الجيش السوداني يعتمد أسلوب الترغيب والترهيب لجر الحركات المسلحة في الشرق إلى الحرب

يحاول الجيش السوداني إقناع الحركات المسلحة المتحفظة على الحرب في شرق البلاد بتعديل موقفها وإسناده في جبهات القتال ضد قوات الدعم السريع، لكن جهوده تواجه بممانعة، الأمر الذي يفاقم التوترات في المنطقة.
بورتسودان (السودان) - تعتمد قيادة الجيش السوداني سياسة العصا والجزرة في جر الحركات المسلحة التي ارتأت البقاء على الحياد في شرق السودان، إلى الانخراط في الحرب إلى جانبها في مواجهة قوات الدعم السريع. وترفض بعض الحركات المسلحة وفي مقدمتها حركة تحرير شرق السودان المشاركة في الحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل 2023، التي أدت إلى سقوط الآلاف من الضحايا، فضلا عن أزمة إنسانية تصنف على أنها الأسوأ في العالم.
والتقى قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان الأسبوع الجاري بسبعة من نظار القبائل في ولايتي كسلا والبحر الأحمر، بعد توتر طفى على السطح بين الجيش وحركة تحرير شرق السودان الأسبوع الماضي إثر احتجاز الأوّل للآلاف من أنصار الحركة لساعات على الحدود مع دولة إريتريا المجاورة أثناء عودتهم من مهرجان نظمته الحركة في معسكرها بالمناطق الحدودية في أريتريا.
وكانت حركة تحرير شرق السودان اتهمت جهات لم تسمها بافتعال المشكلات، وتدبير المؤامرات خدمة لمصالح أطراف أخرى تسعى للزعزعة أمن واستقرار شرق السودان. واعتبرت الحركة، في بيان، أن منع الجيش للآلاف من أنصارها من العودة إلى البلاد، بعد المشاركة في احتفالات الذكرى الأولى لتأسيسها في دولة إريتريا، أمر مدبر. واستهجنت تعاطي الجيش مع أنصارها بحجة عدم التنسيق مع السلطات، ووصفت ذلك بالحجة الواهية. مبينة في الوقت ذاته إنها تمكنت من تجاوز الأزمة.
وتشكلت حركة تحرير شرق السودان في ديسمبر 2023، وتستضيف دولة إريتريا معسكرات تدريبها ضمن 8 حركات أخرى. ورأت الحركة أن ما جرى من قبل الجيش هو محاولة لجر جماهيرها إلى مربع التأزيم لخلق أجواء ملائمة لضرب مكتسبات الحركة واستقلالية قرارها.
وكان قائد حركة تحرير شرق السودان شدد في خطاب بمناسبة الذكرى الأولى لتأسيس الحركة على بقائهم على الحياد في الحرب الجارية بين الجيش والدعم السريع. ويرى متابعون أن أحد أهداف لقاء البرهان بنظار كسلا والبحر الأحمر هو التدخل لدى الحركات المسلحة المتحفظة على المشاركة في الحرب، وإقناعها بضرورة تعديل موقفها.
◙ أحد أهداف لقاء البرهان بنظار كسلا والبحر الأحمر التدخل لدى الحركات المسلحة المتحفظة على المشاركة في الحرب
ويشير المتابعون إلى أن إحدى الأوراق التي يساوم بها البرهان القوى المسلحة والأهلية التي تصر على البقاء على الحياد في شرق السودان، هي تمثيلها في مجلس السيادة وباقي الهياكل والمؤسسات الحكومية. ويشكو قادة من شرق السودان من عملية تهميش ممنهجة، وتعطيل مستمر لتمثيلهم في مجلس السيادة، ويرفضون تبريرات البرهان بشأن ضرورة حصول اتفاق فيما بينهم أولا قبل الحديث عن تعيين أي شخصية من المنطقة.
وشهد شرق السودان خلال الفترة الانتقالية توترات واسعة إثر تعيين صالح عمار والي لولاية كسلا، وأدت إقالته إلى مظاهرات سقط خلالها قتلى وجرحى. ومنذ انقلاب 25 ديسمبر، ظل مقعد شرق السودان في مجلسي السيادة والوزراء شاغرا، قبل أن يتم تعيين شخصين من الشرق في مقعدي وزارة النقل والشؤون الدينية والأوقاف في التعديل الوزاري الذي جرى في نوفمبر الماضي.
ويستبعد محللون أن يفضي اللقاء الذي عقده البرهان مع عدد من نظارات ولايتي كسلا والبحر الأحمر إلى أي اختراق على مستوى إقناع الحركات المسلحة التي تتخذ موقفا محايدا من الحرب، وأيضا في تهدئة الاحتجاجات الناجمة عن سوء إدارة الحكومة الموالية للجيش للوضع في المنطقة.
وتشهد ولايتا كسلا والبحر الأحمر احتجاجات مستمرة تشمل إغلاقا للطرق وللمؤسسات العامة لدوافع مطلبية وأخرى ذات طابع قبلي. ونظم محتجون منذ ديسمبر أكثر من 20 تحركا احتجاجيا، بحسب ما رصده راديو دبنقا المحلي. وأغلق عشرات المحتجين الخميس مقر وزارة المالية في كسلا احتجاجاً على اتجاه لإعفاء مدير عام وزارة المالية. ورهن المحتجون رفع الاعتصام والسماح بمزاولة العمل في الوزارة بإبقاء المدير في مكانه.
وشهدت مدينة بورتسودان، الثلاثاء الماضي، احتجاجات واسعة بسبب انتهاء فترة استبدال العملة دون أن يتمكنوا من استبدال مدخراتهم. ولا تكاد الاحتجاجات تهدأ في مدينة سواكن هذه الأيام ولاسيما في ميناء عثمان دقنة، على خلفية عدم صرف المرتبات، وإيقاف مدير هيئة المواصفات والمقاييس بالميناء عن العمل وتحويله للتحقيق.
وفي ديسمبر الماضي، أغلق محتجون ميناء عثمان دقنة ومباني إدارة هيئة الموانئ البحرية في بورتسودان رفضا لقرار هيئة الموانئ البحرية بنقل مدير ميناء سواكن إلى ميناء آخر، وفي اليوم التالي صدر قرار من وزير النقل بإلغاء القرار، الأمر الذي رفضه مدير هيئة الموانئ البحرية، مما أدى إلى إقالته من منصبه، وعلى إثر ذلك أغلق محتجون مباني إدارة هيئة الموانئ البحرية وطريق الساحل الرئيسي رفضا للقرار وطالبوا بإعادته فوراً، وأدت الاحتجاجات إلى تراجع وزير النقل عن قراره بموجب اتفاق يقضي بإلغاء مدير هيئة الموانئ البحرية لقائمة التنقلات.
◙ الجيش ومن ورائه الحركة الإسلامية يحاولان الاستفادة من الانقسامات القبلية ويخاطران بانقلاب الوضع لغير صالحهما
كما أغلق محتجون مباني أمانة الحكومة، في ذات الشهر، بسبب عدم وفاء حكومة الولاية بتعويضاتهم البالغة أكثر من 19 مليار جنيه جبر أضرار لشق طريق. واندلعت احتجاجات في مناطق عديدة من ولايتي كسلا والبحر الأحمر بسبب اعتقال معلم والقبض على زعيم قبلي، وفرار متهمين بالقتل من سجن سواكن، فضلاً عن إغلاق أحد الطرق الرئيسية للمطالبة بالماء أو نافذة بنكية لاستبدال العملات.
وتتخذ قيادة الجيش السوداني والحكومة الموالية لها من مدينة بورتسودان شرق السودان مقرا بعد سيطرة قوات الدعم السريع على العاصمة الخرطوم مع اندلاع الحرب، ورغم محاولات الجيش إظهار السيطرة، لكن الأوضاع في المنطقة تموج بالتوترات.
ويرى مراقبون أن الجيش ومن خلفه الحركة الإسلامية يحاولان الاستفادة من الانقسامات القبلية في المنطقة، لكنهما يخاطران بانقلاب الوضع لغير صالحهما، وهو ما يظهر في بروز حركات مسلحة غير راضية على مسلك الجيش، وأيضا في تصاعد الاحتجاجات الشعبية.
وأعلنت مجموعة باسم تجمع شرق السودان الأحرار في ديسمبر عن إنشاء قوة مسلحة محملة قيادة الجيش المسؤولية الكاملة عن أي انفلاتات أو مواجهات قد تحدث في الشرق، باعتبارها السبب الرئيسي لما يجري في المنطقة
ودعت المجموعة جميع الإدارات الأهلية، والأعيان، وقادة المجتمعات، من (نظار وعُمد ومشايخ)، إلى الابتعاد عن أي أعمال عسكرية أو إثارة الفتن والتفرقة بين مكونات شرق السودان، وشددت على أهمية الدعوة للسلام والعمل على رأب الصدع ورتق النسيج الاجتماعي بين مكونات الشرق.