الحكومة الأردنية.. تعديل سياسي لتعويض الفشل الاقتصادي

يريد رئيس الحكومة الأردني بشر الخصاونة تحقيق نجاح سياسي في ظل صعوبات كثيرة يواجهها فريقه الحكومي في تحصيل نجاح اقتصادي، وهو ما يفسر تركيز الخصاونة على فتح المجال لكوادر حزبية وللمرأة في التعديل الوزاري الأخير.
عمّان - طغى البعد السياسي على الاقتصادي في التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة الأردنية بشر الخصاونة، على خلاف ما كان متوقعا، وهو ما يظهر في منح عدد من القيادات الحزبية لحقائب وزارية.
ويقول مراقبون إن توزير عدد من الحزبيين يشكل النقطة الأبرز في هذا التعديل السابع منذ تكليف الخصاونة قبل نحو ثلاث سنوات، ويستهدف إيصال رسالة بشأن وجود حرص رسمي لتمكين الأحزاب في سياق عملية التحديث السياسي الجارية.
وشمل التعديل الذي أعلن عنه الثلاثاء، سبع وزارات ووزارة دولة، حيث تم تعيين المهندس رائد مظفر رفعت أبوالسعود وزيرا للمياه والري، والمهندس وجيه طيب عبدالله عزايزة وزير دولة، والمهندس أحمد ماهر حمدي توفيق أبوالسمن وزيرا للأشغال العامة والإسكان، وحديثة جمال حديثة الخريشة وزيرا للشؤون السياسية والبرلمانية، ويوسف محمود علي الشمالي وزيرا للصناعة والتجارة والتموين، وناديا عبدالرؤوف سالم الروابدة وزيرة للعمل، والمهندسة وسام وليد توفيق التهتموني وزيرة للنقل، والدكتور مهند أحمد سالم المبيضين وزيرا للاتصال الحكومي.
التعديل يستهدف إيصال رسالة بوجود حرص رسمي لتمكين الأحزاب في سياق عملية التحديث السياسي الجارية
ومن بين هؤلاء ثلاثة عينوا للمرة الأولى كوزراء، هم الوزيرة الروابدة المديرة العامة السابقة للمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، والوزيرة التهتموني الأمينة العامة السابقة لوزارة النقل، والوزير المبيضين الناطق السابق باسم اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ومدير مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي.
وأصبحت الحكومة الجديدة تضم منتسبين لأربعة أحزاب سياسية، مما يوحي بأنهم سوف يشكلون تحالفا عقب الانتخابات البرلمانية المزمعة العام المقبل. فوزيرة العمل عضو في حزب إرادة، ووزير المياه والري عضو مؤسس في الحزب المدني الديمقراطي، ووزير الاتصال الحكومي عضو في حزب النهج الجديد. أما وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية فهو عضو في حزب الميثاق الوطني.
وجاء تعزيز حصة الأحزاب في التشكيل الحكومي، بعد تعديلات واسعة أدخلت على قانوني الانتخابات والأحزاب، وتخصيص 41 مقعدا برلمانيا من أصل 138 للأحزاب في الانتخابات المقبلة، ليرتفع العدد المخصص للقوى الحزبية تدريجيا إلى ما يعادل 65 في المئة من إجمالي المقاعد (نظريا بعد 12 عاما)، بما يتيح في النهاية تشكيل حكومة حزبية.
الحكومة الجديدة أصبحت تضم منتسبين لأربعة أحزاب سياسية، مما يوحي بأنهم سوف يشكلون تحالفا عقب الانتخابات البرلمانية المزمعة العام المقبل
ويقول مراقبون إن هناك طابعا سياسيا آخر يتمظهر، في تعزيز حضور المرأة في تشكيلة حكومة الخصاونة الجديدة التي باتت تضم 7 سيدات يشكلن 24 في المئة من إجمالي عدد الوزراء.
وأشادت “اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة” برفع نسبة مشاركة المرأة في مجلس الوزراء. وقالت اللجنة، في بيان، “إن هذا يعكس التزام الحكومة الأردنية بتعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة والمشاركة السياسة تحديدا”.
وتنبع أهمية مشاركة المرأة في حكومة الخصاونة الجديدة أيضا من واقع أن النساء الأردنيات يمثلن نسبة محترمة من المنتسبين إلى أحزاب وهي واحدة من أعلى النسب في العالم العربي.
ويقول رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب موسى المعايطة إن نسبة تمثيل الإناث في الأحزاب القائمة بلغت 40.8 في المئة، ونسبة الإناث من فئة الشباب 41.9 في المئة، في الوقت الذي وصلت فيه نسبة الذكور 59.2 في المئة ونسبة الشباب 41.9 في المئة من أصل 28 حزبا قائما حتى الآن.
وذكر المعايطة خلال لقاء مع أعضاء “ملتقى البرلمانيات الأردنيات” أن الهيئة أنشأت “وحدة تمكين المرأة”، التي تعنى بتطوير مشاركة المرأة في الحياة العامة ودعم مشاركتها الفاعلة في الحياة السياسية.
الخصاونة حريص على مواكبة "رؤية التحديث السياسي" التي تمخضت عن قانون جديد للانتخاب وآخر للأحزاب مع تعديلات دستورية جديدة
ويقول مراقبون إن الخصاونة حريص على مواكبة “رؤية التحديث السياسي” التي تمخضت عن قانون جديد للانتخاب وآخر للأحزاب مع تعديلات دستورية جديدة. كما أن الحكومة تسعى إلى تبني خطاب إعلامي “يدفع باتجاه مشاركة أوسع في الانتخابات القادمة” وهي مهمة أوكلت إلى الدكتور المبيضين بالنظر إلى أنه أكاديمي تعامل لسنوات مع القطاع الشبابي المستهدف في الانتخابات، وذلك إلى جانب كونه خبيرا بهموم ومشاكل واحتياجات الإعلام.
وباستثناء وزارتي النقل والعمل اللتين واجهتا مشكلات عديدة خلال العامين الماضيين، فإن الفريق الاقتصادي لحكومة الخصاونة ظل مستقرا على أمل تنفيذ أولويات برنامج الحكومة الاقتصادي (2021 – 2023) وكذلك متابعة ما تم تنفيذه في “رؤية التحديث الاقتصادي” التي عرضتها الحكومة خلال “مؤتمر عام على التحديث” الذي عقد في البحر الميت الشهر الماضي.
ولكن فشل برنامج الإصلاح الاقتصادي السابق الذي تبناه صندوق النقد الدولي، لا يزال يلقي بظلال من القلق حول ما إذا كان البرنامج الجديد الذي تتفاوض حكومة الخصاونة من أجله مع الصندوق سوف يأتي بنتائج أفضل.
وتشير بيانات المراجعة السادسة للبرنامج التي تمت في شهر أغسطس الماضي إلى استمرار تباطؤ النمو الاقتصادي وركوده عند مستويات تتراوح بين 2 و2.5 في المئة بالمتوسط، وهي نسبة تقل عن معدل النمو السكاني ومعدل نمو الدين العام الحكومي، بالإضافة إلى تفاقم مشكلة البطالة من مستويات كانت تقل عن 13 في المئة عام 2012 إلى متوسط وصل إلى 23.5 في المئة للسنتين 2021 و2022. أما مشكلة الدين العام وخدمة أعبائه، فقد ارتفعت من نحو 75 في المئة عام 2012 إلى مستويات تجاوزت 114 في المئة عام 2022.
وتسود القناعة بأن حكومة الخصاونة تسعى إلى تحقيق نجاح سياسي على الأقل، في ظل صعوبة تحقيقها لنجاح اقتصادي، وذلك على اعتبار أن الاستقرار السياسي يمكنه أن يوفر أرضية أفضل للنمو الاقتصادي، في مرحلة أخرى لاحقة، بالتزامن مع برنامج جديد لصندوق النقد.