الحجر الصحي يغيّر حياة لاعبي كرة القدم

الحفاظ على اللياقة البدنية أكبر هاجس يؤرق نجوم اللعبة، والمدرون يسعون إلى تحضير برامج أسبوعية وتمارين فردية وشرحها للاعبين عبر الإنترنت والتواصل بتقنية الفيديو.
الأربعاء 2020/03/25
عزل ذاتي بانتظار العودة للنشاط

يجد لاعبو كرة القدم كغيرهم من المعنيين بخوض تجربة الحجر الصحي التي فرضها التوقّي من وباء كورونا أنفسهم أمام تحديات مضاعفة يتغيّر معها سلوكهم اليومي ونمط حياتهم، فيما يجاهد الكثير منهم لخوض عدة تمارين للحفاظ على لياقتهم البدنية الذي يبقى أكبر هاجس يؤرق نجوم اللعبة الشعبية قبل العودة إلى الملاعب التي لا يمكن التنبؤ بها.

مدريد – فرضت تجربة العزل الصحي بسبب تفشي فايروس كورونا المستجد آثارها على صحة وحياة العديد من نجوم كرة القدم في العالم، وباتت تهدد بآثار سلبية على الصعيدين الذهني والبدني خصوصا.

ويتساءل الكثير من المحللين حول قدرة نجوم كرة القدم، وخصوصا في دوريات تعرف بنشاطها المكثّف، على التأقلم مع هكذا وضعيات تفرض الالتزام بتطبيق قوانين الحجر الصحي الصارمة خصوصا في العديد من الدول التي سجلت تزايدا في عدد المصابين بهذا الوباء.

وأكدت مصادر صحافية مطلعة واكبت وضعيات بعض النجوم أن الألماني سامي خضيرة لاعب يوفنتوس الإيطالي يُمضي وقته في تعلّم العزف على البيانو، فيما يراجع مواطنه روبن غوسنز لاعب أتالانتا الدروس لامتحانات علم النفس، بينما تتنافس الأندية الإسبانية في دورة ألعاب إلكترونية، الأمر مماثل للاعبي بارين ميونخ الذين يخوضون تمارين “افتراضية” يومية.

تجربة جديدة

بعدما فرض فايروس “كوفيد19-” شللا شبه كامل على الرياضة العالمية، وجد الآلاف من لاعبي كرة القدم أنفسهم في العزل الطوعي أو الإلزامي، ما يتطلب منهم بذل جهد إضافي للحفاظ على لياقتهم البدنية وتوقدهم الذهني استعدادا لاستئناف المنافسات متى بات ذلك متاحا.

ويقول إيمانويل أورهان، المدير الطبي في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، “على الجميع أن يكونوا جاهزين لاستئناف التمارين ما إن تأذن السلطات الصحية” بذلك.

لكن هذا الموعد يبدو علامة الاستفهام الأكبر، إذ جمّد الفايروس النشاطات الرياضية لآجال غير معروفة، ودفع إلى فرض قيود واسعة على حركة التنقل والسفر، منها إجراءات عزل منزلي تطال نحو مليار شخص حول العالم.

غلين موراي: بعض اللاعبين الأجانب حرموا من فرصة الذهاب إلى بلادهم
غلين موراي: بعض اللاعبين الأجانب حرموا من فرصة الذهاب إلى بلادهم

بالنسبة إلى لاعبي كرة القدم فإن عدم معرفة موعد العودة إلى المستطيل الأخضر يضعهم دائما في حال تأهب: نظريا، قد تعود عجلة الدوريات إلى الدوران بعد أسابيع، وعلى الأندية أن تكون جاهزة، لاسيما وأن الموسم الكروي وصل قبل تعليقه، إلى مراحل قريبة من خط النهاية.

ويقول لاعب نادي برايتون الإنجليزي غلين موراي “قد يحتاج اللاعبون لأخذ إجازاتهم الصيفية الآن. قد ننهي موسم 2019-2020 ونبدأ موسم 2020-2021 بشكل فوري دون إجازة على الإطلاق”.

وردا على سؤال عمّا إذا كان اللاعبون سيقبلون سيناريو مماثلا، رأى موراي أنه “ما من خيار آخر أمامنا”.

ويتطلب هذا الوضع من مدربي اللياقة تحضير برامج أسبوعية وتمارين فردية وشرحها للاعبين عبر الإنترنت والتواصل بتقنية الفيديو.

ويوضح خوسيه مانويل ألفاريز، المدير الطبي لنادي ريال بيتيس الإسباني، “أعطينا كل لاعب من لاعبينا الإرشادات اللازمة”، حتى الغذائية والطبية.

وانقسم لاعبو بيتيس إلى مجموعتين وفقا لخصائصهم البدنية، ويتولّى مدرب الإشراف على كل منهما. وزُوّد كل لاعب بجهاز خاص لتسجيل بيانات عن الإرهاق، النوم، الألم وحتى الحالة الذهنية، بينما يقدم اللاعبون تقارير بشأن وزنهم وحراراتهم، وأهداف التمارين الذين تمكّنوا من تحقيقها.

وقال ألفاريز “يدرك اللاعبون أنه إذا لم يقوموا بعملهم، سيجدون أنفسهم في وضع غير مواتٍ بالمقارنة مع زملائهم عندما يعاودون التمارين”.

وليس أمام اللاعبين أيّ عذر للامتناع عن مزاولة التمارين، إذ أن منازل معظمهم تضم صالة مخصصة لذلك. وفي حال لم تكن متوافرة، عمدت إدارات أندية إلى توفيرها لهم في هذه الفترة.

ويوضح رئيس نادي مارسيليا الفرنسي جاك هنري إيرود، أن اللياقة البدنية للاعبين “دقيقة، معقدة، ومتطورة (..) تتطلب صيانة يومية تقريبا”.

انضباط مفروض

حنين لاستئناف النشاط
حنين لاستئناف النشاط

عمدت بعض الأندية، ومنها بايرن ميونخ بطل ألمانيا في المواسم السبعة الأخيرة، إلى إقامة حصص تدريبية افتراضية عبر الإنترنت، يشارك فيها كل اللاعبين عبر الفيديو.

وفي فرنسا، طلب نادي ليون من لاعبيه الاستراحة حتى 24 مارس، بينما لجأ أتلتيكو مدريد الإسباني إلى إجراء تدريب تكتيكي من خلال اجتماعات عبر الفيديو بين اللاعبين والمدربين للبقاء في جو اللعبة.

يبدو نادي العاصمة الإسبانية صارما أيضا في النظام الغذائي. وأسوة بغالبية الأندية، يسلّم لاعبيه وجبات معدّة خصيصا، مع منحهم بعض الخيارات. ويتناول كل اللاعبين الغداء والعشاء في الوقت عينه. لكن الانضباط الذاتي ليس سهلا على الجميع. ويقول الإنجليزي جوناثان برانت، وكيل الويلزي غاريث بايل لاعب ريال مدريد الإسباني، “بالطبع بعض اللاعبين أفضل من غيرهم في التعامل مع المسألة. اللاعبون هم بشر أيضا وحاليا يشعرون بالإحباط الشديد”.

وتحكم الظروف الشخصية الوضع الراهن. فالعزل المنزلي قد يوفر للاعبين فرصة تمضية وقت أطول مع عائلاتهم، لكن في حالات أخرى، قد يجعل ذلك أمرا بعيد المنال.

وعلى سبيل المثال، حُرم البلجيكي روميلو لوكاكو مهاجم إنتر الايطالي من رؤية والدته كونها تعاني من مرض السكري، نظرا إلى أن “كوفيد19-” يمثّل خطورة أكبر على المسنين والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة. أما الصربي لوكا يوفيتش لاعب ريال مدريد، فخرق قوانين العزل بعد عودته إلى بلاده، وشُوهد وهو يحتفل ويتنزه مع صديقته.

ويعلّق موراي “بعض اللاعبين الأجانب حُرموا من فرصة الذهاب إلى ديارهم. إنه أمر صعب جدا بالنسبة لهم”. ويبدي اللاعب البالغ 36 عاما، وبات على مشارف نهاية مسيرته، أسفه على الوقت الضائع حاليا، مؤكدا أن ما يمر به “جعلني أكثر إصرارا على اللعب لأطول فترة ممكنة”.

وبالنسبة إلى من جعلوا كرة القدم أسلوب حياة، المرحلة صعبة، لاسيما وأن جدولهم دائما ما يكون مزدحما بالمباريات والتمارين ونشاطات أخرى.

ويعتبر البوسني أسمير بيغوفيتش حارس ميلان الإيطالي “عدم تمكننا من التدرب أمر غريب جدا (..) تحاول القيام بأمور أخرى ولكن ما من شيء سوى نتفليكس”، في إشارة إلى الشركة الأميركية لخدمات البث التدفقي.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة، يرى معنيون باللعبة أن لياقة اللاعبين لن تكون على حالها لدى عودتهم إلى الملاعب، واحتمالات تعرّضهم للإصابة ستزداد.

ويوضّح الفرنسي فيليب بيات، رئيس النقابة الدولية للاعبي كرة القدم المحترفين “فيفبرو”، “يقول الأطباء إن التوقف لـ15 يوما يجب أن تتبعه تمارين على مدى 15 يوما. ماذا سيتطلب الأمر في حال راحة لثلاثة أسابيع؟ لقد كانوا واضحين: لا تتفاجؤوا إذا وقعت إصابات”.

ويؤكد ألفاريز أن “خطر الإصابات هو أمر نتوقعه حقا. لن يتمكّنوا من خوض حصة تدريبية عادية، هذا أمر واضح”. ويضيف المسؤول النقابي أن “هذا الوضع غريب وجديد كليا بالنسبة إلى الجميع”.

23