الجيش اللبناني يعزز وجوده في معاقل حزب الله بجنوب الليطاني

بيروت - أفاد مصدر مقرّب من حزب الله وكالة فرانس برس اليوم السبت بأن معظم المواقع العسكرية التابعة للحزب جنوب الليطاني باتت تحت سيطرة الجيش اللبناني، وذلك في تطور لافت يعكس تداعيات الحرب الأخيرة وتطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.
وذكر المصدر الذي طلب عدم الكشف عن هويته أن هناك "265 نقطة عسكرية تابعة لحزب الله، محددة في جنوب الليطاني، سلم الحزب منها قرابة 190 نقطة".
ويعتبر مراقبون أن تسليم حزب الله لهذه المواقع يمثل مؤشرًا على تراجع نفوذه العسكري في الجنوب، وهو ما قد يكون نتيجة مباشرة للخسائر التي تكبدها خلال الحرب الأخيرة والضغوط الداخلية والدولية المتزايدة.
وكان النائب عن حزب الله حسن فضل الله قد أعلن الخميس استعداد الحزب الآن على استعداد للدخول في حوار حول الاستراتيجية الدفاعية، مبديا انفتاحا للتوصل إلى تفاهم، بشرط أن يسبقه ضغط لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإلزام تل أبيب بالانسحاب من جنوب لبنان. ويُنظر إلى هذا الموقف على أنه تجنب لإطلاق إشارات سلبية حول تسليم السلاح، بخلاف تصريحات سابقة لمسؤولين آخرين في الحزب.
ويرى محللون أن هذا التباين الظاهري في التصريحات قد يعكس محاولة حزب الله لتوزيع الأدوار أو جس نبض الأطراف الأخرى، إلا أنهم يؤكدون أن الفريق السياسي المحيط بالرئيس جوزيف عون أبدى ارتياحه تجاه ما أعلنه فضل الله، مما يفتح الباب أمام تفعيل الحوار الذي مهد له الرئيس بري.
ويأتي هذا التقدم الميداني بعد الحرب التي تصاعدت بين حزب الله وإسرائيل في سبتمبر 2024، والتي بدأت كجبهة "إسناد" لغزة عقب هجوم حركة حماس على شمال إسرائيل في أكتوبر 2023. وقد أضعفت هذه الحرب المفتوحة قدرات حزب الله وأدت إلى تصفية العديد من قادته، بمن فيهم الأمين العام السابق حسن نصرالله.
وقد نص اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر على نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (اليونيفيل) والجيش اللبناني فقط في جنوب لبنان، وانسحاب حزب الله الذي أضعفته الحرب إلى حد كبير إلى شمال نهر الليطاني، على بعد 30 كيلومترًا من الحدود الإسرائيلية، وتفكيك ما تبقى من بنيته التحتية العسكرية في الجنوب.
وأكد مصدر أمني لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع أن الجيش فكك "معظم" المواقع العسكرية التابعة لحزب الله في منطقة جنوب الليطاني بالتعاون مع قوة اليونيفيل في الجنوب.
وأشار المصدر الأمني إلى أن الجيش بات "في الخطوات الأخيرة لإنهاء الوجود الأمني أو السيطرة الأمنية على كل المواقع الحزبية الموجودة في جنوب الليطاني".
وخلال زيارة لها إلى لبنان ، صرحت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس للمؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشونال ("إل بي سي آي") "نواصل الضغط على هذه الحكومة من أجل التطبيق الكامل لوقف الأعمال العدائية، بما يشمل نزع سلاح حزب الله وكافة الميليشيات"، مما يعكس قلقا دوليا بشأن استمرار وجود قوة مسلحة غير حكومية في المنطقة الحدودية.
ومن جهته، أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون الذي انتُخب بفضل تراجع نفوذ حزب الله، على التزامه حصر السلاح بيد الدولة، مشددا في الوقت ذاته على "أهمية اللجوء الى الحوار" لتحقيق ذلك، ما يعكس توجها جديدا قد يستفيد من تراجع نفوذ حزب الله النسبي بعد الحرب.
وأضاف "سنبدأ قريبا في العمل على صياغة استراتيجية الأمن الوطني"، وهو ما يمثل خطوة عملية نحو تحقيق هذا الهدف.
وكان حزب الله الفصيل العسكري الوحيد الذي احتفظ بسلاحه بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان عام 1990 تحت شعار "المقاومة" في مواجهة إسرائيل.
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار، فإن استمرار الغارات الإسرائيلية على أهداف تابعة لحزب الله في الجنوب والوجود العسكري الإسرائيلي في المرتفعات الحدودية يشير إلى أن التوترات لا تزال قائمة وأن الوضع الأمني لا يزال هشا.
ويمثل بسط سيطرة الجيش اللبناني في جنوب الليطاني تطورًا إيجابيًا نحو تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار وتعزيز سلطة الدولة وفرض سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وهو مطلب أساسي للمجتمع الدولي والقوى السياسية اللبنانية التي تسعى إلى بناء دولة قوية وموحدة.
ومع ذلك، فإن الطريق لا يزال طويلاً ومليئًا بالتحديات، خاصة في ظل استمرار التوترات الإقليمية والضغوط الدولية المعقدة، ليبقى السؤال حول مدى قدرة الحكومة اللبنانية على استثمار هذا التقدم لتحقيق هدف حصر السلاح بيد الدولة بشكل كامل ودائم، وما إذا كانت تلميحات الحوار من حزب الله تمثل تحولًا حقيقيًا في موقفه.