث أنه في أعتى الديمقراطيات مثل فرنسا وغيرها هناك خطوط حمراء للإعلام الرسمي، وتقيد بخط تحريري لا يتجاوز المصالح العليا للدولة.
ويضرب هؤلاء مثلا قضية الانقلاب في النيجر، حيث كان تطرق وسائل الإعلام الفرنسية الرسمية، على غرار وكالة فرانس برس، متسقا إلى حد كبير مع نظرة السلطة السياسية، بسبب أن هذا الانقلاب يعد ضربا للنفوذ الفرنسي في هذا البلد الأفريقي.
وجددت نقابة الصحافيين في تقريرها دعوة رئاسة الجمهورية إلى “القطع مع التدخل السياسي المباشر في عمل التلفزة التونسية واحترام حرية التفكير داخلها وحرية العمل الصحفي واستقلالية خطها التحريري عن السلطة الحاكمة”، مذكرة بضرورة إيقاف العمل بالمرسوم 54 الخاص بمكافحة جرائم أنظمة المعلومات والاتصال، وإيقاف الإجراءات الحكومية القاضية بملاحقة المعبرين في الفضاء الرقمي تفعيلا لهذا المرسوم.