الحكومة الأردنية تلتفت لإصلاح العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور

أعدت الحكومة الأردنية مسودة السياسة العامة للإعلام لإصلاح القطاع، بعد أن وصلت مشاكل الإعلام الأردني إلى مرحلة مستعصية فقدت خلالها الثقة مع المواطن والتأثير على الرأي العام.
عمّان - قررت الحكومة الأردنية إلقاء الضوء على نقاط الضعف في الاتصال الحكومي، بوضع مسودة السياسة العامة للإعلام والاتصال الحكومي لتفعيل قنوات الاتصال وبناء الثقة مع الجمهور ووسائل الإعلام، وهي أبرز مشكلة يعاني منها الإعلام الأردني عموما والرسمي بشكل خاص.
وكشف وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول أن الوزارة تستهدف من خلال المسودة، التي سيقود الحوار حولها المجلس الاقتصادي والاجتماعي مع الشركاء كافة، إلى تهيئة المناخ المناسب لتعزيز مكانة الإعلام وتطوير أدواته.
وسيتم تحضير الرسائل الإعلامية للوزارات والمؤسسات الحكومية لدعم استراتيجياتها وخططها، بما يهدف إلى توحيد الرواية الحكومية.
وفي السنوات الأخيرة تحول الهمس بشأن أزمة الإعلام الأردني إلى صوت عال في الأوساط الصحفية، ولم يعد الصحافيون يتحاشون القول بأن سياسة التواصل الحكومية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية.
وتشير تصريحات الوزير التي جاءت في ندوة تحت عنوان “واقع الإعلام الأردني” نظمها مركز مسارات للتنمية والتطوير، إلى نية الحكومة لوضع الخطوط الرئيسية لإصلاح قطاع الإعلام، ووفق الشبول فإن مسودة السياسة العامة للإعلام والاتصال الحكومي تستهدف تمكين الناطقين الإعلاميين بما يضمن المزيد من التدفق الإعلامي والمعلوماتي، لافتا إلى أن الوزارة أطلقت برامج تدريب وتأهيل للناطقين الإعلاميين باسم الوزارات والعاملين في الاتصال الحكومي في المؤسسات الحكومية على مدار الأعوام الثلاثة المقبلة.
ويشعر الصحافيون الأردنيون بإحباط شديد وبمخاوف على مستقبل عملهم، ويرون أنه ما لم تحدث إصلاحات حقيقية فإن الإعلام سيبقى في حالة احتضار لا يمكنه التأثير على المواطن ولا صناعة رأي عام.
وتبدأ مشاكل الإعلام الأردني من الناحية الاقتصادية وضعف التمويل والميزانية الخجولة لتسييره والتي أدت حكما إلى ضعف أدائه، ولا تنتهي بضعف ثقة المواطن الأردني به.
فحالة التسيير لا ترتقي بأي شكل إلى الإدارة، والكل يضع اللوم على الحديث عن إصلاح سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم بذلك يتحررون من مسؤولية التعامل مع الواقع الإعلامي، ليصبح الإصلاح الإعلامي تركة ثقيلة وفوضى استمرت مع الحكومات المتعاقبة.
ويبدو أن المخاوف المتزايدة من تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الرأي العام في الأردن، باتت تقلق الحكومة بشكل متزايد، إلى جانب الخسائر الاقتصادية التي منيت بها وسائل الإعلام التقليدية بسبب المنصات الرقمية.
وأوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة أن وسائل الإعلام تعد من أكبر الخاسرين بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أصبحت تمر بضائقة مالية بسبب استحواذ منصات التواصل على سوق الإعلان، مشيرا في هذا الصدد إلى أن أكثر من 81 مليون دينار (الدينار الأردني = 1.41 دولار أميركي) خرجت من سوق الإعلان في عام 2022 إلى وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب خروج عائدات من السوق العربي إلى هذه المنصات قدرت ما بين 2 و3 مليارات دولار سنويا.
وسبق أن صرح الشبول بأن الأردن يجهز “خطة إستراتيجية” لتنظيم العمل مع شركات التواصل الاجتماعي، لعرضها على وزراء الإعلام العرب، لا تستهدف حظر المنصات أو التطبيقات.
مراقبون يحمّلون الحكومة مسؤولية تردي الإعلام الأردني وتراجعه، وخاصة أنها لا تدعم وسائل الإعلام
ولفت الشبول إلى أن مسودة السياسة العامة للإعلام التي أعدتها الوزارة استنادا لنظام التنظيم الإداري الذي أنشئت الوزارة بموجبه، ستعمل على تجويد التشريعات الإعلامية الناظمة للعمل الإعلامي من خلال مراجعتها بهدف تطويرها ومواكبتها للتطورات التقنية المتسارعة، ومراجعة التقارير المعنية بالحريات الإعلامية من خلال متابعتها والوقوف على ما جاء في مضامينها والتعامل معها.
وتتناول الخطة الحكومية الأردنية تطوير أداء الصحافيين أنفسهم وإدماجهم في مختلف القطاعات، فقد وضعت وزارة الاتصال مشاريع تدريب لحديثي التخرج في قطاع الصحافة والإعلام بالشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، تنتهي بالتشغيل في قطاعي الصحة والسياحة، إضافة إلى تحريك تخصص الصحافة والإعلام الراكد في ديوان الخدمة المدنية من خلال تعيين 42 خريجا في مديريات التربية والتعليم، و12 في مديريات الصحة، إلى جانب تعبئة الشواغر في مؤسسات الإعلام الرسمي.
واتخذت الحكومة عدة خطوات لدعم الصحف الورقية، ومن أبرزها رفع قيمة سعر الإعلان الحكومي وإعلانات العطاءات الحكوميّة في الصحف اليومية، لتصبح دينارا واحدا عن كل كلمة بدلا من 55 قرشا.
المسؤولون يعترفون بأن الأردنيين باتوا اليوم فريسة للإعلام الموجه والمشوه الذي يستهدف الأمن الوطني
وجاء هذا القرار في سبيل زيادة الدعم الحكومي لهذه الصحف، وتمكينها من إيجاد حلول وإيرادات مستدامة في ظلّ التحديات التي تعانيها، والحفاظ على حقوق العاملين فيها.
وتضع الحكومة على عاتق الصحف تنظيم نفسها، من خلال تطوير المحتوى والتركيز على المتابعات الإخبارية والمقالات والتحليل، والتفكير بالتحول الرقمي تدريجيا.
ويعترف المسؤولون بأن الأردنيين باتوا اليوم فريسة للإعلام الموجه والمشوه الذي يستهدف الأمن الوطني، بسبب سياسة عدم الانفتاح وعدم مدهم بالمعلومة الحقيقية والدقيقة في الوقت المناسب والسرعة اللازمة.
وخلص تقرير يرصد مؤشرات الإعلام في الأردن إلى أن الإعلام الأردني أصبح مقيدا في وقت يفرض فيه الصحافيون الأردنيون رقابة ذاتية ومسبقة على أنفسهم بشكل متزايد.
ويحمّل مراقبون الحكومة مسؤولية تردي الإعلام الأردني وتراجعه، وخاصة أنها لا تدعم وسائل الإعلام، وليست لدى برامج الحكومات المتعاقبة أي إرادة سياسية لتقويتها وتعزيز دورها. ويشير صحافيون إلى أن آخر إستراتيجية وضعت لدعم الإعلام كانت في عام 2011 إبان ما عرف بـ”الربيع العربي”، وانتهت بعد خمس سنوات دون أن تحقق إنجازات تذكر.
وكانت أزمة سياسية عصفت بالأردن سميت بـ”قضية الفتنة”، أظهرت إعلاما أردنيا مشتتا وغير حر حين لجأ الأردنيون إلى الإعلام الخارجي ومواقع التواصل لاستقصاء الأخبار. ولم ينته الأمر عند هذا الحد إذ إن النائب العام الأردني أصدر قرارا يقضي بحظر النشر، ما جعل مراقبين يسخرون قائلين “حظروا النشر على إعلام لا ينشر شيئا أصلا”.
وحول قرارات منع النشر، أوضح الشبول أن القضاء وفقا لمجريات التحقيقات هو الذي يصدر هذه القرارات، مؤكدا أن الحكومة ممثلة بمؤسساتها لم تصدر قرارا بمنع النشر في أي موضوع.