الحكومة الإيطالية لا تزال مرتبكة إزاء الوضع في ليبيا

روما - تكشف التصريحات الصادرة عن الحكومة الإيطالية بشأن الانتخابات الليبية المقرر تنظيمها في الرابع عشر من ديسمبر الجاري عن ارتباك متواصل من روما إزاء الوضع في ليبيا.
وبعد بضعة أيام من مطالبة وزيرة الداخلية الإيطالية بتأجيل الانتخابات، التي يُراهن عليها المجتمع الدولي كما الليبيون لإنهاء سنوات الانقسام التي عصفت بالبلاد، أشاد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي بإقامة الانتخابات في موعدها المقرر بحسب خارطة الطريق المنبثقة عن حوار جنيف السويسرية.
وأكد رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي أن بلاده تدعم بقناعة عملية الانتقال السياسي وصنع السلام في ليبيا.
جاء ذلك خلال افتتاح النسخة السابعة أمس من مؤتمر “حوارات المتوسط”، الحدث السنوي الذي تروّج له وزارة الخارجية الإيطالية والمعهد الإيطالي للدراسات الدولية، في العاصمة روما.
وقال دراغي إن مؤتمر باريس حول ليبيا، الذي عقد في الثاني عشر من نوفمبر الماضي برئاسة إيطاليا وفرنسا وألمانيا وليبيا والأمم المتحدة، جدد التأكيد على وحدة المجتمع الدولي حول هذا الهدف، وأكد أن عملية انتقال سياسي بقيادة ليبية هي وحدها التي يمكن أن تؤدي إلى حل كامل ودائم للأزمة في البلاد.
وأضاف “قريبون الآن من انتخابات الرابع والعشرين من ديسمبر، وهو حدث حاسم للمواطنين الليبيين ومستقبل الديمقراطية في البلاد”، مجدداً دعوته جميع الفاعلين السياسيين إلى العمل على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة ولها مصداقية وشاملة.
وتابع “هكذا ستكون المؤسسات الليبية صلبة وشرعية ديمقراطياً، الأمر الذي سيسهّل انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب”.
وتتعارض هذه التصريحات مع ما رأته وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشانا لامورجيزي بشأن الانتخابات التي يدور حولها جدل واسع.
وقالت لامورجيزي إن “إجراء الانتخابات في ليبيا في موعدها المحدد يبدو لي صعبا، لكنْ إجراؤها في يناير سيكون أمرا جيدا لليبيا”.

ويُرجع متابعون للشأن الليبي هذا الارتباك الذي يعرفه الموقف الإيطالي من مسارات الأزمة الليبية إلى فقدان روما نفوذها في مستعمرتها القديمة.
وغرقت روما وباريس في التنافس حول النفوذ في ليبيا ما منح تركيا وروسيا فرصة تعزيز حضورهما في البلاد: الأولى في الغرب الليبي الذي كان موطئ قدم إيطالية والثانية في الشرق.
ونتيجة لذلك وجدت إيطاليا نفسها في ليبيا مرتبكة، حيث دعمت في البداية حكومة الوفاق التي تربطها بها علاقات وطيدة حتى أن الفرقاطة التي أوصلت فايز السراج وأعضاء حكومته إلى طرابلس في 2016 كانت إيطالية.
ولكن مع بداية حملة الجيش الوطني من أجل استعادة السيطرة على العاصمة طرابلس وتحريرها من سطوة الميليشيات الإسلامية وجدت روما نفسها في مأزق حقيقي، حيث تصاعدت حدة التوتر بينها وبين فرنسا الداعمة لجهود الجيش ضد الإرهاب، إضافة إلى فقدانها ورقة حكومة الوفاق التي تلقت الدعم من تركيا.
وكان الموقف الرسمي الإيطالي حيال الصراع في ليبيا قد واجه انتقادات لاذعة حيث كانت روما تغرد بالفعل خارج السرب من خلال دعم حكومة الوفاق وميليشياتها.
وحاولت روما في ما بعد ترميم علاقاتها مع الطرف المقابل من الصراع (الجيش الوطني والبرلمان) لكن ذلك لم يغير شيئا بعد التدخل التركي الذي أجّج الأزمة وبات يؤشر على قرب انتهاء الحضور الإيطالي في ليبيا.
ويرى مراقبون أنه من الصعب الآن تحديد أي دور مستقبلي لإيطاليا في ظل تشبث تركيا بالمزيد من النفوذ في ليبيا، ومحاولة روسيا في المقابل تدعيم وجودها والاستئثار بالمزيد من الثروات النفطية.
ويعزز هذا الوضع خوف إيطاليا على استثماراتها في ليبيا حيث تتواجد العشرات من الشركات النفطية على غرار شركة “إيني” التي تستثمر في حقل الفيل النفطي، إضافة إلى حقل الوفاء الواقع جنوب غرب طرابلس الذي تصدر من خلاله الغاز الطبيعي عبر أنبوب بحري إلى إيطاليا وأوروبا. كما تستثمر الشركة نفسها في حقل البوري للغاز الذي يقع على بعد 120 كلم إلى الغرب من طرابلس على الساحل الليبي.