الحرب والدكتاتوريات السعيدة

في محاذاة الصور، ورسوم الكاريكاتير، ذات المضامين الافتراضية، التي تدفقت منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية؛ كان هناك خط آخر، مخصص للزعيم الكوري كيم جونغ أون، يجعله متأهباً للمدد، واحتياطياً استراتيجياً لمخزون الروس الصاروخي. بل إن أغلب هذه الصور والرسوم، تُظهر كيم، في حال الضجر في انتظار أيّ استفزاز أميركي، أو من أيّ طرف في الغرب، لكي يدخل المعمعة. فقد نُشرت بعض الصور مع تعليقات تستنطق “كيم” باللهجات العامية العربية، فيما هو نافد الصبر في انتظار تحرش أو “حركشة”.
في الحقيقة، وبقطع النظر عن اللقطات التي تزج بكوريا الشمالية في موضوع حملة روسيا العسكرية في أوكرانيا؛ تتلازم الإشارات التي تُغذي الغموض الرهيب الذي يلف أحوال كوريا الشمالية، مع إشارات أخرى ـ بالقدر نفسه ـ تدل على الخفة والسذاجة والاغتراب عن الواقع، في أداء الزعامة الكورية، وفي تمظهرات جمهورها واستعرضاتها ومواطنيها الذين يصفقون بحرارة للزعيم، أثناء مروره، وتنهمر الدموع من مآقي عيونهم، وهم يجهشون بالبكاء تأثراً بسحر “الوريث العظيم” و”الرفيق الرائع”. فما نراه في تلك اللقطات، يكاد يجعلنا نصدّق أن ما يجري هناك، هو نتاج عاطفة حقيقية جياشة، يندر مثيلها في الدنيا، ولن يحظَى بشيء منها، الأخيار الطيبون، حتى لو جعلوا الأرض والحياة رغداً لشعوبهم.
من الطبيعي أن يُظهر “كيم” حماسة لبوتين. فالأول كان سيفعل مع كوريا الجنوبية مثل الثاني، لو أن شطره الشمالي يمتلك مثل روسيا قاعدة علمية واسعة للصناعات العسكرية وموارد بلد شاسع، ومصادر ثروات كبرى وفضاء جغرافيا ينفتح على محيطات وبحار وقارات. لذا فإن الأمر بالنسبة إلى الزعيم “الرفيق الرائع” محض نوع من الإشباع النفسي البديل.
لا تخلو أيّ دكتاتورية أو حالة نرجسية لحاكم، من الإعجاب العالي بالنفس، ومن الأوهام المتناسلة. ومن الطبيعي أن تساند الدكتاتوريات بعضها بعضا، أما الديمقراطيات الاستعلائية، فإنها تحتقر من ينافقونها ويريدون الدخول في زمرتها. بل هي تستقطب الدكتاتوريات تلك التي تطيعها، وترد لها موالاتها بالدعم وبمساندة مشروعيتها المزعومة. فما أكثر الخيانات “الديمقراطية” التي تعرضت لها الشعوب، وأحبطت أحلامها في الحرية والكرامة والعدالة.
معلوم أن حافظ الأسد، كان معجباً بـ”كيم إيل سونغ” ورغب في احتذاء خطاه في التوريث، منذ أيام ابنه باسل. فأطول سفراء حافظ الأسد خدمة، كان سفيره في بيونغ يانغ، الذي ظل يستدعيه بين الوقت والآخر، لكي يتعرف منه على جديد التجربة الكورية الشمالية، وعلى تكتيكات التهيؤ للتوريث. وعلى خطى الأب، أرسل بشار رجلاً مقرباً منه، ويدعى تمام سليمان، سفيراً له في بيونغ يانغ، مهمته الحصرية الاستزادة من “فنيات” التوريث، لحين توريث “حافظ” الحفيد.
كيم جونغ أون، على توافق تام مع بشار الأسد، وقد تبادل الاثنان، الرسائل 12 مرة خلال سنة 2021 بينما لم يكن التبادل مع الصين نفسها إلا أربع مرات. والأطرف أن يوصي “كيم” سفيره لدى سوريا مون جونغ نام، كي يشرح لوزير بشار (عمرو سالم، المتسلم حقيبة التجارة الداخلية وحماية المستهلك) كل أسرار جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية “في تجاوز الحصار المفروض عليها وترقية معيشة الشعب الكوري في ظل الضغوطات” حسب ما جاء في بيان رسمي!
أغلب الظن أن “كيم” حسن النية مع صاحبه، لكنه يجهل أن هذا الصاحب لا يحمي نفسه بنفسه، ولا يحظى بعواطف جياشة ولا تنهمر دموع الشعب نفاقاً له، وإنما انهمارها بسبب آلام الفواجع والجروح التي أوقعها الصاحب بشعبه.