الحرب التجارية العالمية تضع صناعة الطيران في ورطة

تلوح في الأفق مؤشرات على أن الصناعات المتعلقة بالطيران، سواء إنتاج الطائرات أو المحركات أو قطع الغيار، ستكون تحت ضغوط متزايدة نتيجة للتوترات التجارية المتصاعدة بين القوى الكبرى، والتي قد تدفع الشركات إلى إعادة ترتيب أولوياتها لتجنب المشاكل.
لندن - دفعت الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى ردًا على ذلك بعض مُشتري طائرات رجال الأعمال إلى محاولة تسريع عمليات التسليم أو إضافة بنود تعاقدية لحماية أنفسهم من هذه الحرب التجارية العالمية.
ووفقا لخبراء تأتي هذه التحركات في ظلّ تأهب القطاع لزيادة أعباء مواد تصنيع الطائرات، الأمر الذي قد يتسبب في ارتباك لجداول أعمال الشركات وقد يحد من بعض الاستثمارات.
ومن المتوقع أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى زيادة التكاليف على الموردين المجهدين بالفعل وزبائنهم من صناعة الطائرات، مثل شركة بوينغ الأميركية التي تعاني أصلا منذ ثلاث سنوات بسبب دخولها في دوامة من المشاكل.
وردّت كندا والاتحاد الأوروبي الأربعاء برسوم جمركية انتقامية على الولايات المتحدة بعد أن فرض البيت الأبيض رسومًا جمركية بنسبة 25 في المئة على جميع واردات الفولاذ والألمنيوم، والمعادن المستخدمة في صناعة الطائرات.
وقد تفرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية في شهر أبريل المقبل على المكسيك وكندا. وتتكون صناعة الطيران من شبكة مترامية الأطراف من الموردين العالميين، ما يجعل التعريفات المستهدفة صعبة التنفيذ دون حدوث اضطرابات كبيرة لصانعي الطائرات والمروحيات.
وبحسب رابطة صناعات الطيران، تعد كندا أكبر دولة تورد للولايات المتحدة، وثالث أكبر دولة مصدرة للطيران من حيث القيمة الدولارية. وتنتج الشركات المصنعة الكندية محركات لطائرات جلف ستريم وتيكسترون التابعة لجنرال ديناميكس كورب، بالإضافة إلى معدات الهبوط لبوينغ وأيرباص.
وشهدت شركات تصنيع الطائرات الخاصة أو طائرات رجال الأعمال، مثل بومباردييه الكندية، وجلف ستريم إيروسبيس التابعة لجنرال ديناميكس، وتيكسترون، تزايدًا في تراكم طلباتها نتيجةً لطلب المسافرين الأثرياء وزبائن الشركات.
وفي حين لم تُحذّر شركات صناعة الطائرات التجارية، مثل بوينغ وأيرباص، وكبار موردي صناعة الطيران، من أي تأثير كبير على الإنتاج والتسليم، فإن الرسوم الجمركية التي ضغطت على الأسواق المالية تُثير حالة من عدم اليقين لدى المستثمرين والمشترين.

ولم تُقدّم بومباردييه أي توجيهات هذا العام بسبب تهديد الرسوم، بينما أعربت بعض المجموعات التجارية عن مخاوفها من أن حربًا تجارية مطولة ستُلحق الضرر بسلسلة توريد صناعة الطيران المتكاملة عالميًا.
وصرحت أماندا آبلغيت الشريكة في شركة سوار أفييشن لو بأنها لاحظت أن بعض مشتري الطائرات الخاصة غير الأميركية المتواجدين خارج البلاد يُضيفون بنودًا لحماية أنفسهم من ارتفاع التكاليف في حال تعرّض مشترياتهم للرسوم.
ويحاول آخرون إبرام الصفقات بسرعة، قبل فرض رسوم جمركية إضافية. وقالت كاتي ديلوكا، الشريكة في شركة هاربر ميير للمحاماة ومقرها فلوريدا، إن “أحد المشترين الأوروبيين لطائرة خاصة أميركية يُحاول الإسراع في إتمام الصفقة.”
وأوضحت ديلوكا في ندوة إلكترونية عقدتها الرابطة الوطنية لطيران رجال الأعمال الثلاثاء الماضي أن “هذا ما أراه في هذا المجال، تلك الصفقة السريعة، وتصديرها إلى أوروبا قبل نشوء أي مشكلة محتملة.” وأكدت أنها شهدت أيضًا صفقة حاول فيها مشترٍ أميركي إنهاء صفقة مع بائع غير أميركي لطائرة كندية مستعملة مقرها في الخارج.
وصدرت كندا ما قيمته 8.91 مليار دولار أميركي من المنتجات المتعلقة بالفضاء والدفاع إلى الولايات المتحدة واستوردت ما قيمته 7.1 مليار دولار أميركي، وفقا لبيانات الحكومة لعام 2023.
وصرح متحدث باسم بومباردييه بأن قطع غيارها تُوزع من شيكاغو، ويمكن تسليم طائراتها إلى الزبائن في الولايات المتحدة دون فرض رسوم في أكبر سوق عالمية للطائرات الخاصة، نظرًا لامتثال الشركة لاتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
ومن المقرر أن ينتهي الإعفاء الجمركي الأميركي على البضائع المتوافقة مع اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا (يوسماك) من المكسيك وكندا في أبريل المقبل.
وأثارت رابطة صناعات الطيران والفضاء، وائتلاف يضم شركات طيران أميركية ومصنّعي طائرات رجال الأعمال، قلقًا بشأن الرسوم الجمركية التي تؤثر على سلسلة التوريد في هذه الصناعة، والتي تُنتج قطعًا أساسية.
وقال التحالف “من الضروري أن تتعاون كل من الحكومة والقطاع لتقليل اختلالات الكلفة والتوافر في سلسلة توريد الطيران، والتي تصعب معالجتها بسهولة أو بسرعة في الكثير من الحالات.”
وأفاد غيوم فوري، الرئيس التنفيذي لشركة أيرباص، خلال برنامج تلفزيوني فرنسي الثلاثاء بأنه بدأ يلاحظ اختلالًا في سلسلة توريد شركة صناعة الطائرات الأوروبية، دون تقديم تفاصيل. ومع ذلك ذكر خمسة موردي طيران تجاري أميركيين لرويترز أنهم لم يشهدوا أي زيادات كبيرة في الأسعار بسبب الرسوم، أو التهديد بها.
◙ الحرب التجارية العالمية ستكون عبارة عن رياح معاكسة لتوقعات هيئة النقل الجوي العالمية بأن تحقق الصناعة إيرادات تتجاوز تريليون دولار
وقال اثنان منهم إنهما “يطلبان المواد قبل ستة إلى 12 شهرًا من الموعد المحدد،” ولم يلحظا أي تقلبات ملحوظة في أسعار الألومنيوم أو الصلب. وصرح أحد الموردين بأن شركته في منطقة سياتل لن تُغيّر خطط أعمالها في الوقت الحالي، لأنها لا تتوقع استمرار الرسوم الجمركية.
وحذّر أنجوس كيلي، الرئيس التنفيذي لإيركاب، أكبر شركة لتأجير الطائرات في العالم، الأربعاء على قناة سي.أن.بي.سي من أن سعر طائرة بوينغ 787 قد يرتفع بمقدار 40 مليون دولار في أسوأ الأحوال بسبب الرسوم الجمركية.
وستكون الحرب التجارية العالمية عبارة عن رياح معاكسة لتوقعات هيئة النقل الجوي العالمية (إياتا) بأن تحقق الصناعة إيرادات تتجاوز تريليون دولار في 2025 وأرقاما قياسية للركاب رغم أن رئيسها ويلي والش أكد وجود تأمين طائرات جديدة.
وتعرضت شركات الطيران في جميع أنحاء العالم لعرقلة نموها بسبب مشاكل في بوينغ الأميركية وأيرباص الأوروبية أدت إلى تأخير تسليم الطائرات.
ويؤكد الرؤساء التنفيذيون أن شركاتهم لا تستطيع خفض تكاليف الوقود في حين يسافر المزيد من الناس في غياب طائرات أحدث وأكثر كفاءة.
وعلى الرغم من المشاكل ترجح إياتا أن تحقق الصناعة 36.6 مليار دولار من صافي الربح هذا العام ارتفاعا من 31.5 مليار دولار من صافي الربح في عام 2024، مع نقل حوالي 5.2 مليار مسافر.
وكانت هذه الصناعة تعرضت لخسارة 140 مليار دولار في عام 2020 نتيجة لجائحة كورونا، لكنها تعافت بعد انتهاء الإغلاق الاقتصادي العالمي بفضل الطلب على السفر.