الحرية وإثارة الاشمئزاز
حظيت الحرّيّة، كقضيّة مصيريّة، باهتمام الدعاة والمفكّرين والباحثين والأدباء على مرّ العصور. اتّفقت معظم الدعوات على أنّ الحرّية كلّ لا يتبعّض، والآليّة الأكثر نجاعة للتغيير، وهي، بداية ونهاية، تفترض عملا دؤوبا بناء على نيّة صادقة، ورغبة حقيقيّة واعية. والواضح، أنّها ظلّت تصطدم في العالم العربيّ بكثير من العراقيل التي ظلّت توضَع في درب الوصول إليها.
لا يجدي الإيهام بالحرّية، لأنّها مفهوم لا يعاش بالوهم، بل هي ممارسة حيّة، تحيي معها كلّ موات، توقظ كلّ غاف، تثوّر كلّ كامن، ولا يمكن أن تكون الحرّية حرّيات مجتزأة منقوصة، كما ظلّ يحرص على ذلك المتحكّمون بالمصائر، بحيث تنعدم كلّ رغبة محتمَلة في الإبداع أو التجديد، فلا يعود التجديد هاجسا، بل يغدو وسواسا يستجرّ الغضب، فيتعوّذ منه، تقية واحتماء.
ستشكّل الثورات العربيّة شرارة لبداية -قد تطول أو تقصر- يحتلّ فيها الإنسان الواجهة، يكون العمل الحرّ المسؤول أساسها، لأنّ الأنظمة التي محت التفرّد الخلاّق لصالح الفرد المستبدّ، كانت قد استنزفت دواخل الأفراد، كما زعزعت ثقتهم بأنفسهم على التغيير المنشود، قولبت طموحاتهم وحجّمت طاقاتهم، ودفعت بغالبيّتهم إلى التفكير في ملاذات آمنة بعيدة.
تمّ العمل على ربط كلمة الحرّية بالخراب والدمار من قبل الأنظمة الوحشيّة، لتخلق اشمئزازا حين المطالبة بها أو استعمالها في سياقاتها المفترضة، ومع ذلك، فإنّ الحرّية تظلّ الحجر الأساس لبناء منشود، فبعد أن تعيد إعمار الخراب الذي طال النفوس ونخرها، ستبدأ، ببناء ما دمّرته الأنظمة المتآمرة على الشعوب والأوطان.
الدائرة التي تخلقها الحرّية تعتبر كبرى الدوائر وأعظمها فعلا وتأثيرا، تتغلغل في تفاصيل الحياة كلّها، فكلّ جانب يؤثّر ويتأثّر بالجانب الآخر، حتى تكتمل الدورة التي تخلقها. تفترض الحرّية البحث عن الإنسان الذي يكون جديرا بما يدعو إليه، واعيا بحرّيته، لائقا بالقيم التي تنطوي عليها، لأنّ الحرّية التي كانت تاجا على رؤوس الآخرين، وكان الشباب يراها ويتمنّاها، لكنّه يُحرَم من مقاربتها، غدت اليومَ تاجا يكلّل رؤوس الثوّار الذين يدركون جوهرها ويرفدونها بما تستحقّ من تضحيات.
كاتب من سوريا