الحرب تضع السودان أمام كبوة اقتصادية أشد قسوة

استمرار النزاع دون حل في الأفق يغذي أزمات الدين العام والبطالة والتضخم ويفقد العملة المزيد من قيمتها.
الثلاثاء 2023/04/18
لا زبائن ولا مداخيل ولا استقرار. أين المفر؟

أطلقت أوساط اقتصادية تحذيرات مخيفة من أن الاقتصاد السوداني يواجه خطر ركود أشد قسوة خلال ما تبقى من 2023 بسبب الحرب بين القوى العسكرية، ما يزيد الضغوط على الدولة لتفادي أزمة قد تطول أكثر مما هو متوقع وتجعل الجميع في وضع كارثي.

الخرطوم – يسود اعتقاد كبير بين المحللين بأن اندلاع الحرب الأهلية في السودان سيضع البلد أمام كبوة اقتصادية قوية ستجعل الكل يلمس أضرارها مع مرور الوقت، وذلك مع استمرار أمد الأزمة ودون التوصل إلى حل.

وأكدوا أن الاقتصاد ما إن بدأ يتعافى قليلا حتى جاء ما يؤرقه ويعيده ثانية إلى الانكماش ليتآكل معه ناتجه المحلي الضعيف، والذي لم ينمُ سوى مرة واحدة خلال السنوات الخمس الماضية.

وكان العام الجاري سيمثل أكبر تعاف لاقتصاد البلاد منذ ست سنوات، في ظل اتخاذ الدولة إجراءات عدة لدعم اقتصادها وموازنتها العامة.

محمد زيدان: من المرتقب أن يعود الاقتصاد إلى الانكماش الكبير مجددا
محمد زيدان: من المرتقب أن يعود الاقتصاد إلى الانكماش الكبير مجددا

إلا أن الخلاف بين الجيش وقوات الدعم السريع فاقم الأوضاع وينذر بضياع إمكانية تحقيق أي نمو اقتصادي أو تحسن في مؤشرات الموازنة خلال هذا العام، رغم الإجراءات الصعبة التي اتخذتها البلاد.

ووصلت المشاكل إلى طريق مسدود مع اندلاع اشتباكات مسلحة بين الطرفين في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى منذ السبت الماضي، وسط اتهامات متبادلة تعكس عمق الأزمة.

وتتركز الخلافات بين الجانبين حول ملفات داخلية وخارجية، منها الإصلاح الأمني والعسكري، الذي لا يزال أحد أبرز أسباب تعطيل الاتفاق السياسي النهائي حتى يتيح الحكم في نهاية المطاف للمدنيين.

ويعاني البلد، الذي ظل مسؤولوه يكابدون من أجل تحسين المؤشرات السلبية، من أزمات متكررة شملت نقصا في سلع رئيسية تشمل الخبز والطحين والوقود، وتفاقمت من جراء تداعيات الأزمة الروسية – الأوكرانية قبل أكثر من عام.

وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، بدأت السلطات في اتخاذ إجراءات صعبة، في الوقت الذي كان ينتظر فيه هذا العام لحصد ما تحمله من أعباء.

ومن بين تلك التدابير، ما قامت به الحكومة في العام الماضي عندما رفعت الدعم نهائيا عن المحروقات ضمن إصلاحات اقتصادية متفق عليها مع صندوق النقد الدولي، شملت تحرير العملة المحلية.

ومنذ انفصال جنوب السودان في العام 2011، تراجع إنتاج السودان من النفط، الأمر الذي دفعه إلى استيراد أكثر من 60 في المئة من احتياجاته من الوقود.

وكان خفض قيمة الجنيه من أبرز وأصعب الخطوات التي اتخذتها البلاد في إطار سلسلة إصلاحات نفذتها حكومة انتقالية مدنية تحت إشراف صندوق النقد الدولي.

وأدى تعويم العملة إلى استقرار سعر الصرف لأشهر، ولكن الاقتصاد الكلي تعرض لضغوط منذ أن أطاح الجيش بالحكومة التي كان يرأسها عبدالله حمدوك في أكتوبر 2021، وعلق المقرضون الدوليون الكثير من المساعدات.

وبدءا من هذا العام، كان من المفترض أن تبدأ وتيرة تحسن الاقتصاد السوداني، حيث كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد خلال السنوات الخمس المقبلة بنسب تصل إلى 3 في المئة، دون أن يواجه أي انكماش، وفق صندوق النقد الدولي.

60

في المئة نسبة تراجع انتاج السودان من النفط ، الأمر الذي دفعه إلى استيراد أكثر من احتياجاته من الوقود

واعتبر محمد زيدان، المحلل لدى اقتصاد الشرق من بلومبرغ، أن الاشتباكات الأخيرة في السودان لها انعكاسات اقتصادية كثيرة في حال استمرت لوقت أطول.

وتتمثل تلك التداعيات في تدمير البنية التحتية للبلاد وخلل في سلاسل التوريد وتحويل الإنفاق من قطاعات هامة إلى التمويل العسكري، وتراجع ثقة المستثمرين في السوق المحلية، فضلا عن خفوت ثقة المستهلكين باقتصاد بلدهم الذي يعاني أصلا.

وقال زيدان إن هذه العوامل ستؤثر على معدلات النمو المستهدفة والمتوقعة، ومن المرتقب أن يعود الاقتصاد إلى الانكماش “الكبير” مرة أخرى هذا العام.

واستدل المحلل في موقفه على أن ما حصل قبل عشر سنوات حينما انكمش الاقتصاد السوداني بواقع 17 في المئة، كان بسبب انفصال جنوب السودان الذي أخذ معه الكثير من الثروات الطبيعية من أهما النفط.

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، إذ إن الاضطرابات الأمنية ستؤثر كذلك على التضخم الذي كان من المتوقع أن يتباطأ تدريجيا بدءا من هذا العام.

لكن التوقعات بزيادة عجز الموازنة العامة وضعف العملة المحلية أمام الدولار بعد تحرير سعر الصرف قبل أكثر من عامين، سيؤديان إلى زيادة أسعار المستهلكين فوق المئة في المئة مرة أخرى.

وتشير بيانات جهاز الإحصاء إلى تراجع معدل التضخم السنوي في السوق المحلية إلى 63.3 في المئة بنهاية فبراير الماضي من 83 في المئة خلال الشهر السابق له.

ويعد ذلك استمرارا للانخفاض الذي يشهده معدل التضخم السنوي بالسودان خلال الشهور الماضية، بعدما كان تخطى عتبة الأربعمئة في المئة في يونيو 2021.

حسن الصادي: البلاد ستفقد استثمارات أجنبية كانت تعتمد عليها
حسن الصادي: البلاد ستفقد استثمارات أجنبية كانت تعتمد عليها

وسبق أن أكد وزير المالية جبريل إبراهيم أن الحكومة تستهدف خفض مستويات التضخم لتصل إلى 25 في المئة بنهاية العام الجاري، الأمر الذي يجعله صعبا مع اندلاع الحرب الأهلية وعدم وجود أي فرصة لإنهائها قريبا.

وتبرز مشكلة سعر صرف العملة المنخفض كثيرا أمام الدولار كأحد العوامل الرئيسية التي تؤثر كثيرا على القدرة الشرائية، كونها تفقد مداخيلهم قيمتها التي كانت عليها في السابق رغم الظروف القاسية.

وفي ظل الوضع الراهن فإن ذروة البطالة لن تكون في حدود 33.1 في المئة كما كان يتوقعها صندوق النقد، بل ربما تزيد. كما أن من المستبعد أن تجني الدولة 50 في المئة من إيراداتها من الموارد الضريبية وفق مستهدفها.

ويرجح حسن الصادي، أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، أن يفقد السودان الاستثمارات الأجنبية التي كانت تعتمد عليها الدولة، إذ بدأت بوادر هذا الأمر حتى قبل اندلاع الاشتباكات.

وقال إن “الدولة جذبت ما يقل عن مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة، فيما خرج ما يفوق مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من البلاد منذ بداية العام الجاري فقط”.

وأشار الصادي إلى أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحتاج إلى أن تكون المخاطر السياسية عند أدنى مستوى لها.

وكانت الخرطوم تكافح بشق الأنفس لاستقطاب رؤوس الأموال الخارجية، وخاصة من الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط، في مقدمتها الإمارات والسعودية والبحرين وقطر.

كما أن المسؤولين سعوا إلى عقد شراكات واتفاقيات مع مستثمرين من العديد من الدول لمساعدة البلد على تنمية مناخ الأعمال في قطاعات مثل الزراعة والصناعة والطاقة النظيفة وغيرها.

ويتوقع صندوق النقد أن ينمو الدين العام من 127 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى 151 في المئة بنهاية 2023.

11