الحرب تنهي قسرا موسم المزارعين في لبنان

بيروت- اضطرّ أبوطالب قبل أسابيع إلى ترك بساتينه المزروعة بالفواكه في جنوب لبنان والنزوح إلى شمال البلاد، بعدما باتت أراضيه في قلب دائرة التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، لكن قلبه ينفطر حزنا على محصول لطالما انتظره.
وعلى غرار هذا المزارع وجد مزارعون كثر أنفسهم يتخلون قسرا عن جني الحمضيات والفواكه والخضار جراء التصعيد الإسرائيلي الأخير الذي طال مناطق محسوبة على حزب الله لاسيما في جنوب البلاد وشرقها. أما من أنقذ محاصيله، فيعجز عن تسويقها. ويقول أبوطالب الذي فضّل استخدام اسم مستعار لأسباب أمنية، “بدأت الحرب قبل موسم القطاف بقليل”.
ويضيف الرجل الذي نزح من بلدة طيردبا قرب صور إلى مدينة طرابلس في تصريحات لوكالة فرانس برس “تركت 12 هكتارا من الأفوكادو والقشطة والحمضيات.. لم نتمكن من قطف شيء”.
وفي منتصف أكتوبر الماضي، عاد أبوطالب في زيارة خاطفة إلى بلدته الواقعة على بعد نحو ستة كيلومترات من مدينة صور الساحلية، ليجدها مقفرة. ويشرح “كان المشهد مخيفا، ما من بشر فيها”.
وبينما كان يتفقّد بساتينه، سمع دوي غارة إسرائيلية طالت بلدة مجاورة، على حد قوله، ما دفعه ليعود أدراجه من دون أن يتمكن من إنقاذ محصول الأفوكادو الذي عادة ما يكون مربحا لأنّه مخصّص للتصدير بشكل أساسي.
وبعد عام من تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله عبر الحدود، بدأت إسرائيل في سبتمبر الماضي بتكثيف غاراتها على جنوب لبنان وشرقه، حيث توجد بساتين وحقول زراعية شاسعة.
وأسفرت هذه الغارات عن مقتل أكثر من 1940 شخصا على الأقل في لبنان، بينما دفعت أكثر من 1.2 مليون شخص إلى النزوح، ما اضطرّ عددا من المزارعين إلى التخلّي عن أراضيهم ومحاصيلهم.
ورغم أن المحادثات السياسية تراوح مكانها، إلا أن أبوطالب يأمل في التوصل إلى “وقف لإطلاق النار في أسرع وقت ممكن” علّه ينقذ “ما تبقى” من موسمه.
وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن أكثر من 1909 هكتارات من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان تضررت أو لم يتمّ جني محاصيلها منذ بدء تبادل القصف بين حزب الله وإسرائيل في الثامن من أكتوبر 2023 وحتى 28 سبتمبر الماضي.
واضطرّ هاني سعد وهو مزارع كبير إلى التخلّي عن أربع من خمس مزارع أفوكادو وحمضيات وقشطة وموز يملكها، أي ما يعادل 120 هكتارا في منطقة النبطية (جنوب) التي يناسب مناخها المعتدل هذا النوع من المزروعات.
ويقول سعد الذي غادر بلدته وتوجه عند أولاده في مدينة جونية الساحلية شمال بيروت “إذا جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غضون شهر، يمكنني أن أُنقذ الموسم، ولكن إن لم يحصل ذلك، عندها سيضيع الموسم كلّه”.
وقبل فترة، اندلع حريق في أحد البساتين الأربعة التي لا يمكنه الوصول إليها نتيجة استهدافها بغارة، ما اضطُرّ عناصر الإطفاء إلى التدخّل لإخماده. وكان سعد يعتمد على 32 عاملا يساعدونه في الاهتمام بأراضيه وقطاف المواسم، غير أنّ 28 منهم غادروا، خصوصا إلى سوريا المجاورة التي يتحدّرون منها.
وبعد شنّ إسرائيل لغارات عدة على معبرين حدوديين رئيسيين مع سوريا الشهر الماضي، ما أدى إلى إغلاقهما، وبارتفاع نسبة المخاطر التي تتعرض لها شركات النقل، ارتفعت كلفة الشحن، ما يجعل تصدير البضائع أمرا صعبا.
ويشرح شادي قعدان وهو مدير عام في شركة تصدير فواكه مقرّها في صيدا جنوب البلاد لفرانس برس أنّ التصدير باتجاه دول الخليج التي تعدّ المنفذ الرئيسي للمحاصيل الزراعية، انخفض بنسبة أكثر من 50 في المئة.
الغارات الإسرائيلية دفعت أكثر من 1.2 مليون شخص إلى النزوح، ما اضطرّ عددا من المزارعين إلى التخلّي عن أراضيهم ومحاصيلهم
وأدى الانخفاض بدوره إلى فائض إنتاج في السوق المحلية، خاصة في مناطق تُعتبر آمنة، وبالتالي إلى انخفاض أسعار بعض الفواكه لاسيما الموز والقشطة. ويلخّص سعد الوضع بالقول “في النهاية، المزارع هو الخاسر”.
وقبل الحرب، كانت غلّة سعد اليومية من بيع الفواكه توازي خمسة آلاف دولار في اليوم. أمّا الآن، فما يتمكن من قطفه بالكاد يدر عليه 300 دولار يوميا. ويضيف متنهّدا “الحرب خربت بيتي. أمضي وقتي وأنا أشاهد الأخبار على التلفاز، بانتظار الإعلان عن وقف لإطلاق النار كي أعود إلى أرزاقي”.
ومع نفاد الوقت، بدأت الحمضيات وثمار القشطة تتساقط على الأرض. أمّا ثمار الأفوكادو التي صمدت، فهي في حاجة ماسة إلى المياه، بعدما تسبّبت غارة إسرائيلية في أوائل أكتوبر بقطع خط المياه الرئيسي الذي يغذي مشروع ري في المنطقة من نهر الليطاني.
ومع ذلك، قرّر بعض المزارعين البقاء في أراضيهم، كما هو حال غابي حاج الذي يقطن في بلدة رميش الحدودية التي تقطنها أكثرية مسيحية عند الحدود، تقع في نطاق النيران المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله.
وتمكّن الرجل من قطف مئة شجرة زيتون من إجمالي 350 شجرة زيتون يملكها، بعدما اضطرّ إلى تركها من دون اهتمام أو معالجة طيلة عام بسبب عمليات القصف. ويقول حاج لفرانس برس “استفدت من تراجع القتال لأقطف ما أمكنني”. ويوضح أنّ الزراعة تعتبر شريان حياة لسكان المنطقة المنعزلة الآن عن العالم.
ومنذ بدء التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، أتت النيران جراء الغارات الإسرائيلية على مساحات حرجية واسعة وحقول زيتون خصوصا في البلدات الحدودية في جنوب لبنان.
وفي منطقة البقاع، حيث السهول مترامية المساحة التي تشكل السلة الغذائية للبنان، يقول رئيس نقابة المزارعين إبراهيم ترشيشي إن الزراعة في لبنان تمرّ في “أسوأ مراحلها” في تاريخها الحديث. ويضيف متأسّفا “شهدت أربع حروب ولكن لم أشهد مثل هذه الحرب”.