الجيش اللبناني يعيد فتح الطرق بعد أسبوع من الاحتجاجات

بيروت - قال الجيش اللبناني الأربعاء إنه بدأ في إزالة حواجز الطرق بعدما أحرق المحتجون إطارات سيارات على مدى أسبوع لإغلاق الطرق في أرجاء البلاد، وسط موجة غضب من الانهيار الاقتصادي والجمود السياسي.
وقال الجيش اللبناني في بيان على صفحته الرسمية على تويتر "نتيجة الحوادث المأسوية والتجاوزات التي حصلت، وحفاظا على سلامة المواطنين، باشرت وحدات الجيش صباح اليوم (الأربعاء) فتح الطرقات المغلقة".
ويعكس تدخل الجيش لفتح الطرق رغم أنه ليس من اختصاصه وإنما من مهام وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي، تجاهل الطبقة السياسية لما يحدث أو عجزها عن التعامل معه، كما يقول بعض اللبنانيين إنه أمر معيب للغاية.
ويرى مراقبون أن تحرك الجيش لن يوقف الاحتجاجات الشعبية في ظل الوضع الاجتماعي والمعيشي المردي وتهاوي القدرة الشرائية للمواطنين جراء انهيار الليرة مقابل الدولار الأميركي، وسط استمرار القيادات السياسية في المكابرة ورفض الاعتراف بالأزمة من خلال البحث ككل مرة عن شماعة المؤامرة.
وكان الرئيس ميشال عون قد طلب من الجيش وقوات الأمن إزالة الحواجز بعد اجتماعه مع كبار المسؤولين الاثنين.
وفيما أوصال البلاد كانت لا تزال مقطعة بفعل الاحتجاجات الغاضبة، اجتمع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون بكبار الضباط، وأطلق جرس إنذار تضمن تحذيرا للسياسيين من جهة، وتأييدا للمطالب المعيشية من جهة أخرى.
وتوجه العماد عون في حديثه للمسؤولين اللبنانيين، متسائلا "إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنوون أن تفعلوا؟ لقد حذّرنا أكثر من مرّة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره".
وكان بارزا في كلام العماد عون قوله إن "العسكريين يعانون ويجوعون مثل الشعب"، وذلك في إطار انتقاده تخفيض موازنة الجيش عاما بعد آخر.
واعتبرت السفيرة اللبنانية السابقة ترايسي شمعون أن "تصريحات قائد الجيش تحمل إدانة للطبقة السياسية التي أوصلت البلد إلى الانهيار".
وشددت شمعون على أن "الجيش يحمل أعباء كبيرة نتيجة فشل الأسلوب الذي يدار به البلد، وهو سبق أن عوقب في موازنات سابقة، ويفرض عليه التقشف اليوم، وتضاف إلى مهامه مهام جديدة، من توزيع المساعدات ومسح أضرار انفجار المرفأ إلى فرض الأمن في الداخل، ومع ذلك هناك من يصر على التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية التي يصونها العماد عون في وجه كل تدخل".
وعلق النائب عن "الحزب الاشتراكي" بلال عبدالله على تصريحات قائد الجيش الذي وصفه بأنه "بعيد عن أي اصطفاف سياسي"، قائلا إنها "رسالة واضحة إلى كل السلطة السياسية بأن الجيش لن يكون طرفا في أي صراع مع الناس، وأنه سيكون حاميا لاستقرار البلد".
وفيما يجزم عبدالله بأن "الشعب وصل مرحلة معاناة غير مسبوقة"، لكنه لا يستبعد أن تكون الاحتجاجات "تحمل رسائل متعددة الأوجه من بعض الأحزاب السياسية، من بينها حث المعنيين على الإسراع في تشكيل الحكومة".
ودعا عبدالله من هم في موقع القرار إلى "تسهيل مهمة تأليف الحكومة، وعدم التشبث بالمطالب السياسية"، مضيفا أن "الإنقاذ الاجتماعي والاقتصادي هو الأهم اليوم، بانتظار التسوية الإقليمية والدولية".
وأشار النائب شامل روكز إلى وجود تصرّفات ميليشياوية غير مقبولة تحصل على الطرقات، معربا عن رفضه قطع الطرقات.
وقال روكز "صرخة قائد الجيش صحيحة وليست موضوع ترشّح للرئاسة، فوضع الجيش لا يُحتمل، ومعظم حديثه توجه به إلى عسكره المنهك".
وأشار المحلل السياسي أمين قمورية إلى أن "ثمة غضبا حقيقيا في الشارع"، لكن يبدو أن "هناك قوى سياسية (لم يذكرها) تسعى إلى استثمار الغضب الشعبي، للنيل من بعضها البعض، وتمرير أجندات خاصة مرتبطة إلى حد كبير بالمحاور الخارجية".
وتوقع قمورية أن تشتد وتيرة الاحتجاجات والتحركات في الشارع، و"قد تأخذ منحى أمنيا، أو انفجارا اجتماعيا، في ظل تفاقم الأوضاع وانسداد الأفق السياسي وعدم تأليف حكومة".
ولفت إلى أن كلمة قائد الجيش "حملت رسائل قوية تجاه الطبقة السياسية التي تجاهلت مسؤولياتها عن تدهور الأحوال المعيشية"، كما أنها رسالة إلى الناس "بأن الجيش حامي الشعب، ما يكسبه شعبية ويشجع الحراك الشعبي على المواصلة".
وتسببت الأزمة المالية في لبنان التي اندلعت في أواخر 2019 في فقدان الكثيرين لوظائفهم وعجز الناس عن السحب من ودائعهم المصرفية، ووقوع الكثير منهم في براثن الفقر والجوع.
وتقوم مجموعات من المحتجين بإحراق الإطارات يوميا لإغلاق الطرق، منذ أن هوت العملة اللبنانية إلى مستوى جديد الأسبوع الماضي، مما فاقم الغضب الشعبي من الانهيار المالي.
وتوفي ثلاثة في حوادث بسبب حواجز الطرق الاثنين، منهم شابان توفيا لدى اصطدام سيارتهما بشاحنة كانت متوقفة بعرض الطريق لإغلاقه.
ودفع الحادث البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، أكبر رجل دين مسيحي في لبنان، إلى التحذير من وضع حواجز على الطرق.
وقال في عظة "نأسف أن تحصل كل هذه الأمور اليوم والشعب غاضب والشباب غاضبون. نحن معهم، ولكن لا يجب أن يُعاقب الناس على الطرقات، فهم ليسوا من أوجد المشاكل في لبنان، وهم ليسوا من عرقل تشكيل الحكومة وتقاعس عن حل الأزمات المالية والحكومية، بل هم يدفعون الثمن مرتين، ثمن حاجاتهم وثمنا يدفعونه على الطرقات".
وحذر مسؤولون طبيّون من خطر عدم إمكانية توصيل الأوكسجين إلى المستشفيات بسبب إقفال الطرقات.
ويأتي ذلك بينما لا تزال السلطات عاجزة عن تنفيذ أي إصلاحات في البلاد أو إطلاق أي خطوات إنقاذ، وسط خلافات عميقة على تشكيل حكومة جديدة كُلّف سعد الحريري بتشكيلها منذ أكتوبر الماضي، وتهديد رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب بالانسحاب من مهمة تصريف الأعمال.