الحصان لا يكبو أبدا على قماشة عبدالقادر غربال

الرباط – عاصر الفنان التشكيلي المغربي عبدالقادر غربال العديد من التشكيليين المغاربة الذين طبعوا السجل الفني لبلادهم بأسلوبهم الخاص، على غرار الحسين الميلودي وعبداللطيف الزين وأحمد بن يسف ومحمد القاسمي وفاطنة الكبوري والشعيبية العضراوي وغيرهم كثير، وهو في ذلك لا يتردد في الاعتراف بأن لهؤلاء الأعلام الموهوبين فضلا في تلقيحهم إياه بلقاح عشق الفن وتشكيله، فهم الذين مدّوه، كما مدّهم هو في ما بعد، بأسرار استخراج اللون المرغوب لبناء اللوحة، والتي تشكل احتفالا خالدا بالنسبة إليه حين الانتهاء من تشكيلها.
وفي حديثه لـ”العرب” الذي أجريناه معه في مدينة سلا المتاخمة للعاصمة المغربية، الرباط، يؤكد عبدالقادر غربال أن احترافه الفن التشكيلي شدّه إليه ولع طفولي قديم، كذاك الذي يشدّ باقي الحرفيين إلى حرفهم، غير أنه طوّر هذا العشق بالمهنية الفنية، بعدما كان مجرد هواية أصلها الموهبة، وهو العصامي التكوين الذي راكم التجارب عبر السنوات لينتج صباغته الزيتية الخاصة.
وبشيء من الحنين، يفيدنا الفنان الحاصل على الميدالية الذهبية في الصباغة الزيتية والفن التشخيصي من روما سنة 1986، أنه عاش مع الصباغة بكل ألوانها، وانتشى بنشوة رائحتها المتميزة، بعدما كان الفحم لونا خطيا أسود على جدار بيت والديه، في طفولة البدايات، الأمر الذي كان يسبب للعائلة إحراجا وإزعاجا لدرجة الغضب أحيانا.
ويقول “لقد كنت في نظرهم أوسّخ الجدران، لكن مع الورق وقلم الرصاص في ما بعد، انتهت معاناتي وكف غضب أفراد عائلتي، غير أنني اليوم جد متأسف على تلك الخربشات الطفولية التي ضاعت مني، كنت سأعتمدها لتأريخ بداياتي الأولى في فن الرسم الذي شكّلته بنفسي دون مدرسة ولا مُدرّس”.
وللحصان العربي الأصيل رمزية عميقة في أعمال الفنان عبدالقادر غربال، كما للبيوت القديمة والبوابات وأقواس الدروب ومداخل القلاع في بلده المغرب مكانة خاصة في لوحاته.
وما الحصان في لوحة “عائد وحيدا غير مسروج”، التي تُظهر غدو ذلك المهر الأسود العائد من حقول الحرية الشاسعة، متحررا من سرج صاحبه ولجام كبحه، إلاّ تأكيد من غربال على تجربته السريالية التي جلاها في عمق لوحة الحصان العائد إلى قلعة مولاه، معتبرا إياها تجربة لا يمكن أن تنحصر في الخيال وحده، بل يمكن إنزالها إلى الواقع المعيش بواقعية وجمالية راقية دون بذل مجهود يذكر.
وحصان غربال لا يكبو على القماش، بل ينطلق شامخا، واقفا على أربع أو على اثنين حين الصهيل الذي يشق اللوحة معلنا قدومه من ماض عربي تليد يُجلّ الفرس والفارس على السواء.
والتشكيلي المغربي عبدالقادر غربال من مواليد مدينة فاس سنة 1949، حصل سنة 1969 على دبلوم الأحجار الكريمة بمدينة فاس، كما حصل على الميدالية الذهبية في الصباغة الزيتية والفن التشخيصي من مدينة روما الإيطالية سنة 1986، ثم الميدالية البرونزية في الفن التشخيصي بالصباغة الزيتية من فرنسا سنة 1989، وسبق له أن عرض أعماله في كل من إيطاليا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا وتونس ومصر.