الحكومة الانتقالية السورية تبعث رسائل طمأنة سعيا لاعتراف دولي

القيادة الجديدة تعزف على وتر إعادة اللاجئين لاستمالة الدول ذات المصلحة.
الخميس 2024/12/12
حكومة تحاول جمع المتناقضات

تبدي الحكومة الانتقالية السورية حرصا على بناء علاقات تعاون مع الدول وبعث رسائل طمأنة بشأن قدرتها على حفظ استقرار البلاد وضمان عودة اللاجئين بهدف حصد الاعتراف وترسيخ سلطتها.

دمشق- تحاول الحكومة الانتقالية في سوريا إرسال رسائل طمأنة للداخل والخارج وتهدئة المخاوف بشأن توجهها الديني المتشدد الذي يثير قلقا متزايدا محليا وإقليميا، لاسيما أنها بأمس الحاجة إلى اعتراف دولي بها والتعاون لترسيخ السلطة الجديدة.

وأبدى رئيس الحكومة الانتقالية في سوريا محمد البشير، انفتاحا على التعاون مع دول الجوار وقال إنهم توجهوا إلى العراق والصين وجهات أخرى لتوضيح رؤيتهم وهدفهم المتمثل في “تحرير السوريين من بشار الأسد، ولذلك لا مشكلة لدينا مع أي شخص أو دولة أو حزب أو طائفة ممن ظلوا بعيدين عن نظام الأسد المتعطش للدماء.”

وذكرت صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية التي أجرت حوارا مع البشير الأربعاء أنه لدى سؤاله عن إيران وروسيا والموقف من صنع سلام مع إسرائيل لم يرد وأنهى الحوار، في إشارة إلى عدم اتخاذ موقف حاسم بهذا الشأن.

ويرى متابعون أن القيادة الجديدة في سوريا لا تستطيع اتخاذ قرارات مهمة خصوصا على الصعيد الخارجي دون التشاور مع الجهات الداعمة لها وعلى رأسها تركيا، مضيفين أن هذه القيادة تدرك جيدا أنها بحاجة إلى تثبيت أركانها والحفاظ على ما حصلت عليه إذ لا يستبعد هؤلاء أن إسقاط الأسد تم بصفقة دولية شاركت بها عدة دول، كما أنها ليست بالقوة الكافية لاستعداء أي دولة.

باسل الحموي: الحكومة الجديدة قالت إنها ستسعى لدمج سوريا في النظام المالي العالمي بعد سيطرة الدولة على الاقتصاد لعقود
باسل الحموي: الحكومة الجديدة قالت إنها ستسعى لدمج سوريا في النظام المالي العالمي بعد سيطرة الدولة على الاقتصاد لعقود

وكان لافتا ومثيرا للانتقادات أن الحكومة الانتقالية لم تصدر أي بيان أو تعليق على قصف إسرائيل لمعظم مخزونات الأسلحة الإستراتيجية خلال 48 ساعة. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إنه أعطى توجيهات بإنشاء “منطقة دفاعية خالصة” في جنوب سوريا لحماية إسرائيل من الإرهاب وستطبق دون وجود دائم للقوات.

وأرسلت إسرائيل قوات إلى منطقة منزوعة السلاح في سوريا، واتخذت قواتها أيضا بعض المواقع خارج المنطقة العازلة، دون أي رد فعل من سوريا.

وتطرق البشير إلى الوضع الداخلي مؤكدا إنه يسعى لإعادة ملايين اللاجئين السوريين وحماية جميع المواطنين وتقديم الخدمات الأساسية، وهي نقطة هامة للكثير من دول العالم التي تحاول التخلص من عبء اللاجئين وبالتالي لديها مصلحة في التعاون مع السلطة الجديدة التي بالمقابل عليها تقديم ضمانات لإعادة اللاجئين، في حين أن البشير أقر بصعوبة تحقيق ذلك مع افتقار البلاد للعملة الأجنبية.

وأضاف أن خزائن الدولة لا تحوي سوى نقود بالعملة السورية لا تساوي شيئا يذكر بالدولار، مشيرا إلى أن سعر صرفه يعادل نحو 35 ألف ليرة سورية.

وأضاف أن سوريا ليست لديها حاليا سيولة بالعملات الأجنبية وأشار إلى أن الحكومة مازالت تجمع بيانات عن القروض والسندات وقال إن وضع البلاد المالي بالغ السوء.

وقاد البشير من قبل حكومة إنقاذ في جيب صغير في شمال غرب سوريا قبل أن تصل قوات من المعارضة المسلحة إلى دمشق في هجوم خاطف لم يستغرق سوى 12 يوما انتهى بالإطاحة بالرئيس بشار الأسد.

وتحاول الإدارة الجديدة الحصول على تمويل لإعادة إعمار سوريا والتي ستكون مهمة ضخمة بعد حرب أهلية استمرت 13 عاما وأودت بحياة مئات الألاف وتعرضت خلالها مدن للقصف حتى أصبحت كومة من الركام، وهجر السكان مساحات شاسعة من المناطق الريفية، وتضرر الاقتصاد بسبب العقوبات الدولية. وما زال ملايين اللاجئين يعيشون في المخيمات بعد واحدة من أكبر عمليات النزوح في العصر الحديث.

ويتواصل مسؤولون أميركيون مع جماعات من المعارضة المسلحة رغم أن الجماعة التي تقودها هي هيئة تحرير الشام التي كانت مرتبطة يوما بتنظيم القاعدة.

◄ انتصار جماعات من المعارضة المسلحة في سوريا غير توازنات القوى في المنطقة ووجه ضربة كبرى إلى "محور المقاومة"

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن الحكومة الجديدة يجب أن “تتقيد بالتزامات واضحة باحترام حقوق الأقليات بشكل كامل، وتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى كل المحتاجين، ومنع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو تشكيل تهديد لجيرانها.”

وولدت هيئة تحرير الشام من رحم فرع لتنظيم القاعدة شارك في محاربة الأسد، وسعت الجماعة في الآونة الأخيرة إلى تهدئة المخاوف بشأن ماضيها، لكن الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا ودولا أخرى لا تزال تصنفها جماعة إرهابية.

وتأمل دول في أن تؤدي أفعال السلطات الجديدة إلى تخفيف العقوبات التي فرضت وقت الحرب الأهلية على دمشق في عهد الأسد إضافة إلى رفع هيئة تحرير الشام من قائمة الجماعات الإرهابية المحظورة بعد أن قادت المعارضة المسلحة التي أطاحت به.

وكتب نائبان أحدهما ديمقراطي والآخر جمهوري رسالة تدعو واشنطن لتعليق بعض العقوبات المفروضة على سوريا. ويحين وقت تجديد العقوبات هذا الشهر، وقالت جماعات من المعارضة لرويترز إنها على تواصل مع واشنطن بشأن احتمال تخفيف العقوبات.

أنتوني بلينكن: الحكومة الجديدة يجب أن تتقيد بالتزامات واضحة باحترام حقوق الأقليات
أنتوني بلينكن: الحكومة الجديدة يجب أن تتقيد بالتزامات واضحة باحترام حقوق الأقليات

وقال باسل الحموي رئيس غرف تجارة دمشق لرويترز إن الحكومة الجديدة قالت لقادة الأعمال إنها ستتبنى نموذج السوق الحرة وستسعى لدمج سوريا في النظام المالي العالمي بعد سيطرة الدولة على الاقتصاد لعقود.

ويراقب العالم عن كثب ليرى ما إذا كان بوسع حكام سوريا الجدد تحقيق الاستقرار في بلد قد تسعى فيه فصائل مختلفة للانتقام بعد حرب أهلية ضروس شهدت انقسامات طائفية وعرقية.

وفي كلمة قصيرة بثها التلفزيون الرسمي أمس الثلاثاء، قال البشير إنه سيقود حكومة انتقالية حتى الأول من مارس. وتحدث البشير ومن خلفه ظهر علم المعارضة المسلحة طوال فترة الحرب الأهلية بألوانه الثلاثة، الأخضر والأبيض والأسود، وراية بيضاء مكتوبة عليها الشهادتان باللون الأسود وترفعها عادة جماعات إسلامية سنية مسلحة في سوريا.

وقال أحد السكان في القرداحة، وهي من المناطق التي تتركز فيها الأقلية العلوية التي تنتمي لها أسرة الأسد، إن مسلحين سنة أحرقوا ضريح حافظ الأسد ودمروه على مدى اليومين الماضيين مما أثار الخوف بين السكان الذين تعهدوا بالتعاون مع الحكام الجدد.

وفي أول تصريحات علنية يدلي بها عن سوريا منذ نهاية عهد الأسد، دعا البابا فرنسيس بابا الفاتيكان المجموعات الدينية المختلفة في سوريا إلى “السير معا بود واحترام متبادل من أجل خير الأمة.” ومن بين عدة أقليات في سوريا، هناك مسيحيون كاثوليك يعيشون منذ القدم في البلاد.

وحذرت روسيا من احتمال عودة تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد في سوريا. وسيطر ذلك التنظيم على مساحات شاسعة من العراق وسوريا بين عامي 2014 و2017 وأعلن وقتها تأسيس “دولة خلافة.”

وبالنسبة للاجئين، أثار إمكان عودتهم لبلادهم مزيجا من الفرح والحزن على ما شهدوه في الخارج من مصاعب.

وقال جون فاينر نائب مستشار الأمن القومي الأميركي إن الولايات المتحدة لا تزال تعمل على تحديد سبل التعامل مع جماعات المعارضة، مضيفا أنه لم يحدث تغيّر رسمي في السياسة حتى الآن وأن ما يهم هو تصرفات هذه الجماعات.

وأضاف أن القوات الأميركية في شمال شرق سوريا، ويقدر قوامها بنحو 900 جندي، التي تعمل في إطار مهمة لمكافحة الإرهاب ستبقى هناك. وزار القائد الأعلى الأميركي المسؤول عن الشرق الأوسط هذه القوات الثلاثاء.

الإدارة الجديدة تحاول الحصول على تمويل لإعادة إعمار سوريا والتي ستكون مهمة ضخمة بعد حرب أهلية دامت 13 عاما

ورفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر ذكر ما إذا كانت واشنطن ستلغي تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية أجنبية، وهو تصنيف يمنع الولايات المتحدة من مساعدتها.

وقال “لقد رأينا على مر السنين عددا كبيرا من الجماعات المتشددة التي استولت على السلطة، وتعهدت باحترام الأقليات، وتعهدت باحترام الحرية الدينية، وتعهدت بالحكم بطريقة شاملة، ثم رأيناها تنقض هذه الوعود.”

وغير انتصار جماعات من المعارضة المسلحة في سوريا توازنات القوى في المنطقة ووجه ضربة كبرى إلى “محور المقاومة” بقيادة إيران الذي شمل جماعة حزب الله في لبنان وجماعات مسلحة في العراق والحوثيين في اليمن وحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) وكلها جماعات مناهضة للوجود الإسرائيلي والنفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأربعاء خلال زيارة إلى جنوب أفريقيا إن هناك بارقة أمل من نهاية الدكتاتورية في سوريا. وأضاف بعد اجتماعه مع وزير خارجية جنوب أفريقيا رونالد لامولا أن الأمم المتحدة ملتزمة تماما بالانتقال السلس للسلطة في سوريا. وتابع “أثق تماما في أن الشعب السوري قادر على تحديد مصيره.”

2