الحسابات السياسة تسيطر على الملاحقات القضائية لأكبر رجل أعمال في الجزائر

الجزائر - ربطت دوائر متابعة مسلسل الملاحقات القضائية التي استمرت ضد أبرز رجال الأعمال في الجزائر يسعد ربراب، بحسابات سياسية تتصل بموعد الانتخابات الرئاسية القادمة بعد أكثر من عام، حيث يراد من خلالها منع من يوصف بالذراع المالية للمعارضة من إمكانية الوقوف وراء أي مرشح يمكن أن يعيق ترشح عبدالمجيد تبون لولاية رئاسية ثانية.
وطرح تزامن التحقيقات القضائية المفتوحة ضد رجل المال والأعمال يسعد ربراب، مع الترتيبات المبكرة للانتخابات الرئاسية المنتظرة نهاية العام القادم، فرضية الحسابات السياسية في العملية، باعتبار أن الرجل محسوب على التيار المعارض للسلطة، رغم تمسك الأخيرة بمحاربة الفساد مهما كانت مواقع أصحابه وانتماءاتهم.
وأعطى إعلان يسعد ربراب عن تقاعده من قيادة مجمع سيفيتال في يونيو الماضي، وإغلاق صحيفة “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية، الانطباع بأن الطرفين دخلا في مرحلة تطبيع، يتم بموجبها ابتعاده عن مشهد الأعمال وحل واحد من المنابر الإعلامية المزعجة للسلطة، مقابل رفع العراقيل الإدارية التي لاحقت استثماراته في البلاد، لكن عودة المتابعة القضائية للرجل توحي بأن القبضة الحديدية مستمرة بينهما.
ويسعد ربراب، المنحدر من منطقة القبائل، هو مؤسس ومالك مجمع سيفيتال منذ تسعينات القرن الماضي، وظل يحسب على الدولة العميقة (جهاز الاستخبارات السابق)، الأمر الذي كلفه خلال حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة دفع ضريبة مواقفه السياسية، لاسيما بعدما رفض الانخراط في تجمع مهني لرجال الأعمال داعم لبوتفليقة.
يسعد ربراب يعتبر أغنى رجل أعمال في الجزائر، فقد وصفته مجلة "فوربس" بصاحب ثاني أكبر ثروة في الشرق الأوسط عام 2022
ويعتبر المجمع المذكور أكبر الاستثمارات الخاصة في الجزائر، فهو الدافع الثاني في البلاد للضريبة بعد شركة سوناطراك الحكومية المحتكرة لقطاع الطاقة، ولذلك ظل مرتبطا بالتوازنات السياسية والاجتماعية في الجزائر، خاصة وأنه يحتكر مواد استهلاكية ضرورية كالزيت والسكر.
وأصدرت السلطة القضائية بمحكمة سيدي امحمد في العاصمة الخميس قرارا يقضي بـ”منع يسعد ربراب من مغادرة البلاد إلى غاية صدور أمر مخالف، وسحب جواز سفره وجميع الوثائق التي تسمح بالمغادرة وإيداعها لدى القضاء، مع إلزامه بالإمضاء بصفة دورية مرة واحدة كل يوم اثنين من كل أسبوع لدى الهيئة القضائية نفسها”.
كما تقرر منعه من ممارسة أي نشاط تجاري، وعدم ممارسة أي وظائف أو مهام وأي عمل من أعمال التسيير في شركته المتهمة التي تنشط في مجال إنتاج الزيت وغير ذلك، كإجراء تحفظي وضروري لضمان السير الحسن للتحقيقات.
وأفادت تقارير محلية بأن “التحريات القضائية الأولية أظهرت وجود دلائل قوية ضد رجل الأعمال المتهم بشأن ارتكابه الوقائع والتهم المتابع بشأنها، والتي تتعلق بمخالفة التشريعات المتعلقة بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، والتحويل غير الشرعي للأموال عبر تضخيم الفواتير، وعدم استرداد الأموال المحولة إلى الخارج، ومخالفة التراخيص، وتبييض الأموال، بإخفاء وتمويه المصدر غير المشروع للأموال والممتلكات، واستغلال التسهيلات التي يمنحها النشاط المهني”.
ويتابع في القضية نفسها مجمع سيفيتال الذي كان يديره قبل تقاعده في شهر يونيو الماضي، وإسناد مسؤوليته إلى ابنه ماليك ربراب، إلى جانب بنك الإسكان للتجارة والتمويل بالجزائر.
وكان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون قد أكد في آخر تصريح له لوسائل إعلام محلية أن “الدولة ماضية في محاربة الفساد مهما كانت مواقع وانتماءات المتورطين فيه”، الأمر الذي يوحي عزم السلطة على الاستمرار في المسار المذكور، وعزله عما يروج حول توظيفه في تصفية الحسابات السياسية بين الأجنحة الفاعلة.
رجل الأعمال محسوب على التيار المعارض للسلطة، رغم تمسك الأخيرة بمحاربة الفساد مهما كانت مواقع أصحابه وانتماءاتهم
وفي هذا الشأن كان القضاء الجزائري قد قرر سجن وزيرين شغلا منصبيهما خلال حقبة الرئيس الحالي، ويتعلق الأمر بوزير الموارد المائية أرزقي براقي، المحكوم عليه بعشر سنوات سجنا نافذا، إلى جانب عقوبات مماثلة في حق عدد من أفراد عائلته وبعض الضالعين في الملف، كما تقرر سجن وزير المؤسسات المصغرة نسيم ضيافات.
غير أن متابعين للشأن الجزائري لم يستبعدوا فرضية تصفية الحسابات السياسية بين السلطة وبين بؤر المعارضة، ولذلك يجري قطع الطريق بأحكام قضائية على من بإمكانهم إعاقة مرور تبون إلى ولاية رئاسية ثانية، حيث أعيدت محاكمة المرشح السابق الجنرال المتقاعد المسجون منذ عام 2019 علي غديري، ونطق في حقه بقرار سجنه لمدة ست سنوات ومنعه لخمس سنوات من حقوقه السياسية والمدنية، في نفس الملف والعقوبة التي قضى منها قرابة أربع سنوات وكان على وشك مغادرة السجن.
وكان أنصار علي غديري على وشك دفعه إلى الترشح للانتخابات القادمة بعد مغادرته السجن وقبل صدور الحكم الجديد، كما لا تستبعد فرضية دعم رجل الأعمال ربراب له، خاصة وأنه كان قد دعمه لما أعلن عن ترشحه لنفس الانتخابات في 2019، قبل أن تلغى تحت ضغط الحراك الشعبي.
وتعد هذه المرة الثانية التي يتابع فيها ربراب من طرف القضاء، حيث سبق سجنه عام 2019، بتهم تتعلق بالتهرب الضريبي ومخالفة القواعد الجمركية في توريد مصانع قديمة، قبل أن يتجدد معه الأمر في الآونة الأخيرة وهو متقاعد من إدارة المجمع، ورغم استعداد الحكومة لتدشين مصنع لطحن البذور الزيتية في مدينة بجاية تابع لمجمع سيفيتال.
ويعتبر يسعد ربراب أغنى رجل أعمال في الجزائر، فقد وصفته مجلة “فوربس” بصاحب ثاني أكبر ثروة في الشرق الأوسط عام 2022، حيث يمتلك مجمع سيفيتال الذي يضم 26 فرعا، وهي فروع متخصصة في صناعات زيت المائدة والسكر والعصائر والعجائن، والنقل والمساحات التجارية وصناعة الأجهزة الإلكترونية والألمنيوم، كما يملك عدة استثمارات في الخارج، كفرنسا والبرازيل وجنوب أفريقيا والسودان.