الحرس الثوري يسحب كبار ضباطه من سوريا استباقا للرد الأميركي

طهران/واشنطن – بدأ الحرس الثوري الإيراني بسحب كبار ضباطه من سوريا تحسبا لهجوم أميركي. وتزامنت هذه الخطوة مع أنباء تفيد بأن الولايات المتحدة أقرت خططا لتوجيه ضربات على مدار أيام في العراق وسوريا ضد أهداف إيرانية تشمل أفرادا ومنشآت عسكرية.
وليس واضحا ما إذا كان سحب قادة الحرس الثوري الكبار من سوريا قد تم بناء على توصية من القيادة السورية التي نأت بالبلاد عن حرب غزة ولا تريد أن تكافئ حماس التي سبق وأن وقفت ضدها وفضلت مساندة جانب المتشددين الإسلاميين خلال الحرب الأهلية السورية.
ويرجح أن تستهدف الضربات الأميركية المتوقعة في العراق وسوريا قادة الخط الثاني من الميليشيات الموالية لإيران وكذلك عناصر إيرانيين غير مهمين عسكريا قد يلجأ الحرس الثوري إلى إبقائهم هناك رمزيا حتى لا يحدث انسحاب كامل يوحي بأن طهران تُخلي الميدان في أول تحد عملي في صراعها مع الأميركيين.
البنتاغون والمخابرات سيضغطان على بايدن لانتقاء أهداف بمستوى سليماني والمهندس وعدم الاكتفاء بالصف الثاني
لكن البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأميركية لن يكتفيا بمثل هذا الاستهداف الثانوي وسيضغطان على الرئيس جو بايدن بانتقاء أهداف بمستوى قاسم سليماني قائد فيلق القدس وأبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق.
ويتعرض الحرس الثوري لواحدة من أكثر الفترات صعوبة في سوريا منذ تدخله قبل عقد من الزمن لمساعدة الرئيس بشار الأسد في الحرب الأهلية. ومنذ ديسمبر الماضي قتلت الضربات الإسرائيلية أكثر من ستة من أعضائه، من بينهم أحد كبار قادة المخابرات في الحرس الثوري.
وقالت ثلاثة مصادر لرويترز “يطالب غلاة المحافظين في طهران بالثأر، في حين أن قرار إيران سحب كبار الضباط مدفوع جزئيا بحرصها على ألا تنجر إلى صراع يحتدم في أنحاء الشرق الأوسط”.
وكشف أحد المصادر، وهو مسؤول أمني إقليمي كبير مطلع على شؤون طهران، عن أن قادة إيرانيين كبارا غادروا سوريا مع عشرات الضباط من الرتب المتوسطة، واصفا ذلك بأنه “تقليص لحجم الانتشار هناك”.
وأرسلت إيران الآلاف من المقاتلين إلى سوريا خلال الحرب الأهلية. وكان من بين هؤلاء أعضاء من الحرس الثوري يعملون رسميا كمستشارين، وكان أغلبهم أعضاء في فصائل شيعية مسلحة من مختلف أنحاء المنطقة.
وقالت المصادر إن الحرس الثوري سيدير العمليات السورية عن بعد بمساعدة حليفه حزب الله اللبناني. وقال مصدر آخر، وهو مسؤول إقليمي مقرب من إيران، إن من بقوا في سوريا غادروا مكاتبهم وتواروا عن الأنظار.
ونقلت شبكة سي.بي.إس نيوز الخميس في تقرير لها عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه تمت الموافقة على خطط لتوجيه ضربات على مدار أيام في العراق وسوريا ضد أهداف إيرانية.
يأتي التقرير بعد مرور أيام على بروز تكهنات بشأن الكيفية التي من المزمع أن ترد بها واشنطن على مقتل ثلاثة جنود أميركيين السبت في الأردن أثناء هجوم بطائرة مسيرة، وهم أول قتلى أميركيين يسقطون خلال تصاعد العنف في مناطق التوتر في الشرق الأوسط منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر الماضي.
وقال الرئيس جو بايدن، الذي يتعرض لضغوط تهدف إلى جعله يتخذ إجراءات حازمة، إنه قرر كيفية الرد لكنه لم يكشف عن محتوى الخطط.
ونقلت شبكة سي.بي.إس عن المسؤولين الأميركيين قولهم إن الطقس عامل مؤثر في توقيت الضربات المزمعة لأن واشنطن تفضل تنفيذها حين تكون الرؤية واضحة تفاديا لإصابة مدنيين.
السوريون لا يخفون انزعاجهم من تداعيات الوجود الإيراني على أمنهم القومي، فهو يمنح إسرائيل مبررا للاستمرار في القصف واستهداف منشآت حكومية مدنية وعسكرية
وقالت واشنطن إن الهجوم على قواتها يحمل “بصمات” جماعة كتائب حزب الله الموالية لإيران ومقرها العراق، وإن الطائرة المسيرة التي نفذت الهجوم يعتقد أنها إيرانية الصنع.
ولم يكن الانسحاب الإيراني من سوريا مرتبطا فقط بالمخاوف من الاستهداف الأميركي، وإنما هناك أيضا مؤشرات على وجود خلاف مع نظام الأسد بسبب المشاكل التي بات الوجود الإيراني يسببها لدمشق.
ولا يخفي السوريون انزعاجهم من تداعيات الوجود الإيراني على أمنهم القومي، فهو يمنح إسرائيل مبررا للاستمرار في القصف واستهداف منشآت حكومية مدنية وعسكرية يتخذها الحرس الثوري مقار له وللميليشيات الحليفة.
كما أن الوجود الإيراني يعطي لإسرائيل صورة معاكسة لما يَنْويه الأسد الذي يريد أن ينأى ببلاده عن الحرب ولا يريد استعداء إسرائيل لحساب مصالح إيران أو حزب الله. وليس مستبعدا أن يكون هذا التوجه السوري مدعوما من روسيا التي ليس من مصلحتها استمرار الحضور العسكري والاستخباري الإيراني المكثف في سوريا.
وبدأ الإيرانيون يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم في سوريا، ما دفعهم إلى الشك في أن يكون الاستهداف الإسرائيلي الدقيق لعناصر قيادية إيرانية ناجما عن اختراق استخباراتي من جهات سورية.
وقالت المصادر إن الحرس الثوري عبّر للسلطات السورية عن تخوفه من إمكانية تسريب معلومات من داخل قوات الأمن السورية لعبت دورا في الضربات المميتة الأخيرة.
وذكر مصدر آخر مطلع على العمليات الإيرانية في سوريا أن الضربات الإسرائيلية الدقيقة دفعت الحرس الثوري إلى نقل مواقع العمليات ومساكن الضباط وسط مخاوف من “اختراق استخباراتي”.
وجاءت القوات الإيرانية إلى سوريا بدعوة من الأسد، وساعدته على هزْم مقاتلي المعارضة الذين سيطروا على مساحات كبيرة من البلاد في الصراع الذي بدأ عام 2011.
وبعد سنوات من استعادة الأسد وحلفائه معظم سوريا، لا تزال الجماعات المدعومة من إيران تعمل في مناطق واسعة. وعزز وجود هذه الجماعات منطقة نفوذ إيرانية تمتد عبر العراق وسوريا ولبنان إلى البحر المتوسط، ما ساعد على تحقيق توازن مع خصوم طهران الإقليميين، بما في ذلك إسرائيل.
وقالت المصادر إن الحرس الثوري يجند مرة أخرى مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان للانتشار في سوريا، في تكرار لمراحل سابقة من الحرب عندما لعب مسلحون شيعة دورا في تحويل مجرى الصراع. وأعلن المسؤول الإقليمي المقرب من إيران أن الحرس الثوري يعتمد أكثر على فصائل شيعية سورية.
ويرى جريجوري برو، المحلل في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، أن الإخفاق في حماية القادة الإيرانيين “قوض بوضوح موقف إيران”، لكن من غير المرجح أن تنهي طهران التزامها تجاه دمشق حفاظا على دورها في سوريا.