الجيش المالي يعود إلى التصعيد على الحدود الجزائرية

باماكو- عاد الجيش المالي إلى التصعيد ضد الأزواد على الحدود الجزائرية بعد نحو شهر من ضربة تلقاها من الانفصاليين أدت إلى مقتل عدد من جنوده ومرتزقة فاغنر الروس الذين يقاتلون في صفوفه، في ظل تضارب للتقارير بشأن دعم تلقوه من أوكرانيا.
وأكد الجيش المالي الاثنين أنه ضرب “أهدافا إرهابية” وأردى “نحو عشرين مسلحا” خلال هجوم بالمسيّرات نفذه الأحد في شمال مالي قرب الحدود الجزائرية.
ومن شأن التصعيد على الحدود أن يضغط على الجزائر، التي ستجد نفسها في وضع معقد بسبب عجزها عن المبادرة سياسيا أو عسكريا لمنع التصعيد، وستبدو في نظر الحركات الأزوادية وأنصارها عاجزة عن حمايتهم بعد أن أوحت مواقفها السابقة بأنها ملزمة بالوقوف في صفهم ضد هجوم المجلس العسكري الجديد.
ويمكن أن يفضي نجاح مالي وداعميها الخارجيين (الروس والأتراك) في هزيمة الانفصاليين الأزواد إلى تأكيد تراجع دور الجزائر في منطقة الساحل على خلاف دول أخرى، خاصة بعد إنهاء العمل باتفاق السلام في مالي لسنة 2015 بعد توتر العلاقة مع المجلس العسكري وبرود علاقاتها مع النيجر ورفضها أيّ دور جزائري في الأزمة الداخلية.
ويكمن القلق الجزائري في جانب آخر من مخاوف أن يفضي التصعيد إلى نزوح الآلاف من الأزواد (الطوارق) إلى داخل التراب الجزائري بما يحمله من أعباء تتعلق بالإيواء والخدمات، ولكن أيضا من أن يفضي وجودهم على أراضي الجزائر إلى تحريك النزعة الانفصالية لدى طوارق الجزائر وسيكون لهذا تأثير على المدى البعيد.
وما يضاعف من إحراج الجزائر ويظهر تراجع دورها الدبلوماسي أن التصعيد في مالي مدعوم من الروس والأتراك، وهم حلفاؤها سياسيا واقتصاديا، وقد عقدت اتفاقيات بالمليارات لتعميق العلاقة معهما بشكل منفصل.
وقتل نحو عشرين مدنيا من بينهم أطفال، في ضربات بطائرات مسيرة الأحد في تنزاواتن، بحسب انفصاليين ومسؤول محلي ومسؤول في منظمة غير حكومية محلية.
وفي منطقة تنزاواتن نفسها، أعلن الانفصاليون والجهاديون أنهم قتلوا عشرات من عناصر مجموعة فاغنر الروسية العسكرية والجنود الماليين خلال معارك بين 25 و27 يوليو.
وأوضح الجيش المالي أن “مهمة استطلاع هجومية أتاحت رصد وتحديد هوية شاحنات صغيرة محملة بالعتاد الحربي ومتمركزة بعناية في باحة عقار بتنزاواتن”.
وأضاف بيان الجيش أنه “بعد مراقبة دقيقة، مكّنت سلسلة من الضربات من تدمير هذه الأهداف الإرهابية وتحييد نحو عشرين مسلحا”.
ومن الواضح أن الهجوم يعتبر رسالة عن قوة التحالف المالي مع روسيا، وأن محاولة استثمار أوكرانيا في الهجوم السابق كان موقفا غير مؤسس على قوة ميدانية، ولا يتجاوز مجرد الاستثمار السياسي بعد مقتل عناصر من فاغنر وتنفيسا عن تراجع دور أوكرانيا في الحرب على أراضيها.
لكن الرسالة يمكن أن تشمل القوى الإقليمية التي يمكن أن تفكر باستهداف فاغنر وهزيمتها بتحريك قوى محلية أو الاعتماد على دعم خارجي، ومفاد هذه الرسالة أن روسيا لن تتراجع عن نفوذها في منطقة الساحل، وأنها مستمرة في دعم الأنظمة العسكرية الجديدة في المنطقة.
ونفذت مالي ضربات جوية على أهداف للمتمردين في تنزاواتن وما حولها بعد وقت قصير من قيام المقاتلين الطوارق والإسلاميين بقتل عدد كبير من الجنود الماليين وآخرين من مجموعة فاغنر الروسية بالقرب من البلدة في يوليو.
وقال متحدث باسم تحالف للمتمردين يحمل اسم الإطار الإستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية إن البلدة الواقعة بالقرب من الحدود الجزائرية تعرضت لهجوم بطائرة مسيرة مرة أخرى يوم الأحد.
وقال محمد المولود رمضان عبر الهاتف إن الضربات أصابت منزلا مدنيا وصيدلية وأجزاء أخرى من المدينة.
وقد يكون القتال بالقرب من تنزاواتن في أواخر يوليو أكبر هزيمة تلحق بفاغنر منذ تدخلها قبل عامين لمساعدة المجلس العسكري في مالي على محاربة الجماعات المتمردة.
وقال متمردو الطوارق إنهم قتلوا ما لا يقل عن 84 من مقاتلي فاغنر و47 جنديا ماليا. وقالت إحدى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة إنها قتلت 50 من مقاتلي فاغنر و10 جنود ماليين.
وقرر المجلس العسكري في مالي بقيادة الكولونيل أسيمي غويتا تصعيد الخيار العسكري منذ عام 2022. وأقدم خصوصا على كسر التحالف القديم مع فرنسا والشركاء الأوروبيين، ليتحول عسكريا وسياسيا نحو روسيا.
وجعل المجلس الذي يتولّى السلطة في مالي منذ 2020 من استعادة السيطرة على كامل أراضي البلاد إحدى أولوياته.
وخسرت الجماعات الانفصالية المسلحة عدة مناطق في الشمال منذ عام 2023، بعد هجوم شنه الجيش المالي أدى إلى سيطرته على معقلها مدينة كيدال.