الحرب والإنترنت تهددان النوتة الموسيقية الورقية بالاختفاء

الناشرون يعانون من الورق باهظ الثمن وتسريب النوتات الشهيرة على مواقع التواصل.
الثلاثاء 2023/03/07
ناشرو النوتات يواجهون ركودا كبيرا

جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية لتزيد أسعار الورق وتضر بالعديد من الصناعات حتى الثقافية منها، حيث تضررت النوتات الموسيقية الورقية وتراجع العاملون في هذا القطاع الذي يبدو متأثرا أيضا بالإنترنت؛ إذ صار العديد من الفنانين والمجموعات الموسيقية يميلون إلى استخدام نوتات رقمية. وتضر كل هذه التغيرات بالنوتات الورقية في ألمانيا، لكن ما يسبب الضرر الأكبر هو انتشار النوتات بشكل غير قانوني على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الإنترنت.

كوبلنز (ألمانيا)- ألمانيا هي أرض المواهب الموسيقية العالمية، ويرجع التراث الألماني كمنتج للنوتة الموسيقية إلى قرون، وهي عمل إبداعي يحظى بالتبجيل وبسمعة عالمية رائعة.

ولكن مثلما حدث مع الكتب، أثبتت شبكة الإنترنت أنها منافس هائل بل ومميت للنوتة الموسيقية. ومما زاد الأمور تعقيدا تفشي جائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، وارتفاع معدل التضخم، مما جعل وضع النوتة الموسيقية صعبا.

ومنذ عام 2019 شهدت سوق النوتة الموسيقية، الخاصة بالموسيقى الكلاسيكية، تراجعا في المبيعات بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المئة، وفقا لما يقوله كليمنز شويش نائب رئيس الرابطة الألمانية لناشري الموسيقى المطبوعة، التي يبلغ عمرها قرابة 200 عام.

ويضيف “إننا نخشى أن يضطر بعض الناشرين إلى التخلي عن أنشطتهم العام المقبل”.

ووصلت مبيعات النوتة الموسيقية عام 2019 إلى ما يزيد قليلا عن 93 مليون يورو (98 مليون دولار)، وعلى وجه المقارنة بلغت مبيعات الكتب في نفس العام نحو 9.3 مليار يورو.

ويوضح شويش أنه يوجد في ألمانيا حوالي 350 ناشرا للنوتة الموسيقية، وأن القليل من دور النشر هذه تحظى بحجم أعمال كبير، والكثير منها محدودة المبيعات، وبضعة ناشرين فقط هم من تتجاوز مبيعاتهم السنوية عشرة ملايين يورو.

وهذا الموضوع محبب إلى قلب شويش للغاية، حيث أنه الشخص الذي يدير أيضا دار بارنريتر لنشر النوتة الموسيقية بمدينة كاسل، وهي الدار التي تحتفل هذا العام بمرور 100 عام على تأسيسها.

◙ منذ عام 2019 شهدت سوق النوتة الموسيقية، الخاصة بالموسيقى الكلاسيكية، تراجعا في المبيعات بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المئة
منذ عام 2019 شهدت سوق النوتة الموسيقية، الخاصة بالموسيقى الكلاسيكية، تراجعا في المبيعات بنسبة تتراوح بين 30 و60 في المئة

وتحظى تجارة النوتة الموسيقية ذات التراث الخصب بمركز فريد من نوعه في المبيعات، ذلك أن ألمانيا هي موطن بعض أعظم مبدعي الموسيقى الكلاسيكية في العالم، مثل باخ وبيتهوفن وبرامز.

وفي هذا الصدد يقول يوهانز موندري المتحدث باسم دار بارنريتر إن “نشر النوتة الموسيقية هو اختراع ألماني”، ويضيف “غير أن عدد ناشري الموسيقى آخذ في التقلص، ولم يعد موجودا منهم سوى مجموعة ضئيلة، في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة”.

وما يخفف العبء عن هذه الصناعة في ألمانيا هو إمكانية التصدير لزبائن في الخارج، ويقول موندري “يمكنك أن تستخدم نفس النوتة الموسيقية، المخصصة لعزف موسيقى أوبرا ‘الناي السحري’، في سيدني مثلما تستخدمها هنا بالضبط”.

ومر 252 عاما على تواجد شركة “شوت موزيك” في مدينة ماينز، وهذه الشركة تعد رائدة في سوق النوتة الموسيقية، وواجهت صعوبات شديدة خلال السنوات القليلة الماضية، وتقول كرسيتيانه ألبيز التي يُعتمد توقيعها نيابة عن الشركة “أصابت جائحة كورونا الحياة الموسيقية في الصميم”.

وتضيف أن حظر الحفلات الموسيقية “تسبب في انهيار إيراداتنا شيئا فشيئا”، وتشير إلى أن الحكومة ساعدت على دفع رواتب الموظفين عن طريق الدعم المالي مع إبقاء العاملين في منازلهم، وتقول إنه تم نشر عدد قليل من المقطوعات الموسيقية الجديدة في ذلك الوقت.

وبالإضافة إلى كل هذه المتاعب جاءت “زيادات في الأسعار لم يكن من الممكن تصورها من قبل”، نتيجة الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، مما أثر على أسعار الطاقة والورق والتغليف على سبيل المثال، وفقا لما توضحه ألبيز.

وتعني زيادة معدلات التضخم أن الناس أصبحوا يفكرون مرتين قبل أن يشتروا نوتة موسيقية.

◙ تجارة النوتة الموسيقية ذات التراث الخصب تحظى بمركز فريد من نوعه في المبيعات
تجارة النوتة الموسيقية ذات التراث الخصب تحظى بمركز فريد من نوعه في المبيعات

كما أن الجمهور عاد ببطء إلى عاداته قبل الجائحة، في التردد على الحفلات الموسيقية والغنائية والأوبرالية، وتقول ألبيز “أصبح الناس أكثر اعتيادا على الراحة، حيث يفضلون الاسترخاء على الأرائك بدلا من الخروج”.

وتضيف أنه “في لحظ ما لا بد أن يحس الناس بأنهم ما عادوا يطيقون البقاء في المنازل، ويريدون أن يجدوا ما يلهمهم مرة أخرى ويرفه عنهم، وأن يستمتعوا بعزف الموسيقى حية، في القاعات وعلى خشبة المسارح”.

وبشكل عام كان رد فعل ناشري النوتة الموسيقية يتسم بالبطء حيال منافسة المنصات الإلكترونية لهم، وتعقدت المشكلة بدرجة أكبر، بسبب الكمية الكبيرة من النوتات الموسيقية، المنشورة على هذه المنصات بشكل غير قانوني، وتعلق ألبيز قائلة “إننا نبحث عن هذه الانتهاكات القانونية، ونتخذ إجراءات حيالها”.

ولكن غالبا ما يتواجد الأشخاص الذين ينشرون النوتات الموسيقية على منصات الإنترنت بشكل غير قانوني، في دول أخرى بعيدة، وقد يكون من المتعذر تتبعهم أو ملاحقتهم.

ومن ناحية أخرى تُطرح بعض النوتات الموسيقية على المنصات الإلكترونية بشكل قانوني وبالمجان بسبب انقضاء شرط مرور 70 عاما على إبداعها، وفقا لحقوق طبع ونشر الأعمال الفنية.

ويعلق شويش قائلا “بالنسبة إلى الموسيقيين الهواة، تكون هذه النوتات الموسيقية المجانية رائعة”، ويضيف “غير أن المحترفين يتجهون بدرجة أكبر إلى دفع المال لشراء نسخ تعكس أحدث الإصدارات، سواء كانت مطبوعة أو ممكنة التنزيل من المنصات الإلكترونية، وفي كلتا الحالتين تسبقهما نصوص تمهيدية”.

بعض العازفين المحترفين يعتقدون أن استخدام النوتة الورقية أكثر أمانا؛ إذ يخشون أن تتعرض أجهزتهم اللوحية لأعطال

بينما تقول ألبيز إن “الفرق الموسيقية الصغيرة، وكذلك العازفين الفرديين، يفضلون غالبا متابعة النوتة الموسيقية الخاصة بهم على جهاز لوحي أو على هاتف محمول، وينطبق الأمر على عازفي موسيقى الجاز والبوب بشكل عام”.

وتضيف أن فرق الأوركسترا المحترفة من جهة أخرى “لا تزال تريد في الغالب متابعة اللحن على نوتة موسيقية ورقية، غير أن هذا الاتجاه آخذ في التغير بدرجة أكثر بطئا مما كنا نتوقع”.

ويود بعض العازفين في الفرق الأوركسترالية تقليب أوراق النوتة الموسيقية التي يعزفون الألحان المدونة فيها، ولكن على الأجهزة اللوحية باستخدام دواسة قدم للبلوتوث، مما يمكنهم من مواصلة استخدام أيديهم في العزف.

غير أن شويش رئيس شركة بارنريتر يقول أيضا إن “بعض العازفين المحترفين يعتقدون أن استخدام النوتة الموسيقية الورقية أكثر أمانا، حيث أنهم يخشون أن تتعرض أجهزتهم اللوحية لعطل ما وسط الحفل الموسيقي، أو تتعرض لمشكلة فنية أخرى”.

14