الجيش يدعم دعوة غامضة لتبون للمّ شمل الجزائريين

الغموض لا يزال يكتنف مبادرة لمّ الشمل التي تبقى مبهمة على الصعيد الداخلي ما يثير الشكوك حول النوايا الحقيقية للسلطة من ورائها.
الاثنين 2022/05/23
استغلال الأضواء

الجزائر- أعرب قائد أركان الجيش الجزائري الفريق سعيد شنقريحة عن دعم الجيش لمبادرة “لمّ الشمل” المعلن عنها من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، والتي تستهدف استقطاب رموز المعارضة السياسية والناشطين المتواجدين في الخارج، ليشير بذلك إلى انخراط المؤسسة في المسعى وإضفاء انطباع التكامل لدى الرأي العام الداخلي والخارجي، حول وقوف أبرز مؤسسة في الدولة إلى جانب القيادة السياسية، وقطع الطريق على المشككين في نوايا السلطة من وراء المبادرة.

ولا زال الغموض يكتنف مبادرة لمّ الشمل، فرغم مرور العديد من الأسابيع على الإعلان عنها من طرف الوكالة الرسمية، لم يتم الكشف عن تفاصيلها وإجراءاتها والفئات المستهدفة منها ودلالاتها الزمنية والهدف المنتظر منها، عكس المبادرات السابقة للمصالحة الوطنية التي أطلقها الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة في 1999 و2005.

◙ الفريق سعيد شنقريحة ركز على استغلال الأضواء والحضور الدائم في مختلف وسائل الإعلام، ما يوحي بأنه يريد إعطاء الانطباع بأنه الكفة الموازية للرئيس تبون

وما سُجّل إلى حد الآن بحسب تقارير مختلفة هو جملة من الاتصالات أجراها مسؤولون بعيدون عن الأضواء ويرجح أن يكونوا من جهاز الاستخبارات مع عدد من الناشطين والمعارضين الموجودين في مختلف المدن والعواصم الأوروبية والأميركية، وسط معلومات عن أن العدد الذي أعرب عن نيته التجاوب مع المبادرة محدود إلى حد الآن، حيث يتم الحديث عن قيادات ومناضلين سابقين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المنحلة عام 1992.

وذكر ناشطون موجودون في باريس ولندن على غرار الضابط السابق والإعلامي هشام عبود أنهم تلقوا اتصالات من جهات في السلطة عرضت عليهم تسوية أوضاعهم والسماح لهم بالدخول إلى التراب الوطني مقابل وقف المعارضة السياسية في الخارج، غير أن هؤلاء لم يتجاوبوا إلى حد الآن مع العرض، وبرروا ذلك بكون المطالب الأساسية هي تغيير النظام السياسي وتهدئة المناخ وفتح المجال أمام الحريات والحقوق.

وباستثناء تلك الاتصالات تبقى المبادرة مبهمة على الصعيد الداخلي؛ فما عدا لقاء منتظرا للرئيس تبون مع الأحزاب لم يرسم إلى حد الآن، واجتماعاته مع بعض القادة الحزبيين الموالين للسلطة أو من يوصفون بـ”المعارضة المعتدلة”، بقي وضع من يعرفون بسجناء الرأي غامضا وتواصل التضييق الممارس على أحزاب المعارضة الراديكالية وعلى الحريات السياسية والإعلامية، حيث بات مجرد منشور في شبكات التواصل الاجتماعي يجر صاحبه إلى السجن، وهو ما يثير الشكوك حول النوايا الحقيقية للسلطة من وراء المبادرة، خاصة وأن إجراءات التهدئة تعد أبرز المطالب التي رفعت منذ مدة للشروع في البحث عن الخروج من الأزمة السياسية.

◙ مبادرة تبون تهدف إلى استقطاب رموز المعارضة السياسية والناشطين المتواجدين في الخارج

ويقبع نحو 300 معتقل رأي في السجون، حسب تقارير لتنسيقية الدفاع عن سجناء الرأي، كما يقبع عدد من الناشطين السياسيين تحت الرقابة القضائية كما هو الشأن بالنسبة إلى رئيس الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي غير المرخص له كريم طابو، فضلا عن مضايقات ومتابعات لمدونين وصحافيين، كما هو الشأن بالنسبة إلى الإعلامي القاضي إحسان المتابع في العديد من القضايا، والذي التمس له وكيل الجمهورية لدى قضاء العاصمة وقف ممارسة المهنة الصحافية لمدة خمس سنوات.

ولا يستبعد مراقبون أن يكون لمّ الشمل المعلن عنه خطوة لتضييق الخناق وعزل القيادات الراديكالية لبعض التنظيمات المعارضة في الخارج، والتي وقع تصنيفها منذ أشهر في خانة الكيانات الإرهابية، كـ”رشاد” و”استقلال القبائل”، وقامت الأجهزة الأمنية بتفكيك عدد من خلاياها، وذلك باستقطاب أكبر عدد من العناصر المنخرطة أو المتعاطفة معها لإفراغ تلك التنظيمات من وعائها البشري.

ومنذ تنصيبه في قيادة أركان الجيش خلفا لسلفه أحمد قايد صالح ركز الفريق سعيد شنقريحة على استغلال الأضواء والحضور الدائم في مختلف وسائل الإعلام، ما يوحي بأنه يريد إعطاء الانطباع بأنه الكفة الموازية للرئيس تبون، ولم يتوان في الخوض في مختلف المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، رغم أنه لا يحمل أيّ صفة رسمية في الدولة إلا قائدا لأركان الجيش.

وجاء تصريحه الداعم لمبادرة لم الشمل لإعطاء دفع جديد وإضفاء حالة التكامل بين مؤسسات الدولة، وتقديم ضمانات من المؤسسة الوازنة في الدولة للراغبين في الانخراط فيها، لاسيما وأن الرأي العام يدرك أن القرار الحاسم يعود بشكل كبير إلى المؤسسة العسكرية خاصة خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن محاولة إقناع المترددين وقطع الطريق على المشككين في المسعى.

ودعا الفريق شنقريحة في تصريح له أدلى به الأحد إلى “الالتفاف حول مبادرة لمّ الشمل”، وقال “أشد على أيدي كافة أبناء الوطن للانخراط بقوة في هذه المبادرة الصادقة. وهي مستلهمة من قيم أمتنا العريقة ومبادئ ثورتنا الخالدة (الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي 1954 – 1962)، وأن الجزائر الجديدة يشارك في بنائها كل أبنائها المخلصين”.

1