الجيش السوداني يقترب من استعادة القصر الرئاسي وسط معارك عنيفة

السيطرة على المنطقة السيادية بوسط الخرطوم تحمل رمزية واستراتيجية، قد تؤثر على مسار الصراع.
الخميس 2025/03/20
معركة حاسمة في مسار الحرب

الخرطوم – أفاد تلفزيون السودان اليوم الخميس بأن الجيش السوداني يقترب من السيطرة على القصر الرئاسي في الخرطوم، من قوات الدعم السريع شبه العسكرية بما يمثل تحولا مهما في حرب مستمرة منذ عامين تهدد بتقسيم البلاد.

وتسيطر قوات الدعم السريع على معظم غرب السودان وأجزاء من العاصمة بعد ما يقرب من عامين من اندلاع الحرب، لكنها تتكبد خسائر في وسط البلاد أمام الجيش.

وقال شهود عيان ومصادر عسكرية لرويترز إن اشتباكات عنيفة اندلعت في وقت متأخر من مساء الأربعاء قرب القصر الرئاسي مع سماع دوي انفجارات وضربات جوية للجيش استهدفت وسط العاصمة الخرطوم.

وتأتي هذه الاشتباكات في خضم عمليات عسكرية متواصلة للجيش لاستعادة السيطرة على عدد من المواقع الاستراتيجية التي خسرها في الأيام الأولى للحرب قبل نحو عامين، ومنها القصر الرئاسي الذي أحكمت الدعم السريع السيطرة عليه ونشرت فيه قوات النخبة التابعة لها، ونصبت حوله عدد من المضادات الأرضية وأجهزة التشويش.

وفرض الجيش حصارا مُحكما حول مواقع قوات الدعم السريع في وسط الخرطوم، بما في ذلك القصر الجمهوري، للسيطرة على المنطقة السيادية، التي تحمل رمزية واستراتيجية، وقد تؤثر على مسار الصراع.

واستخدم الطرفان جميع أنواع الأسلحة، من مدفعية وطيران مسيّر ومدرعات، حيث أظهرت مقاطع مصورة القصف العنيف الذي طال محيط القصر الرئاسي، مما يسلط الضوء على الأوضاع المتوترة في المنطقة.

ونقل موقع "سودان تربيون" عن مصادر عسكرية مطلعة على الأمر قولها إن الدعم السريع سعت لإدخال قوات إسناد من جنوب الخرطوم في ساعات الفجر الأولى من اليوم الخميس، لكن الجيش تمكّن من قطع طريق الإمداد باستخدام الطيران والمدفعية.

كما تحدثت المصادر عن إحباط تحركات عناصر الدعم السريع للهروب من القصر الرئاسي ووسط الخرطوم فيما يشبه المحاولة الانتحارية، لكنها تكبّدت خسائر فادحة في الأرواح والآليات القتالية.

وقال إعلام سلاح المدرعات التابع للجيش، في منشور عبر حسابه على فيسبوك إنه "تم تدمير قوات الميليشيا التي تحاول الهروب من محيط القصر الجمهوري".

وأفاد موقع "سودان تربيون" نقلا عن مصادر عسكرية بأن "الطيران المسيّر تمكّن من القضاء على نحو 35 مركبة عسكرية على طول شارع القصر الجمهوري، كانت تخطط للتوجه إلى جنوب الخرطوم".

وتحدثت المصادر عن تدمير مجموعات داخل السوق العربي، وقوة أخرى في شارع النيل بالخرطوم، إضافة إلى ثالثة حاولت مغادرة منطقة المقرن تجاه أم درمان عبر القوارب النيلية.

وأشارت المصادر إلى أن من بين المركبات التي تم تدميرها شاحنات نقل جنود ومركبات خاصة بالذخيرة والأسلحة، فضلا عن مركبات تحمل أجهزة تشويش كانت الدعم السريع تخطط لنقلها إلى مواقع سيطرتها في جنوب الخرطوم.

وفي المقابل، أكدت عناصر من الدعم السريع أنهم لا يزالون يسيطرون على وسط العاصمة الخرطوم، مشيرين إلى أن قواتهم متصلة ببعضها البعض حتى منطقة جزيرة توتي.

وأوضح أفراد من الدعم السريع في تصريح لموقع "دارفور 24" أنهم يحتفظون بالسيطرة على المناطق المركزية في الخرطوم، حيث تتواصل قواتهم بشكل متكامل حتى تصل إلى جزيرة توتي الواقعة في نهر النيل الأزرق.

وشهدت الأيام القليلة الماضية تصاعدا ملحوظا في حدة القتال، حيث تمكن الجيش السوداني والمجموعات المتحالفة معه من التقدم نحو وسط الخرطوم واستعادة السيطرة على مواقع كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وأكدت المصادر العسكرية أن المعارك التي دارت في عدة مناطق أسفرت عن وقوع خسائر فادحة في صفوف الجيش، إلا أنه تمكن من إحكام الحصار على القوات المحاصرة.

وفي إطار هذه العمليات، قامت قوات الجيش بتمركز قناصين في مواقع استراتيجية، مما أعاق وصول التعزيزات العسكرية إلى قوات الدعم السريع المحاصرة في القصر الجمهوري. وهذا التكتيك يعكس الاستراتيجية العسكرية المتبعة من قبل الجيش لتعزيز موقفه في المعركة، ويشير إلى استمرار الصراع في المنطقة وسط تزايد التوترات.

وأشارت المصادر إلى أن الجيش السوداني يعتمد في تقدمه على طائرات مسيرة متطورة، مما جعل قوات الدعم السريع غير قادرة على التشويش عليها أو تجنب ضرباتها.

وفي هذا السياق، أفادت مصادر أخرى بأن قوات الدعم السريع قد عَدَّلت استراتيجيتها القتالية في الخرطوم، حيث بدأت تستخدم الدراجات النارية والأسلحة الخفيفة بالإضافة إلى المدافع المتطورة.

وذكرت المصادر أن قوات الدعم السريع أرسلت تعزيزات عسكرية إلى الخرطوم، وحاصرت قوات الجيش التي تقدمت مؤخرًا من الاتجاه الجنوبي.

ونفت المصادر أن تكون قوات الدعم السريع في القصر الجمهوري محاصرة، وأوضحت أن هناك بعض الطرق لا تزال مفتوحة لتلقي الإمدادات، دون تحديد تلك المسارات.

وفي الأسابيع الأخيرة، حقق الجيش السوداني تقدما في عدة مناطق استراتيجية، مثل كردفان وبحري وغيرها من المناطق، بعد معارك ضارية ضد قوات الدعم السريع. هذا التقدم الميداني لم يكن ليحدث لولا الدعم العسكري الذي تلقاه الجيش من دول إقليمية مثل إيران وتركيا، بالإضافة إلى الدعم المستمر من مصر.

ورغم هذه الانتصارات فإن قوات الدعم السريع تواصل السيطرة على معظم غرب السودان وأجزاء من العاصمة الخرطوم، لكنها تتكبد خسائر كبيرة في وسط البلاد. وتواصل الحرب، التي بدأت عقب الانقلاب العسكري في 2021، تصعيدها بعد الخلافات حول خطط تسليم السلطة بين العسكريين، ما جعل من الصراع أزمة مفتوحة تهدد وحدة البلاد.

ولا تقتصر الحرب في السودان على الصراع العسكري فقط، بل أسفرت عن أكبر أزمة إنسانية في العالم، حسب تصنيف الأمم المتحدة. الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل الطرفين، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أضافت مزيدًا من التعقيد للأزمة. مئات الآلاف من المدنيين لاقوا حتفهم أو تعرضوا للتهجير، في وقت تشهد فيه البلاد تدميرًا للبنية التحتية وتزايدًا في معدلات الفقر والجوع.

وتستمر التدخلات الإقليمية والدولية في تأجيج الصراع، حيث تلعب بعض الدول دورًا في تقديم الدعم العسكري لأحد الأطراف. في حين تسعى بعض القوى الدولية للضغط على الأطراف المتصارعة لوقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات، يبقى الجيش السوداني متمسكًا بحل الحسم العسكري. كما أعلن قائد قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية في نيروبي، مما يزيد من تعقيد أي مساعٍ للتوصل إلى تسوية سياسية بحسب بعض المراقبين.

ويبقى السودان في مسار مجهول وسط تصاعد الصراع العسكري الذي لا ينذر بأي حلول قريبة ما يثير تساؤلات حول ما إذا كان التقدم الذي يحرزه الجيش سيؤدي إلى حسم الصراع أم أن الحرب ستستمر في تعميق الانقسام والدمار. وفي ظل تزايد المعاناة الإنسانية، يبقى الأمل في الوصول إلى حل سلمي ضعيفًا، مع استمرار التوترات العسكرية والمواقف السياسية المتباينة.