الحركة الإسلامية تقدم أوراق اعتمادها للدولة الأردنية

الحركة الإسلامية أماطت أخيرا اللثام عن الوثيقة السياسية التي لطالما روجت إلى أنها ستكون مفاجأة مدوية بالنسبة للجميع، وتضمنت الوثيقة جملة من البنود لعل من أبرزها التأكيد على البعد الوطني للحركة، وتبنيها لدولة المواطنة، وهو ما يشكل انقلابا ظاهريا على ثوابت ومبادئ الحركة.
عمان – طرحت الحركة الإسلامية في الأردن الاثنين وثيقة سياسية ترسم رؤيتها وخارطة عملها خلال الفترة المقبلة، في سياق إعادة التموضع في المشهد الأردني، في ظل مؤشرات عن توجه رسمي يدعم بحذر هذه الخطوة.
وتعتبر دوائر سياسية أن طرح الحركة للوثيقة في هذا التوقيت بالذات هدفه حث الدولة الأردنية على تطبيع كامل معها، خاصة بعد القرار القضائي الذي صدر بعدم اعتبار جمعية الإخوان المسلمين وريثا شرعيا عن الجماعة الأم.
وتشير هذه الدوائر إلى أن ما جاء في نص الوثيقة هو تدوين لتغير ظهر جليا في سياسة الحركة خلال السنوات الأخيرة وترجمه إنهاء مقاطعتها للاستحقاقات الانتخابية، وتراجعها عن رفع شعار “الإسلام هو الحل”.
وتلفت إلى أن الحركة تدرك حاجة النظام الأردني إلى ظهير سياسي وشعبي قوي في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها المملكة، وهي بوثيقتها تقدم أوراق اعتمادها مجددا.
ولطالما كان هناك نوع من التناغم بين الحركة الإسلامية والدولة الأردنية، قبل أن يحصل فتور حينما ركبت الحركة موجة الربيع العربي في الأردن، ورفعت شعار تغيير الحكم.
وذُكر في الوثيقة أن الهدف منها بلورة رؤية موحدة وفهم مشترك داخل الحركة الإسلامية، وتبنّي سياسات وتوجهات تحول دون حصول تباينات إزاء مسائل مهمة، مع الاحتفاظ بمساحات واسعة لحرية الاجتهاد.
وتضمنت الوثيقة موقف الحركة من عدة قضايا من بينها الإرهاب والتطرف وحرية التعبير، والمواطنة والإصلاحات السياسية، والدستور ورؤيتها للعلاقة مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والقوى السياسية.
وسعت الحركة (جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي) إلى الترويج على مدى الأيام الماضية إلى أن هذه الوثيقة التي تم العمل عليها لأزيد من عام تعد انقلابا جذريا في نمط تفكيرها، وهي تقطع مع أي ارتباطات خارجية من خلال تأكيدها على الهوية الوطنية.
وفي كلمة له بالمؤتمر الذي عقد بمقر جبهة العمل الإسلامي، قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين عبدالحميد الذنيبات إن “الوثيقة تعد من أهم الوثائق التي صدرت عن الحركة الإسلامية في المجال السياسي”. وأضاف أن الوثيقة تعبر عن التوجهات السياسية للحركة بعيدة المدى، وتبرز البعد الوطني للحركة وأولوياتها بصورة واضحة غير ملتبسة. ومن أبرز ما ورد بالوثيقة، “انفتاح الحركة الإسلامية فكريا وسياسيا، والتأكيد على البعد الوطني، والحرص على الشراكة مع الآخر، وقيم العدل والمساواة، والإيمان بالمواطنة العادلة وتكافؤ الفرص”.
ومن جهته شدد أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي، المهندس مراد العضايلة، على أن الحركة الإسلامية تؤكد هويتها الإسلامية وانتماءها الوطني. وأضاف العضايلة أن الوثيقة السياسية للحركة هي ملك للوطن وللجميع.
وأبرز ما جاء في الوثيقة هو التأكيد على البعد الوطني للحركة وتبنيها لدولة المواطنة والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص، وصولا إلى أردن مدني وتعددي، بمرجعية إسلامية، تتحقق فيه دولة القانون والمؤسسات، وتحترم حقوق الإنسان، ويكون الشعب فيه مصدر السلطات.
وتؤكد الوثيقة رفض الحركة التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو المعتقد أو العرق أو الطائفة أو الموقع الجغرافي أو الموقف السياسي. فالجميع أمام القانون سواء.
وتلفت إلى ضرورة احترام الحريات الدينية والفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتكريس المؤسسية وسيادة القانون واستقلال القضاء والفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة التنفيذية، وهي دولة تعتمد الانتخاب الحرّ النزيه آلية للاختيار، تجسيدا لمبدأ “الشعب مصدر السلطات”.
وتنص على رفض التعامل مع أي شريحة من شرائح الوطن بمفهوم الأقلية والأغلبية، وترى أنه لا مكان لمفهوم الأقليات في دولة المواطنة والقانون والحقوق المتساوية. فالجميع شركاء في الوطن، متساوون في الحقوق والواجبات، فيما بدا إشارة إلى المكون الفلسطيني.
وتنوه الحركة في وثيقتها بالدستور الأردني حيث قالت إنه الوثيقة القانونية الأولى في الدولة تعلو على ما عداها من تشريعات قانونية، وينبغي أن يحترمه الجميع، أفرادا ومسؤولين وهيئات عامة ومؤسسات مجتمع مدني، وأن يلتزموا بمبادئه وقواعده.
وترى أن من حق الشعب ومؤسساته أن يتوافقا على إجراء التعديلات الضرورية التي يريانها لازمة لتطويره تحت مظلة الحوار الوطني وتحقيق أوسع مساحة من التوافق المجتمعي، بما يتيح التواؤم مع التحولات المهمة، ويسهم في تكريس نظام سياسي تعددي متقدّم، على قاعدة أن دين الدولة الإسلام والشعب مصدر السلطات.
ويعتبر مراقبون أن النقاط التي تضمنتها الوثيقة تقطع ظاهريا مع مقولة “الإسلام هو الحل” التي لطالما تبنتها الحركة الإسلامية، وتحاول من خلالها الإيحاء بأنها حركة وطنية تقبل التعدد والاختلاف، في رسالة موجهة خاصة للملك عبدالله الثاني الذي أبدى في الأشهر الماضية تغيرا في موقفه وهو ما كرسه اللقاء الذي جمعه بكتلة الإصلاح النيابية والذي حرص من خلاله على إظهار اهتمام بمطالب الكتلة ومن خلفها الحركة والتي ضمنتها في مبادرة سياسية شاملة من بنودها تشكيل حكومات برلمانية تكون الحركة جزءا منها.
ويقول المراقبون إن الوثيقة المستلهمة من نماذج في الوطن العربي كحركة النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في المغرب، تعكس توجها براغماتيا ينزع إلى التكيف مع التحولات في الأردن والمنطقة ككل.

وتتهيأ الحركة الإسلامية على ما يبدو من خلال إطلاق هذه الوثيقة في هذا التوقيت للعب دور متقدم في الساحة السياسية بعد تراجع كبير نتيجة الانشقاقات التي عصفت بها بعد فشل حراك الربيع العربي في الأردن. ويعتبر محللون أن الحركة الإسلامية أدركت أن خطابها الأصولي كلفها الكثير وأنه حان وقت التغيير، خاصة وأن الدولة الأردنية تظهر رغبة في استيعابها مجددا على وقع التحديات التي تواجهها سواء في علاقة بالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أو بخطة السلام الأميركية التي يطلق عليها صفقة القرن.
ويشير المحللون إلى أن النظام الأردني يدرك أنه في حاجة إلى قوة سياسية لديها حيثية شعبية لامتصاص أي هزات، وأن الحركة الإسلامية قد تكون المؤهل للعب هذا الدور، في ظل خواء المسرح السياسي الأردني من أي منافسين.
وأكدت الحركة في وثيقتها انفتاحها على مختلف المستويات وعلى رأسها ملك البلاد، وهي تسعى لعلاقة إيجابية مع مختلف مؤسسات الدولة، تقوم على التعاون واقتراح الرؤى والمبادرات والبرامج العملية، إلى جانب تقديم النصح والمشورة لما يحقق الصالح العام. ومن حقّ الحركة نقد السياسات والإجراءات التي لا تنسجم مع المصالح الوطنية العليا، وهي لا تتأخر في أداء واجبها الشرعي والوطني الذي يفرضه عليها انتماؤها لوطنها وأمتها.
واعتبرت الحركة أن المعارضة في نظرها ممارسة سياسية شورية وديمقراطية، تقتضيها ظروف ومعطيات معيّنة، لكنها ليست مبدأ ثابتا ولا نهجا دائما، كما أنها معارضة إيجابية بنّاءة، ترصد الأخطاء، وتدعو إلى إصلاح الاختلالات، بما يسهم في ترشيد الأداء، وتعزيز مسيرة الإصلاح الوطني. وهي ليست معارضة عدمية من أجل المعارضة في كل الظروف ولكل السياسات.
ويقول البعض إن الكثير من أنصار الحركة سينظرون إلى هذه الوثيقة على أنها انقلاب على ثوابت الحركة ومبادئها، في المقابل فإنه يرجح أن تلقى ترحيبا لدى المؤسسة الرسمية وإن يبقى الحذر سيد الموقف في ظل غياب الثقة بحكم التجارب السابقة.