الجيش السوداني يقوض مجددا الهدنة بعد موافقته على مبادرة أفريقية جديدة

الخرطوم – قوّض الجيش السوداني اتفاق وقف إطلاق النار بعد ساعات من إبداء موافقته مبدئيا على مبادرة أفريقية جديدة تتضمن تمديد الهدنة والتفاوض مع قوات الدعم السريع، وبينما تواصل واشنطن اتصالاتها مع الأطراف المعنية دارت معارك عنيفة في الخرطوم، واستدعى طرفا الصراع تعزيزات عسكرية من مناطق مختلفة، وسط تفاقم الأزمة الإنسانية، حيث سقط المزيد من القتلى وواصل المدنيون الفرار من مناطق الموت، ونفذت دول عدة عمليات إجلاء لرعاياها.
وشهدت سماء الخرطوم فجر اليوم الخميس تحليقا مكثفا للطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني، مع استمرار الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش في محيط القصر الرئاسي.
وأعلنت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" في بيان اليوم الخميس أنها تصدت لهجوم شنه ما وصفته بـ"قوات الانقلابيين المتطرفة" على معسكر لها بمنطقة كافوري بالطيران والمدفعية.
وأضاف البيان أن قوات الدعم السريع "كبدت القوات المعتدية التي ليس لها غير بث الشائعات الكاذبة خسائر كبيرة وطاردتها حيث تم تشتيتها في أماكن مختلفة والاستيلاء على عتادها العسكري".
ودارت الأربعاء رحى معركة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على أطراف العاصمة الخرطوم في تقويض لهدنة في الصراع المستمر منذ 11 يوما لكن الجيش أبدى استعداده لتمديد وقف إطلاق النار.
وقال الجيش مساء الأربعاء إن قائده عبدالفتاح البرهان أعطى موافقته المبدئية على خطة لتمديد الهدنة لمدة 72 ساعة أخرى وإرسال مبعوث عسكري إلى جوبا عاصمة جنوب السودان لإجراء محادثات.
ووافقت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في وقت سابق على وقف لإطلاق النار لمدة ثلاثة أيام كان من المقرر أن ينتهي في وقت متأخر من مساء اليوم الخميس. ولم يصدر على الفور رد من قوات الدعم السريع على الاقتراح المقدم من الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وهي تكتل لدول شرق أفريقيا.
وقال الجيش إن رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي عملوا على اقتراح يتضمن تمديد الهدنة وإجراء محادثات بين الطرفين.
وجاء في بيان الجيش أن البرهان أبدى "موافقته المبدئية على ذلك وشكر ممثلي المنظمة علي مساعيهم واهتمامهم بالأزمة الحالية".
واستبعد وزير خارجية جنوب السودان دينق داو أي حوار مباشر بين البرهان وحميدتي في الوقت الراهن، وعزا ذلك إلى ظروف الحرب.
وفي المساعي الدولية، قالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان إن الوزير أنتوني بلينكن بحث مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد التعاون من أجل وقف مستدام للقتال في السودان.
من جهته، قال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي إن الإدارة الأميركية ترغب في تمديد وقف إطلاق النار حتى يتم إيصال المساعدات الإنسانية إلى السودان.
وأكد كيربي التواصل مع طرفي الصراع بهذا الصدد، وأوضح أن بلاده تركز حاليا على مساعدة رعاياها على مغادرة السودان.
من جانبها، أكدت الحكومة الألمانية على ضرورة تشكيل لجنة لتهيئة الظروف لوقف دائم لإطلاق النار، كما حذرت من أن التسرع في إجلاء عمال الإغاثة الألمان والدوليين من السودان قد تكون له عواقب وخيمة.
وعلى الأرض، دارت معركة هي الأعنف في أم درمان المتاخمة للخرطوم بين الجيش وقوات الدعم السريع التي جاءت من مناطق أخرى في السودان. وسمع دوي إطلاق نار كثيف وغارات جوية في المساء.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان "مواصلة لانتهاكاتها المستمرة وخروقاتها المتعمدة للهدنة الإنسانية المعلنة، هاجمت قوات الانقلابيين وفلول النظام البائد في آن واحد مواقع تمركز قوات الدعم السريع بالقصر الجمهوري وأرض المعسكرات وسوبا وعدد من المواقع بالمدفعية والطيران الحربي ".
وأكدت أن عدم الالتزام الواضح من جانب الانقلابيين للهدنة يؤكد ما ظللنا نشير إليه بأن هناك عدد من مراكز اتخاذ القرار داخل قيادة القوات الانقلابية، وبات ذلك أكثر وضوحا مر خلال البيان الذي أصدره المطلوب للمحكمة الجنائية القيادي بالنظام البائد المدعو أحمد هارون الذي اشار الى مشاركتهم مع قوات الانقلابيين في هذه المعارك".
ودعت في بيانها المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه هذه الخروقات المستمرة لشروط الهدنة.
وفي الخرطوم، التي تمثل مع مدينتي أم درمان وبحري المجاورتين واحدة من أكبر المناطق الحضرية في أفريقيا، تفاقم الشعور بانعدام القانون مع انتشار عصابات السلب والنهب.
وتسببت الضربات الجوية والقصف المدفعي في مقتل 512 شخصا على الأقل، وإصابة نحو 4200 آخرين وتدمير مستشفيات والحد من توزيع المواد الغذائية في الدولة الشاسعة التي يعتمد ثلث سكانها البالغ عددهم 46 مليون نسمة بالفعل على المساعدات الإنسانية.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن 16 بالمئة فقط من المرافق الصحية في المدينة لا يزال يعمل وتوقعت وقوع "عدد كبير آخر من الوفيات" بسبب المرض ونقص الغذاء والماء والخدمات الطبية.
وجاء في بيانات جديدة للأمم المتحدة الأربعاء أن ما يقدر بنحو 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد قد تعطل علاجهم بسبب الصراع، وأن المستشفيات التي ما زالت تعمل تواجه نقصا في الإمدادات الطبية والكهرباء والمياه.
وجاء في البيانات أيضا أن اشتباكات دامية اندلعت في منطقة الجنينة بولاية غرب دارفور يومي الثلاثاء والأربعاء أسفرت عن أعمال نهب وقتل مدنيين وأثارت مخاوف بشأن تصعيد التوترات العرقية.
ودفعت الأزمة بأعداد متزايدة من اللاجئين نحو عبور حدود السودان وتقدر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن 270 ألف شخص ربما فروا إلى جنوب السودان وتشاد وحدهما.
ووصف أجانب تم إجلاؤهم من الخرطوم الوضع هناك قائلين إن الجثث تتناثر في الشوارع والمباني تحترق وثمة مناطق سكنية تحولت إلى ساحات قتال بالإضافة إلى شبان يتجولون بأسلحة بيضاء كبيرة.
وقال البيت الأبيض إن أميركيا ثانيا لقي حتفه هناك.
وقال ثاناسيس باجولاتوس (80 عاما)، وهو يوناني ومالك فندق أكروبول في الخرطوم، بعد وصوله إلى ذويه في أثينا "كان الأمر مروعا".
وأضاف "أكثر من عشرة أيام دون كهرباء ودون ماء وخمسة أيام تقريبا دون طعام"، وقدم وصفا لإطلاق النار والقصف. وقال "حقا الشعب يعاني، الشعب السوداني".
تخشى الجماعات المدنية من أن يمكن العنف الجيش من إحكام قبضته وإحياء نفوذ الموالين للبشير.
وأذكى الجيش هذه المخاوف بتأكيده نقل البشير (79 عاما)، الذي تمت الإطاحة به في عام 2019، من سجن كوبر بالخرطوم إلى مستشفى عسكري مع خمسة على الأقل من مسؤولي نظامه السابق، قبل اندلاع القتال في 15 أبريل.
وفي مطلع هذا الأسبوع تم إطلاق سراح آلاف السجناء من السجن، بمن فيهم وزير سابق في حكومة البشير مطلوب مثله من المحكمة الجنائية الدولية، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب.
وانتهى عهد البشير الذي دام ثلاثة عقود بانتفاضة شعبية قبل أربعة أعوام. وأودع البشير السجن باتهامات تتعلق بانقلاب 1989 الذي صعد به إلى السلطة، وتخلل وجوده في السجن فترات قضاها في المستشفى.
وقالت قوى الحرية والتغيير، هي جماعة سياسية تقود خطة مدعومة دوليا لانتقال السودان إلى الحكم المدني "هذه الحرب التي أشعلها النظام البائد ستقود البلاد إلى الانهيار".
وخرجت الخطة عن مسارها بسبب اندلاع القتال بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع. وفوت الطرفان وقوى الحرية والتغيير الموعد النهائي الذي كان محددا في أبريل لبدء الانتقال إلى الديمقراطية فيما يرجع بالأساس إلى الخلافات حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
ووجهت جماعات مدنية الاتهام لجماعات موالية للبشير بأنها تسعى لاستغلال الصراع لتشق طريقا للعودة إلى السلطة. وقوات الدعم السريع، التي صعد قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى السلطة في عهد البشير لكنه أطاح بالرئيس لاحقا، تعارض بشدة الإسلاميين الذين دعموا الرئيس السلطوي السابق.
وتولى الجيش بقيادة البرهان زمام الأمور في انقلاب بعد عامين من الإطاحة بالبشير. وأصبح مكان وجود البشير مثار تساؤلات بعدما أعلن الوزير السابق في حكومته أحمد هارون مساء الثلاثاء أنه غادر سجن كوبر مع مسؤولين سابقين آخرين.
واتهمت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي البشير بارتكاب إبادة جماعية، كما اتهمت هارون بتنظيم ميليشيات لمهاجمة المدنيين في دارفور في عامي 2003 و2004. ورفضت المحكمة الجنائية الدولية التعليق على نقل البشير وهارون من السجن.