الحراك وكورونا والمرض ثالوث يعرقل أجندة تبون

الجزائر - شهد العام الأول من ولاية الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حالات متضاربة بين التفاؤل والإحباط والغموض، حيث رافقته منذ توليه السلطة بعض العثرات والإخفاقات، وحتى المفاجآت التي خففت من سرعة "قطار التغيير" كما أسماه تبون.
ومنذ الأشهر الثلاثة الأولى لصعوده إلى سدة الرئاسة إثر فوزه بأول انتخابات رئاسية عقب استقالة عبدالعزيز بوتفليقة (1999 ـ 2019)، واجه تبون صعوبات جمة في تنفيذ أجندته السياسية والاقتصادية بسبب استمرار جزء من مسيرات الحراك، وظهور جائحة كورونا، وصولا إلى إصابته بالوباء.
وانتُخب تبون في 12 ديسمبر 2019، بعد تسعة أشهر على استقالة بوتفليقة في 2 أبريل من العام نفسه، تحت ضغط احتجاجات شعبية مناهضة لحكمه، وقيادة عبدالقادر بن صالح رئاسة الدولة لفترة انتقالية في إطار الدستور.
وخلال حملته الانتخابية، رفع الرئيس الجزائري شعار "بالتغيير ملتزمون وعليه قادرون"، وأعطى تعهدات استجابة للحراك الشعبي، أبرزها إحداث تغيير جذري في البلاد يبدأ من نظام الحكم. لكن تلك التعهدات لم تطفئ غضب الشارع، إذ استمرت مسيرات الحراك الشعبي الأسبوعية كل يوم جمعة حتى 20 مارس، لتتوقف إثر تفشي فايروس كورونا في مختلف محافظات البلاد.
وعارض بعض النشطاء والمحتجين في المسيرات السلمية التي انطلقت في 22 فبراير 2019، المخرج الدستوري للأزمة، واستمروا في المطالبة بالتغيير الجذري للنظام الحاكم، وإطلاق سراح المعتقلين خلال المسيرات.
وبين فبراير ومارس، حاول بعض النشطاء إطلاق ما أسموه بـ"حراك السبت"، إلى جانب يومي الثلاثاء "حراك الطلبة" والجمعة، وهو ما اعتبرته الحكومة على لسان وزير الداخلية كمال بلجود "إرادة الهدم والرجوع بالبلاد إلى سنوات العنف".
ومع ذلك اكتفت الحكومة بدعوة المشاركين في الحراك إلى اليقظة، من أصحاب "النوايا المشبوهة" والحذر من تفشي فايروس كورونا، لكنها لم تدع إلى تعليق المسيرات.
وبعد دعوات على مواقع التواصل، توقف الحراك الشعبي في الجمعة الـ56، تفاديا لتفشي الفايروس.
وأمام استمرار الاحتجاجات السلمية، بحث الرئيس الجزائري عن التوافق الوطني من خلال لقائه بعدد من الشخصيات الوطنية وأبرز وجوه المعارضة في البلاد.
وتنقّل تبون مطلع العام الجاري إلى منزل وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، كما استقبل رئيس الحكومة الأسبق ومنافس بوتفليقة في رئاسيات 1999 مولود حمروش، وكذلك المعارض السياسي والدبلوماسي عبدالعزيز رحابي، ورئيس حزب "جيل جديد" المعارض سفيان جيلالي.
وحرص تبون على الإشادة بالمسيرات الشعبية التي أطاحت بنظام بوتفليقة، بوصفها في كل مرة "الحراك المبارك الأصيل". كما تفادى الدعوة إلى تعليق المسيرات والمظاهرات، وقال في أحد حواراته لوسائل الإعلام المحلية "فليتظاهروا بكل ديمقراطية، فقط نقول لهم احذروا الاختراقات"، في إشارة إلى مخطط قد يستغل المظاهرات لبعث مشروع "المرحلة الانتقالية" الذي يعده تبون "عودة إلى الدم والدموع".
وأطلق تبون في العشرين يوما الأولى من تنصيبه رئيسا للبلاد، مسار تعديل الدستور، وعيّن لجنة خبراء توصلت إلى صياغة التعديلات الجديدة بتاريخ 12 يناير العام الماضي.
وتضمن مشروع التعديل الذي عُرض للاستفتاء الشعبي، في الأول من نوفمبر الماضي، عبارة ممجدة للحراك في ديباجته، واعتمد النظام شبه الرئاسي للحكم الذي يتيح للأغلبية الفائزة بمقاعد البرلمان المساهمة في قيادة الحكومة.
ومع شروع تبون في البحث عن توافق سياسي، سجلت الجزائر أول إصابة بفايروس كورونا في 25 فبراير، لمهندس إيطالي يعمل في حقل نفطي جنوب البلاد، بينما سُجلت أول حالة إصابة محلية مطلع مارس.
وتحسب لإدارة تبون سرعة استيعاب خطر فايروس كورونا، عبر حزمة الإجراءات العاجلة، التي اتخذتها الجزائر لمنع تفشيه في البلاد منذ ظهور أولى حالات الإصابة بكوفيد – 19 نهاية فبراير.
خطورة الوباء، ودرجة الاستنفار التي فرضتها السلطات للوقاية منه، ضربت الأجندة السياسية للرئيس الجزائري في الصميم، حيث كان مقررا تعديل الدستور في مايو، وإجراء انتخابات تشريعية نهاية السنة الماضية.
واتضح بشكل واضح مدى تعثّر سير برنامج الرئيس في المجمل، وفي اجتماع الحكومة برؤساء المحافظات (ولاة الجمهورية) منتصف أغسطس، قال رئيس الحكومة عبدالعزيز جراد إن "تعليمات وتوجيهات الرئيس لم يُنفذ منها سوى 20 في المئة".
ومع تزامن تنظيم الاستفتاء الشعبي على مشروع تعديل الدستور، وظهور الموجة الثانية لفايروس كورونا وارتفاع عدد الإصابات، وُجهت انتقادات شديدة للسلطة في الجزائر، بسبب تنظيم التجمعات الشعبية للترويج للوثيقة الدستورية.
وآخر ما توقعه الجزائريون كان مرض الرئيس نفسه، ونقله في 28 أكتوبر إلى ألمانيا للعلاج في عيادة متخصصة، بحسب ما أعلنته رئاسة الجمهورية يومها.
غياب الرئيس تبون عشية تدشين جامع الجزائر الأعظم والاستفتاء على الدستور، أعاد إلى الأذهان سيناريوهات مرض الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، كما أثار فرضيات غذتها مواقع التواصل الاجتماعي بشأن شغور محتمل في أعلى هرم السلطة.
وإثر غياب منذ 15 أكتوبر، سجل تبون ظهوره الأول صوتا وصورة في 13 ديسمبر، عبر حسابه على تويتر، وأعلن إصابته بفايروس كورونا، وأنه يسير في طريق التعافي النهائي.
وعاد تبون في 28 ديسمبر من رحلة علاجية في ألمانيا دامت شهرين كاملين، مصرحا من المطار بأن "البعد عن الوطن صعب، ولما تتراكم المسؤوليات يكون أصعب".
وتراكمت على مكتبه ملفات غاية في الأهمية، كونها مرتبطة بسير الدولة على غرار قانون المالية 2021، الذي وقعه الخميس، وأخرى متعلقة بأجندة سياسية كالدستور الجديد الذي يعتبره أساس تغيير نظام الحكم.
ومن المنتظر أن يستلم تبون مشروع قانون الانتخابات من لجنة الخبراء التي كلفها في 19 سبتمبر الماضي بإعداد النص، وقال إن "هذا القانون هو الخطوة التي تأتي ما بعد الدستور"، ويبتغي من ورائها تجديد المجالس المنتخبة. وكان مُعدا وفق أجندة تبون الأولى أن تجرى الانتخابات النيابية والمحلية قبل نهاية العام 2020.