الحكايات الشفاهية والأغاني الغيوانية تؤكد البعد الأفريقي للمغرب

باحثون مغاربة وأفارقة يرصدون عناصر التلاقي في الثقافة الشفهية.
السبت 2023/03/04
الموسيقى تجمع حكايات المغرب بأفريقيا

الثقافة الشفوية خزان كبير لثقافات الشعوب، ويعتبر تثمينه والحفاظ عليه من الأولويات القصوى لمختلف البلدان، ومنها المغرب الذي يزخر بإرث هام من الحكايات الشعبية الشفهية، التي تحول بعضها إلى مجال الموسيقى، كما نجد مع ناس الغيوان وغيرهم، ولكن هذه الحكايا تخفي في عمقها امتدادا أفريقيا هاما.

الرباط - شكل تناقل الحكايات في المغرب والبعد الأفريقي الغيواني محور لقاء انتظم الخميس الثاني من مارس الجاري بالرباط، في إطار الندوة الدولية التي تنظمها أكاديمية المملكة المغربية حول موضوع “الثقافة الشفوية، سجل متميز للتخاطب أم حاجز لأفريقيا”، والتي استمرت على امتداد ثلاثة أيام من مطلع مارس إلى الثالث منه.

وتوقفت نجيمة طاي طاي غزالي، رئيسة جمعية “لقاءات للتربية والثقافات”، في مداخلتها بالمناسبة، عند أهمية دور الجدات والحكاواتيين الذين يضطلعون بدور مهم في تناقل الحكايات.

واستحضرت غزالي في هذا الصدد جدتها، والحكواتي المغربي البارز ياسين الركراكي (103 سنوات)، الذي حضر هذا اللقاء، الذي أتاح الرغبة في إجراء دراسات واعتماد مسار مهني يتمحور حول حماية التراث الشفوي المغربي.

مجموعة "ناس الغيوان" بدأت بتقديم مقطوعات شفهية في محاولة لتجسيد "الحلقة" التي تتخللها فقرات موسيقية

واستعرضت غزالي التي تحدوها الرغبة في الحفاظ على هذه التقاليد الشفوية في أصالتها، العديد من المبادرات التي قامت بها في مجالات التدريب والإبداع من خلال الحكي، وذلك عبر إشراك المجتمع المدني في الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الشفهي وتناقله.

وأشارت في هذا الصدد إلى مختلف المشاريع التي أتيحت لها فرصة الاشتغال فيها بما في ذلك برنامج “سبك الحكاية” التربوي، والذي يهدف إلى تدريب الطلبة ليصبحوا حكواتيين عبر جعل الجدات في محور عملية التناقل، وبرنامج آخر يسلط الضوء على دور “الحلايقية” باعتبارهم فنانين من خلال تزويدهم بالتدريبات والدعم اللازمين، إضافة إلى مهرجان “مغرب الحكايات” الذي يهدف إلى الترويج لمهنة الحكواتي وإعادة الدينامية للساحات العمومية عبر هذا الفن، ودعم الحكواتيين التقليديين للترافع عن حقوقهم.

من جهته، توقف الأكاديمي عبدالحي صديق عند أصول الغناء الغيواني الذي تجسده الفرقة الموسيقية المغربية “ناس الغيوان” التي بدأت بتقديم مقطوعات شفهية، في محاولة لتجسيد “الحلقة” التي تتخللها فقرات موسيقية، مما مكنها من تشكيل مجموعتها وتحقيق شهرة في المغرب وخارجه.

وبحسب صديق، فإن البعد الأفريقي – المغربي للأغنية الغيوانية يستمد جوهره من ريبيرتوار سيدي عبدالرحمن المجدوب، الشاعر الصوفي المغربي الشهير، فيما تتميز الأغنية الأفرو – غيوانية بثلاثة أبعاد موسيقية، هي الإيقاع والملحون والتوجه الجمالي لموسيقى الطرق الصوفية و”غناوة”، مما يدل على تجذر في أفريقيا جنوب الصحراء، إلى جانب “العيطة” (الأغنية الاحتجاجية للفلاحين).

وأبرز المتدخل في هذا الصدد الحاجة إلى الترجمة لتكريس عالمية الأغنية الغيوانية، داعيا في الوقت ذاته إلى ما وصفه بـ”الترجمة الشفوية” (وهو مصطلح ابتكره صديق) في هذه العملية، بحيث يتم التعامل مع الأغنية باعتبارها نصا مكتوبا وغنائيا أيضا.

الحكايات ثقافة عريقة في المغرب
الحكايات ثقافة عريقة في المغرب

وتقترح هذه الندوة الدولية تسليط الضوء على الآداب الشفوية التي تعتبر رافدا ثقافيا هاما وتراثا لا ماديا ثريا لا بد من صونه وتثمينه وحمايته من الاندثار، خاصة وأن الثقافة الشوفية مهددة بشكل جدي اليوم مع تراجع عدد متناقليها في ظل التطور التقني الهائل، ما يدعو إلى إيجاد حلول عبر استغلال التكنولوجيا الحديثة لحفظها، ومن ناحية أخرى تنظيم التظاهرات والندوات والمحاضرات حول هذه الثقافة.

وتأتي الندوة حول موضوع “الثقافة الشفوية، سجل متميز للتخاطب أم حاجز لأفريقيا”، في إطار أنشطة كرسي الآداب والفنون الأفريقية في أكاديمية المملكة المغربية.

البعد الأفريقي – المغربي للأغنية الغيوانية يستمد جوهره من ريبيرتوار سيدي عبدالرحمن المجدوب، الشاعر الصوفي المغربي الشهير

وفي بلاغ تقديمي للندوة، أبرزت الأكاديمية أن الذاكرة الأفريقية تختزن كنوزا معرفية تتمثل في الحكايات والأهازيج والمبارزات والأمثال والأساطير والملاحم والخرافات وفنون الخطابة، متسائلة: ألا تمثل الكلمة الواردة ضمن السرد المحكي أكثر الأقوال تداولا عبر العالم؟ لماذا كلما تعلق الأمر بعروض ثقافية أفريقية إلا وكانت أولا شفوية على لسان رواة القصص والعرافين والكهنة والمنجمين قبل غيرهم؟

تبعا لهذا، وفق البلاغ، فإن الندوة تستهدف معالجة هذا التراث المادي واللامادي الأفريقي “قصد التعرف على مكامن قوته ومزاياه إلى جانب حدوده وما يعكسه من صور”، كما تمثل عالمية فنون القول الأفريقية أحد رهانات هذه التظاهرة في علاقاتها بمثيلاتها في بقاع أخرى من العالم بحضور عدد من المفكرين والأدباء المختصين المغاربة والأجانب.

وفي افتتاحه للندوة الأربعاء، بين أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبدالجليل لحجمري أن الإسهام الأفريقي في تداول الأفكار يعتبر أساسيا وليس هامشيا.

وأبرز لحجمري في كلمة له خلال افتتاح الندوة أن “التنوع الموسيقي لهذا الإسهام الأفريقي، والذي انتشر على نطاق واسع، والمتأثر بالشعر الرعوي، ساهم في بروز أنماط موسيقية كالجاز أو البلوز، فضلا عن أنماط من الشعر الحضري”.

وسجل أن هذا اللقاء سيمكن بالتالي من البحث “عما تقصده الكلمة وما تشمله كأسلوب للتواصل بين الأشخاص أو بشكل عام، في فترة غيرت فيها وسائل التواصل الاجتماعي كما تكنولوجيات الإعلام مقارباتنا وأسلوب العيش وكيفية تداول الكلمة”. وشارك في هذه الندوة باحثون وفنانون من المغرب وغينيا وبوركينا فاسو والسنغال وموريتانيا ومدغشقر والغابون والكاميرون.

Thumbnail
12