الجيش السوري يستعد للتحول إلى جيش محترف يعتمد على المتطوعين

دمشق تعتزم تسريح عشرات الآلاف من الخدمة الاحتياطية في الجيش.
الجمعة 2024/06/28
العودة أخيرا إلى الحياة المدنية

دمشق- يعتزم الجيش السوري تسريح عشرات الآلاف من الخدمة الاحتياطية بدءاً من الشهر المقبل، في خطوة تهدف إلى تصويب وضع الجيش وتحويله من مؤسسة تمثل عبئا ثقيلا على الدولة إلى جيش محترف يعتمد على المتطوعين، خاصة بعد توقف المعارك إلى حد كبير في السنوات الأخيرة. ويضم الجيش السوري قوة ضاربة من المحترفين المتطوعين يساندهم مجندون محسوبون على النظام لأسباب طائفية أو مناطقية أو حزبية، وتشكيلات واسعة من الجيش بجنود مكلفين مهمتها مسك الأرض ومنع سقوطها بأيدي قوات المعارضة أو الإسلاميين أو بالحد الأدنى ألا يتسلل شباب بعمر معين لصالح المعارضة أو يغادر إلى خارج البلاد.

ويرمي هذا الوضع بثقل على الدولة معنويا بإلزام الشباب على الخدمة مهما كانت ظروفهم وماديا بتركهم العمل المدني والانضمام كجنود يعيشون على نفقة الدولة. لكن الآن الرئيس السوري بشار الأسد لديه فائض من الجنود بعد توقف العمليات الحربية، وهو ما يفسّر اللجوء إلى التسريح على مراحل.

ويشير مراقبون إلى أن الرئيس السوري بشار الأسد يقلّب أفكارا للشكل النهائي للقوات المسلحة ويقترب أكثر من نموذج روسي أثبت فائدته في أوكرانيا، إذ يقاتل خليط من قوات محترفة وقوات أمنية تتبع شركات مثل قوة فاغنر بالإضافة إلى ميليشيات روسية وشيشانية داعمة.

وقال المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع اللواء أحمد يوسف سليمان في مقابلة مع التلفزيون السوري الرسمي “سيتم تسريح عشرات الآلاف حتى نهاية العام الحالي ومثلهم العام القادم مع المحافظة على الجاهزية القتالية وتحقيق مصلحة أبناء الوطن”.

ويضمّ الجيش السوري إجمالاً ثلاث مجموعات رئيسية، المتطوعون في السلك العسكري، والملتحقون بالخدمة العسكرية الإلزامية، والمكلفون بالخدمة الاحتياطية.

وفي السنوات الأولى من النزاع الذي شهدته سوريا منذ مارس 2011، خسر الجيش وفق خبراء نصف عديده الذي كان مقدراً بـ300 ألف، جراء مقتلهم في المعارك أو فرارهم.

وقبل اندلاع النزاع، كانت السلطات تلزم الشبان عند بلوغهم 18 عاماً تأدية الخدمة الإلزامية لمدة تتراوح من عام ونصف العام إلى عامين. وبعد انتهاء هذه المدة، يُمنح كل شاب رقماً في الاحتياط ويمكن للسلطات أن تستدعيه في أي وقت للالتحاق بصفوف الجيش خصوصاً في حالات الطوارئ.

لكن بعد اندلاع النزاع، بات هؤلاء الشبان يخدمون لسنوات طويلة. ومدّدت قيادة الجيش مراراً مدة الخدمة الاحتياطية المحددة حالياً بست سنوات.

الأسد سار على خطى الكثير من الدول التي قامت بتسريح المجندين بعد الحروب والتحول إلى جيوش محترفة من المتطوعين

وأقرّ بشار الأسد في مقابلة عام 2015، في ما كانت قواته تخوض معارك ضد الفصائل المعارضة على جبهات عدة في البلاد، بأنه “لو لم يكن هناك احتياط للجيش لما كان قادراً على الصمود أربع سنوات ونصف السنة في حرب صعبة جداً”.

وساهم الدعم العسكري الذي تلقاه الأسد من حليفتيه إيران وروسيا في السنوات اللاحقة في تعديل موازين القوى لصالح قواته التي باتت تسيطر حالياً على نحو ثلثي مساحة البلاد.

وسبق للجيش أن أعلن مرات عدة تسريح عناصر من صفوفه منذ بدء النزاع.

وسيتم تسريح المكلفين بالخدمة الاحتياطية تباعاً، وفق سليمان، بناء على خطة من ثلاث مراحل يبدأ تطبيقها مطلع يوليو حتى نهاية أكتوبر 2025، على أن يصل الحد الأقصى للخدمة الاحتياطية إلى عامين في المرحلة الثالثة.

وقال سليمان إن هدف القرارات “الوصول إلى جيش متطور يعتمد على المتطوعين، من خلال عقود تطوع جديدة تنص على أن من يؤدي خمس سنوات عقد تطوع ولا يرغب في الاستمرار يسرّح”.

ويُعفى من يؤدي عشر سنوات كمتطوع من خدمة الاحتياط نهائياً.

وأشار سليمان إلى أن أقصى مدة للاحتياط خلال الفترة المقبلة ستكون عامين وقد تكون شهرا، مبيناً أنهم يحاولون العمل على إلغائها لتكون الخدمة الاحتياطية عند الحاجة فقط.

وبين أنه قد يتم تعديل الوقت وإزاحته حسب الحاجة، وستتم دراسة المرحلة الأولى وتقييمها قبل تنفيذ المرحلة الثانية.

وفي ما يتعلق بالمتخلفين عن الخدمة الإلزامية قال “يمكن للمتخلفين عن الخدمة الإلزامية تحديد مكان خدمتهم خلال عام – مراعاةً للمرحلة الانتقالية – من تحديد المحافظة التي يرغب الخدمة فيها، ضمن أسس ومعايير ستوضع لاحقا – سياسة مؤقتة – رغبةً منا في مساعدتهم”.

وبالنسبة إلى المتطوعين ضمن عقود أكد “من أتم 5 سنوات عقد تطوع وأراد أن يسرّح فيسرّح ولا يدعى إلى الاحتياط قبل 5 سنوات ويكون الاحتياط سنة واحدة فقط متفرقة أو مجمعة، أما من أتم عقد تطوع 10 سنوات فلا يدعى للاحتياط أبداً”.

pp

ومن أدى فترة زمنية معينة من عقد التطوع ورغب بالتقدم بطلب استقالة قبل نهايته لأسباب خاصة فيحق للقيادة العامة دراسة هذه الحالات حسب معايير محددة وإذا كانت الحالة موثقة فلا توجد مشكلة بقبول الاستقالة .

وأكد “ما نقوم به اليوم شأن داخلي وليس رسائل موجهة إلى أحد، وليس تحضيراً لحرب بل هو استحقاق لا بد منه”.

ولطالما شكّل الالتحاق بالخدمتين الإلزامية والاحتياطية هاجساً رئيسياً لدى الشباب السوريين الذين يرفضون حمل السلاح خصوصاً بعد اندلاع النزاع الذي أدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وأسفر عن نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل سوريا وخارجها.

وأورد المكتب الأوروبي لدعم اللجوء في تقرير نشره في أبريل 2021 أنّه “تمّ الإبلاغ عن التهرّب من التجنيد كأحد الأسباب الرئيسية لفرار الشبان فوق 18 عاماً من سوريا. علاوة على ذلك، هو أيضاً أحد الأسباب الرئيسية لعدم تمكّنهم من العودة”.

وبحسب استفتاء أجرته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين عام 2019 في لبنان والعراق ومصر والأردن شكّل تجنب الخدمة العسكرية أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون نيتهم بالعودة إلى بلدهم.

1