الحركة الصرخية تخوض معركة خاسرة في العراق

محمود الصرخي مرجع شيعي يروج لأفكار إصلاحية في فضاء منغلق دينيا.
الخميس 2022/04/14
خارج النسق العام

تواجه الحركة الصرخية اختبارا جديدا قد ينتهي إلى تحجيمها، ولكن الأمر لن يصل إلى استئصالها، حيث تملك هذه الحركة حضورا ليس بالهين في الأوساط الشيعية في العراق، وسبق أن خاضت معارك مع المنظومة السابقة والحالية، لكنها نجحت في الخروج منها بأخف الأضرار.

بغداد - تتعرض الحركة الصرخية في العراق هذه الأيام لحملة شرسة تستهدف النيل منها، على خلفية المواقف المثيرة للجدل التي تتبناها، وآخرها الدعوة التي أطلقها خطباء ينتمون إليها بهدم الأضرحة والمراقد الدينية الشيعية في البلاد.

وتتبنى الحركة التي أسسها المرجع الديني الشيعي محمود عبدالرضا محمد الملقب بمحمود الصرخي في تسعينات القرن الماضي، نهجا مخالفا للمرجعيات الدينية التقليدية، رغم أنها محسوبة على طائفة الاثني عشرية، ومن المعروف عن الحركة صداماتها المتكررة مع السلطة سواء كان في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، أو المنظومة السياسية التي حكمت البلاد بعد الاحتلال الأميركي.

وترتدي هذه الحركة التي لديها الكثير من المريدين في الأوساط الشيعية في جنوب العراق، عباءة الإصلاح، حيث تنادي بدولة مدنية، ولا تخفي معارضتها لبعض الطقوس الشيعية التي تعتبرها بدعا تتنافى والدين الإسلامي، الأمر الذي جعلها محل استهداف في الكثير من الأحيان.

وتقول أوساط سياسية عراقية إن الحركة تقود معركة خاسرة، لاسيما في علاقة بمحاولاتها تعرية بعض المعتقدات والطقوس الدينية، وأن هناك إجماعا نادرا من المرجعيات التقليدية وداخل المنظومة السياسية الحاكمة، على ضرورة التصدي وإنهاء هذه الحركة التي يعتبرون أنها تروج لفكر تحريفي، يستهدف المذهب، ويذهب بعضهم حد وصفها بـ”الوهابية الشيعية”.

القضاء العراقي يصدر مذكرة باعتقال المرجع الديني الشيعي محمود الصرخي

وتشير الأوساط إلى أن التحرك السريع لبعض المرجعيات على غرار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مؤخرا، والذي ترافق مع قرارات عاجلة من السلطة القضائية باعتقال زعيم الحركة وعناصرها، على خلفية موقف صدر عن أحد خطبائها حول مقامات الأولياء والرموز الشيعية، يشي بأن هناك نية لاستئصال الصرخيين.

وتلفت الأوساط إلى أن هؤلاء الذين تجندوا اليوم لشن حملة على حركة لمجرد موقف صدر عن أحد عناصرها، لم يحركهم ما آل إليه وضع العراق، من أزمة اقتصادية خانقة، وانسداد سياسي ناتج عن صراع نفوذ على السلطة، انجر عنه خرق جسيم للدستور، لا يعرف كيف سيتم ترميمه.

وأصدرت محكمة تحقيق العمارة جنوبي العراق، الأربعاء مذكرة اعتقال بحق زعيم الحركة محمود الصرخي، بالتوازي مع شن السلطات حملة اعتقالات واسعة في صفوف عناصر الحركة، في تسع محافظات في وسط العراق وجنوبه.

وذكر بيان لمجلس القضاء الأعلى في العراق أن “محكمة تحقيق العمارة (محافظة ميسان)، أصدرت مذكرة قبض بحق محمود عبدالرضا محمد الملقب محمود الصرخي”. وأوضح البيان أن “المحكمة أصدرت المذكرة وفق أحكام المادة 372 عقوبات، التي تنص على معاقبة من يعتدي بإحدى الطرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو يحقّر من شعائرها”.

وكان خطيب جامع الفتح في محافظة بابل المنتمي إلى الحركة الصرخية علي موسى عاكول كاظم المسعودي، دعا خلال صلاة الجمعة الماضية إلى هدم مراقد آل البيت، مما أثار غضب الشارع الشيعي.

وقد سارع زعيم التيار الصدري إلى امتطاء موجة الغضب، حيث أمهل زعيم الحركة “ثلاثة أيام للتبرؤ من دعاة تهديم قبور الأولياء والأئمة المعصومين”. وقال الصدر في بيان إن “بعض من ينتمون بالتقليد إلى الصرخي، يحاولون إدخال بعض العقائد المنحرفة إلى المذهب، وآخرها ما صدر من إمام حجة لهم في محافظة بابل، الذي طالب بهدم القبور”.

وأضاف أن “تعالي صوت البعث الصدامي المجرم وذكر كبيرهم (صدام) يجب عدم السكوت عنه”، مطالبا مجلس النواب بـ”إصدار قانون يجرم ذلك فورا”.

وأجج موقف الصدر أنصاره الذين سارعوا إلى مهاجمة مساجد وحسينيات الحركة، وأضرم المحتجون الغاضبون الثلاثاء النيران في مكتب الصرخي في محافظة بابل وسط العراق.

وتبعت ذلك قرارات سريعة من السلطة القضائية باعتقال زعيم الحركة، كما عمدت السلطات الأمنية إلى إلقاء القبض على العشرات من المنتمين إليها في محافظات بغداد وذي قار وبابل والقادسية والمثنى والبصرة وميسان وواسط والنجف.

وأعلنت خلية الإعلام الأمني في العراق الأربعاء اعتقال تسعة وعشرين شخصا متهما بالتطرف الديني في تسع محافظات عراقية. وقالت الخلية، في بيان عبر حسابها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك “تنفيذا لأوامر قبض قضائية يواصل جهاز الأمن الوطني حملاته الواسعة لملاحقة عناصر الحركات المتطرفة، التي تحاول الإساءة إلى المعتقدات والرموز الدينية وتهديد السلم المجتمعي، وتمكنت من إلقاء القبض على 29 متهما بالانتماء إلى تلك الحركات المتطرفة”.

وذكرت أنه “تم تدوين أقوال المتهمين أصوليا وإحالتهم إلى الجهات القضائية المختصة لينالوا جزاءهم العادل وفق القانون”، مشيرة إلى مواصلة عمليات البحث والتحري وفق معلومات استخبارية دقيقة عن أي شخص يحاول العبث بالأمن.

ويستبعد المراقبون أن تفضي الهجمة التي تتعرض لها هذه الأيام الحركة الصرخية إلى إنهائها، حيث إن لهذه الحركة حضورا في الأوساط الشعبية، وسبق أن حاول النظام العراقي في عهد صدام حسين وضع حد لها، لكنه فشل في ذلك، كما تعرضت الحركة في العام 2014 للاستهداف من قبل الميليشيات الموالية لإيران، بسبب موقف زعيمها من تشكيل “الحشد الشعبي” ومن التمدد الإيراني.

معركة خاسرة
معركة خاسرة

وكان الصرخي هاجم قرار المرجعية الدينية الممثلة في علي السيستاني بإعلان الجهاد على تنظيم داعش، والذي أعقبه تشكيل الحشد الشعبي الذي ارتكب انتهاكات خطيرة في المناطق ذات الغالبية السنية، تحت غطاء التصدي للتنظيم.

واعتبر زعيم الحركة الصرخية حينها أن قرار السيستاني يشرع الباب لإيران للمزيد من فرض هيمنتها على العراق، وهو ما تحقق بالفعل.

ويقول المراقبون إن الحركة تواجه اليوم تحديا وجوديا جديدا، وقد تفضي الحملة التي تتعرض إليها إلى تحجيمها، لكن لن يصل الأمر حد استئصالها، حيث هناك الآلاف من الشيعة من يتبنون أفكارها ومواقفها، ولاسيما في علاقة برفض النفوذ الإيراني.

ويشير المراقبون إلى أن الهجوم الذي تتعرض إليه الحركة لا يخلو أيضا من حسابات سياسية في علاقة ببعض القوى، ومنها زعيم التيار الصدري الذي يحاول أن يفرض نفسه الزعيم الواحد والأوحد على الشيعة.

وقد تعزز طموح الصدر في الاستئثار بزعامة الطائفة دينيا وسياسيا بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي جرت في العاشر من أكتوبر الماضي، وظهر ذلك من خلال محاولته إقصاء باقي القوى الشيعية، تحت شعار إنهاء المحاصصة الطائفية.

وللمفارقة فإن الصرخي هو أحد تلاميذ والد مقتدى الصدر، المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر، الذي اغتيل هو وابناه في نهاية التسعينات في مدينة النجف، واتهم نظام صدام حسين بالوقوف خلف عملية الاغتيال.

3