الحرب بلا روادع: طائرات ومدفعية وإرهابيون في الخرطوم

الخرطوم- أصبح الصراع الدائر في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع مفتوحا على احتمالات متعددة، ودخلت الحرب مرحلة لا توجد فيها روادع أخلاقية أو عسكرية، وظهرت طائرات في سماء الخرطوم، وأشارت تقارير إلى إطلاق سراح إسلاميين متطرفين من بعض السجون وتسليحهم لمواجهة قوات الدعم السريع.
ورصد ناشطون داخل بعض الأحياء في العاصمة المثلثة، الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وجود قناصة مدربين على أسطح المباني العالية.
وتمكنت لجان المقاومة في بعض الأحياء من القبض على قناصة أدلوا باعترافات كشفوا من خلالها تبعيتهم لهيئة العمليات العسكرية المحلولة (تابعة للجيش).
وقال أحد القناصة إن الخطة تستهدف إثارة الرأي العام وخلق نوع من الفوضى وسط الأحياء باستهداف المدنيين، ثم استخدام الناس دروعا بشرية لحماية جنود الجيش من مطاردة قوات الدعم السريع التي تسيطر على مداخل ومخارج المدن الثلاث، وتتمركز في المواقع الإستراتيجية للعاصمة الخرطوم.
ويشير هذا التطور إلى أن خيارات الجيش صارت محدودة بعد أن أخفق في كسب تأييد الرأي العام والأحزاب السياسية والمجتمع المدني وقوى إقليمية ودولية.
وكان الهدف من عمليات القنص في أوساط المدنيين أن تؤدي إلى إثارة المواطنين واستنفارهم ضد قوات الدعم السريع، لكن وقوع عدد من القناصة في الأسر كشف هذا السيناريو.
وطالب قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الاثنين بتحرك المجتمع الدولي الآن والتدخل ضد “جرائم” رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، واصفا إياه بأنه “إسلامي متطرف يقوم بقصف المدنيين من الجو”.
وأوضح أن جيش البرهان “يشن حملة وحشية ضد الأبرياء، يقصفهم بطائرات الميغ”، وهي إشارة إلى أن حرب الطائرات التي يتفوق فيها الجيش على قوات الدعم السريع دخلت الميدان، في محاولة لحسم المعارك بشكل مبكر قبل أن يتدخل المجتمع الدولي مباشرة من خلال مجلس الأمن.
وبدأ وفدا الوساطة من الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) القيام بعملهما من الخرطوم بعد احتدام المعارك.
وقال حميدتي “نحن نقاتل ضد الراديكاليين الإسلاميين الذين يريدون إبقاء السودان معزولا في الظلام وبعيدا عن الديمقراطية”، متوعدا بـ”مواصلة ملاحقة البرهان وإحضاره إلى العدالة”.
وجرى تداول معلومات الاثنين حول إطلاق السلطات السودانية سراح إرهابيين ينتمون إلى تنظيمي القاعدة وداعش بهدف التصدي لعناصر قوات الدعم السريع.
وتمثل هذه الخطوة تحولا في مسار الموقف من البرهان، حيث تؤكد ولاءه للإسلاميين، وتضع السودان على فوهة بركان المتطرفين وتضمه إلى حزام أفريقي حافل بالمتشددين، ممتد من الصومال حتى مالي وليبيا وتشاد، مرورا بأفريقيا الوسطى ونيجيريا.
◙ البعثة الأممية في السودان أعربت عن خيبة أمل شديدة لأن وقف الأعمال العدائية لأغراض إنسانية الذي تعهد به الجيش وقوات الدعم السريع لم يتم الوفاء به إلا جزئيا الأحد
وتفتح هذه المعلومات الباب لتكرار سيناريو الاستعانة بإرهابيين في المعارك الداخلية، كما حدث في كل من العراق وسوريا وليبيا، ما يؤدي إلى تدخلات خارجية كبيرة.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية منير أديب إن “مجموعات العنف والتطرف هي أحد أبرز أسباب الصراع الحالي، والأمر يرجع إلى وجود عدد من أتباع جماعة الإخوان داخل الجيش أسهموا في إشعال فتيل الأزمة، والآن يتحركون لتزداد المشكلة تعقيدًا”.
وأضاف لـ”العرب” أن “هذه المجموعات قد توظّف هذه الأزمة في تقوية شوكتها لإدراكها أنها لن تستطيع العيش إلا في ظل الفوضى، وربما يتحول السودان في هذه الحالة إلى مكان تدريب على القيام بعمليات مسلحة يمتد أثرها إلى خارج البلاد”.
وأوضح أن استقرار الأوضاع في السودان أمر لا يخدم في محصلته التنظيمات المتطرفة، ويساهم بصورة كبيرة في القضاء عليها، لذلك فإن الاستعانة بها حاليا تستهدف إطالة أمد المعارك لتحويل السودان إلى صومال أو أفغانستان أخرى.
ولم يستبعد منير أديب في تصريحه لـ”العرب” إمكانية أن تصبح أراضي السودان الشاسعة مرتعًا لتحرك إرهابيين من وإلى السودان، وأن تعجز أجهزة الأمن عن مراقبة الحدود، ومن ثمة تصبح تحركات هؤلاء سهلة نسبيا، ما يشكل تهديدا مباشرا للدول المجاورة.
ومعروف أن السودان منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير كان بؤرة تلتقي فيها التنظيمات المتطرفة مع جماعة الإخوان وملاذا للكثير من الشخصيات الموضوعة على لوائح الإرهاب في مصر وغيرها.
وأشار آدم والي، القيادي في حركة جيش تحرير السودان – جناح مني أركو مناوي، إلى أن الحرب بدأت فعلا وتصاعدت حدة الاتهامات المتبادلة الصادرة من الطرفين لتحميل الطرف الآخر مسؤولية ما يجري على الأرض.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “هناك شبابا من التيار الإسلامي ومن المحسوبين على النظام البائد يتعاطفون مع قائد الجيش ويدعمونه، لكن هؤلاء لا يمكن إطلاق وصف إرهابيين عليهم، لأنهم يستهدفون الحفاظ على مصالح نظام البشير السابق”.
وتابع “عناصر الحركة الإسلامية يعتقدون أن هناك أطماعا لقوات الدعم السريع، ما يجعلهم طرفًا أساسيا في المعادلة حالما انخرطوا بشكل كامل في الاشتباكات، ومن غير المستبعد أن تكون لهم أدوار خفية مؤثرة، لأن نشوب الصراع المسلح كان متوقعًا منذ فترة والجميع كانوا ينتظرون اللحظة التي يتم فيها إطلاق الرصاصة الأولى”.
وتوقع أن تتصاعد حدة الاشتباكات في الفترة المقبلة، لأن الجيش لم يستطع حسم المعركة، كذلك الأمر بالنسبة إلى قوات الدعم السريع التي تحاول الحصول على أكبر قدر من المكاسب، وتدرك أن خسارتها هذه الحرب تعني نهايتها نظريا.
واشتدت الاشتباكات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع في يومها الثالث بعدة مدن في مقدمتها الخرطوم، وتزايدت طلعات الطيران ودخلت الدبابات المعارك في شوارعها وسط صراع عنيف للسيطرة على مطاري الخرطوم ومروي.
وسمعت أصوات القصف الجوي والمدافع الأرضية في عدة مناطق في الخرطوم الاثنين، حيث مقر القيادة العامة للجيش، وحول القصر الرئاسي والمطار الدولي.
وأعلنت قيادة قوات الدعم السريع تسجيلها انتصارات كاسحة ضد الجيش، وأنها بسطت “سيطرة كاملة” على القصر الجمهوري ومحيطه في العاصمة الخرطوم.
وقالت في بيان لها الاثنين إنها “ماضية في طريقها لحسم معركة الشعب”، بينما تحدث الجيش عن “الانتقال إلى المرحلة الأخيرة”، وهي “مطاردة العدو الذي يهرب عناصره مخلفين وراءهم الأسلحة والمعدات والجرحى”.
وأعربت البعثة الأممية في السودان عن خيبة أمل شديدة لأن وقف الأعمال العدائية لأغراض إنسانية الذي تعهد به الجيش وقوات الدعم السريع لم يتم الوفاء به إلا جزئيا الأحد.