الجيش السوداني يدفع إلى الصدام بين الحركات المسلحة والدعم السريع

الخرطوم- بعد أن فقد الجيش السوداني تمركزاته الرئيسية في غالبية مناطق دارفور وتمكن قوات الدعم السريع من السيطرة على نيالا وزالنجي والجنينة، يسعى للزج بالحركات المسلحة للدفاع عن مدينة الفاشر، كآخر ورقة يناور بها حاليا في الإقليم.
يأتي هذا في ما يرى مراقبون أن الحل العسكري في الفاشر قد يفجر أزمة كبرى تطال شظاياها الجميع بما في ذلك الجيش وقوات الدعم السريع بإشعال فتنة قبلية، وأن الحل في حسم موضوع المدينة بشكل سلمي.
واستقطبت قيادات في الجيش حركات مسلحة وقّعت على اتفاق جوبا للسلام وأخرجتها عن حيادها المعلن منذ اندلاع الحرب مع الدعم السريع منتصف أبريل الماضي، أملا في وقف زحف الأخيرة على مدينة الفاشر التي تعني السيطرة عليها انحسار وجود عناصر الجيش على شرق السودان وبعض المناطق الأخرى في حزام الخرطوم.
يقوم تكتيك الجيش السوداني والقيادات الإسلامية النافذة فيه على تهيئة الأجواء لإشعال حرب أهلية في دارفور بعد خسارة معارك عديدة في الإقليم، تصبح فيها بعض الحركات المسلحة رأس حربة لوقف توالي انتصارات قوات الدعم السريع التي فطنت إلى هذا المخطط وتمهلت في القيام بهجوم واسع على مدينة الفاشر حتى الآن.
تكيك الجيش السوداني والقيادات الإسلامية النافذة فيه يقوم على تهيئة الأجواء لإشعال حرب أهلية في دارفور
ويعتقد فلول نظام الرئيس السابق عمر البشير من النافذين داخل قيادة الجيش أن بيئة دارفور ورواسب الحرب السابقة تساعدهم على إشعال حرب جديدة وتفجير بركان قد يقلب حسابات قوى حمّلت الجيش مسؤولية ما حدث من دمار في السودان.
ويعتقد هؤلاء أن معادلة دارفور العسكرية التي يتم الدفع نحوها تخفف انخراط قوات الدعم السريع في معارك الخرطوم ومناطق أخرى، وتفرض عليها التركيز على الفاشر.
وتتمركز في مدينة الفاشر عدة حركات مسلحة وقعت على اتفاقية السلام في جوبا مع الحكومة السودانية في أكتوبر 2020، وتولدت عنها هياكل أمنية هشة تحظى برعاية من الجيش، باعتبارها أداة للدفاع عن المدينة التي تعد آخر حصن له.
وشكلت الحركات المسلحة بموجب اتفاق جوبا قوة لـ”حماية المدنيين”، وأعلنت عن تبني الحياد منذ اندلاع الحرب، وحاولت الزحف من ولاية شمال دارفور إلى ولايات أخرى، لكن قوات الدعم السريع فاجأتها بتحركات سريعة حرمتها من هذه الفرصة.
وتسبب تباين مواقف الحركات المسلحة من الحرب لاحقا في التأثير على دورها في معارك دارفور والسودان عموما، حيث أعلن زعيما حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، الانحياز للجيش، بينما اختار قائدا حركتي تجمع تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، والمجلس الانتقالي بقيادة الهادي يحيى إدريس، التمسك بالحياد المعلن سابقا.
ويُتهم أنصار النظام السابق من قبل قيادات في دارفور بأنهم يريدون جر الإقليم إلى حرب أهلية جديدة ولذلك طلبوا من الفواعل المحلية درء الفتنة القبلية وفضح أطرافها.
وأكد المحلل السياسي السوداني سليمان سري أن الحركات المسلحة تتواجد بمناطق في شمال دارفور تسيطر عليها قوات الجيش والدعم السريع، وإعلان خروجهم عن الحياد لم يفض إلى جديد حتى الآن، وليس من المتوقع أن يشكلوا قوة رئيسية في الحرب، ويقتصر تواجدهم على حماية بعض الأسواق والمدنيين، بالتالي فإنهم لا يشكلون عائقاً عسكرياً أمام سيطرة الدعم السريع على الفاشر.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الدعم السريع تحرص على عدم استهداف جيوش الحركات المسلحة، حيث لديها مصالح متشابكة معها في دارفور، ومن غير المستبعد أن تكون هناك تفاهمات بينهما لتأمين المناطق التي سيطرت عليها الدعم السريع، لافتا إلى أن انحياز الحركات للجيش تكتيكي كي لا يخسروا مواقعهم في السلطة بعد ضغوط قوية مارسها الجيش عليهم.
واستبعد سليمان سري حدوث مواجهة بين الدعم السريع والحركات المسلحة، وهو ما يحتاج إلى مواقف أكثر إيجابية من قادة الحركات ليكونوا طرفا مؤثرا في معادلة الركون إلى الحلول السياسية بدلاً من الحسم العسكري.
ويساعد حسم معركة الفاشر عبر تفاهمات مشتركة في حسم الأمر سلميا بدلا من الدخول في معارك عسكرية تترك خلفها مرارات مجتمعية وسياسية وأمنية تؤثر على مصير الإقليم ورسم خارطته مستقبلا.
وأوضح يحيى النور مستشار حركة تحرير السودان أن الجيوش التي تتمركز في الفاشر خاضعة للقوة المشتركة التابعة للحركات الموقعة على اتفاق جوبا، وهي المأوى الوحيد، ما يجعلها حذرة في الصدام، وحذرة أكثر في تلاشيه، فإما أن تصبح رقما في المرحلة المقبلة التي سوف يتحدد فيها مصير إقليم دارفور أو تدخل في معارك ضارية ضد الدعم السريع وتلقى هزيمة منكرة تقود إلى تحلل من بقي منها.
ويقول مراقبون إن اجتياح الدعم السريع للفاشر يشعل فتنة بين القبائل العربية المساندة لها وبين قبيلة الزغاوة التي تتشكل منها غالبية عناصر الحركات المسلحة، ما يعيد إلى الأذهان صراعات سابقة نشأت بين القبائل العربية والأفريقية، قد تكون لها تداعيات إقليمية بحكم التداخل الكبير بين قبيلة الزغاوة في دارفور وروافدها في تشاد.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن قوات الدعم السريع لا تريد خسارة تشاد أو إحراجها سياسيا، ما يعني أن اقتحام الفاشر يمكن أن يتأجل أو يتم إلغاؤه إلى حين إيجاد صيغة يتم بموجبها التفاهم مع الحركات المسلحة، كوسيلة لضمان الحصول على قدر من الهدوء، وتفويت الفرصة على مخطط قيادات في الجيش لتحويل المدينة إلى ساحة معارك ممتدة بينهما، تؤثر على تمركز الدعم السريع في ولايات أخرى.
وذكر المتحدث الرسمي باسم حركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد نور، أن وصول رئيس أركان جيش الحركة يوسف كرجكولا إلى الفاشر أخيرا ليست له علاقة بالتنسيق العسكري مع أي جهة، وذلك ردا على إعلان القوة المشتركة تنسيقها مع الحركة.
وذهب كرجكولا إلى الفاشر على رأس قوة عسكرية للمشاركة في حماية المدنيين في الرابع والعشرين من نوفمبر الجاري، وكان في استقباله قادة من القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة والمقدم في الجيش الصادق الفكة.
ونقلت تقارير سودانية على لسان المتحدث باسم حركة تحرير السودان، جناح عبدالواحد نور، “الحركة ليس لها تنسيق مع أيّ جهة، وتواجد رئيس أركانها في الفاشر ليست له علاقة بدعم أحد طرفي الحرب.. ولم ولن تنسق مع الجيش”.
وتبلغ مساحة إقليم دارفور حوالي 500 ألف كيلومتر مربع، ويعيش فيه نحو 6 ملايين نسمة، وله حدود برية مفتوحة مع تشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا.