الجيش السوداني يخرق الهدنة ويقصف أسراه لدى قوات الدعم السريع

الخرطوم – دخلت الولايات المتحدة الأميركية على خط الأزمة المستعرة في السودان بعدما أعلنت أن وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، أجرى اليوم الثلاثاء اتصالين هاتفيين مع قائد الجيش الفريق الأول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق الأول محمد حمدان دقلو "حميدتي" ودعاهما إلى وقف لإطلاق النار لمدة 24 ساعة.
ورغم إعلان قوات الدعم السريع في بيان عبر موقعها الإليكتروني وصفحاتها على فيسبوك وتويتر موافقتها على الهدنة لمدة يوم لضمان مرور آمن للمدنيين وإجلاء الجرحى، إلا أن الجيش نفى علمه بها وتمادى في القصف الجوي لكن هذه المرة أصابت أسراه المصابين لدى قوات حميدتي.
وقالت قوات الدعم السريع السودانية والتي تخوض مواجهات عنيفة منذ أيام مع قوات الجيش في بيان اليوم الثلاثاء "امتدادًا لخروقاتها المستمرة للقانون الدولي والانساني منذ اندلاع المعارك يوم السبت الماضي وجهت قيادة القوات المسلحة الانقلابية ضربة عسكرية بالطيران الحربي قبل قليل للدائرة الطبية لقوات الدعم السريع".
وأوضح البيان أن الموقع المذكور يقع داخل نطاق تواجد المدنيين بحي شمبات بمدينة بحري شمالي الخرطوم.
وأضاف الدعم السريع أن طيران الجيش استهدف خلال الهجوم "أسرى القوات المسلحة والمصابين من الطرفين والمدنيين الذين يتلقون المساعدات الطبية والانسانية داخل مستشفى الدائرة الطبية".
واعتبرت أن "المسلك الجبان الذي يخالف القوانين والأعراف الدولية والفطرة البشرية السليمة"، يجب أن "يجد الإدانة الواسعة من الأسرة الدولية ومحاسبة المسؤولين".
وفي وقت سابق الثلاثاء، قال حميدتي إن قوات "الدعم السريع" وافقت على هدنة إنسانية لمدة يوم لضمان مرور آمن للمدنيين وإجلاء الجرحى، لكن الجيش السوداني اعتبر أن إعلان "التمرد" (في إشارة للدعم السريع) لهدنة 24 ساعة يهدف للتغطية على الهزيمة الساحقة التي سيتلقاها خلال ساعات".
ويشير هذا الخرق للهدنة الإنسانية إلى أن خيارات الجيش صارت محدودة بعد أن أخفق في كسب تأييد الرأي العام والأحزاب السياسية والمجتمع المدني وقوى إقليمية ودولية.
وقال قائد قوات الدعم السريع اليوم الثلاثاء إنه تحدث هاتفيا مع وزير الخارجية الأميركي وأنهما "ناقشا القضايا الملحة".
وأضاف حميدتي في تغريدة على تويتر أنه أكد لوزير الخارجية الأميركي التزامه بتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية للشعب السوداني".
ولفت قائد قوات الدعم السريع، إلى أنه يؤكد التزامه الثابت بحماية المدنيين في مناطق سيطرته. مشيرا إلى أنه يدرك التحديات الماثلة أمامه، ويقف بحزم ضد التطرف الذي يقوض التقدم نحو مجتمع عادل وديمقراطي.
وشكر حميدتي وزير الخارجية الأميركي والولايات المتحدة لدعمهما المستمر والتزامهما المشترك لاستعادة الاستقرار في السودان. مؤكدا أنه سيكون هناك اتصال آخر لمواصلة الحوار والعمل يداً بيد من أجل بناء مستقبل أكثر إشراقاً لشعوبنا".
وكشف لاحقا اليوم الثلاثاء في بيان عن أن قوات الدعم السريع "تخوض اليوم معركة الكرامة من أجل استرداد حقوق شعبنا في الحرية والعدل والديمقراطية، لقد انطلقت منذ السبت الماضي ثورة جديدة".
وتدور، منذ السبت الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها بالعاصمة الخرطوم، حيث تمكنت قوات الدعم السريع من تحقيق انتصارات كاسحة بسيطرتها على مقار استراتيجية، من بينها القصر الجمهوري بالخرطوم ومقر القيادة العامة للقوات المسلحة وعدد من المطارات العسكرية والمدنية.
بينما أصيب الجيش السوداني بخيبة كبيرة بتكبده خسائر فادحة وبات محبطا وغير قادر على الصمود بعد أن شهد انشقاقات واسعة في صفوفه.
وبثت قوات الدعم السريع في السودان، اليوم الثلاثاء، لقطات فيديو لانتشار عناصرها داخل مطار الخرطوم وبسط سيطرتها على القصر الجمهوري.
وأظهر الفيديو، الذي أوردته قوات الدعم السريع عبر حسابها بموقع "فيسبوك" اليوم، اشتعال النيران في طائرات مرابطة على الأرض، فضلا عن سماع دوي انفجارات وأصوات رصاص، وانتشار عرباتها وأفرادها في مطار الخرطوم كما ورد على لسان أحد مسلحيها .
كما بثت فيديو ثان لانتشار العشرات من عناصرها داخل القصر الجمهوري وهم يتجولون في ساحاته ووتتحرك عرباتهم بكل سهولة ويسر بشكل يشير إلى بسط سيطرتهم التامة على الموقف.
ووفقا للخارجية الأميركية فقد تحدث بلينكن أيضا إلى قائد الجيش السوداني، وذكرت أنه حث الجانبين على الاتفاق على وقف لإطلاق النار وأكد مسؤولية الطرفين عن ضمان سلامة المدنيين والدبلوماسيين والعاملين في المجال الإنساني.
وأتت تلك الدعوة بعد أن تعرض دبلوماسيين لاعتداءات حيث تعرضت قافلة دبلوماسية أميركية لاطلاق نار فيما افاد الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الامنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن تعرض سفير الاتحاد في السودان ايدن اوهارا لاعتداء في مقر اقامته دون توضيح ان كان السفير تعرض للاذى او الجهة المتورطة.
كما أسفرت الطلقات النارية العشوائية عن مقتل ثلاثة من موظفي برنامج الأغذية العالمي في دارفور.
وعجزت "الممرّات الإنسانية" التي أعلنها الطرفان المتحاربان لمدة ثلاث ساعات بعد ظهر الاثنين عن تغيير الوضع الميداني، فاستمرّ سماع إطلاق النار ودويّ انفجارات في الخرطوم.
وأدت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مقتل 185 شخصا وإصابة أكثر من 1800 وسط ضربات جوية واشتباكات في العاصمة ومخاوف من امتداد الصراع إلى جميع أنحاء البلاد.
وتصاعد الدخان في العاصمة الخرطوم، وأفاد السكان بسماع دوي الضربات الجوية ونيران المدفعية وإطلاق النار، مما أدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية وإلحاق أضرار بالمستشفيات في المدينة التي لم تعتد وقوع أحداث عنف.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس في تصريحات للصحافيين عبر رابط فيديو "الطرفان المتقاتلان لا يعطيان انطباعا بأنهما يريدان وساطة من أجل سلام بينهما على الفور".
مع استمرار الاشتباكات في الخرطوم لليوم الرابع على التوالي، قالت قوات الدعم السريع في السودان، الثلاثاء، إنها تخوض معركة لاسترداد "حقوق شعبنا".
وأضافت في بيان أن "لقد انطلقت منذ السبت الماضي ثورة جديدة حققت انتصارات متوالية وما زالت مستمرة لبلوغ غاياتها النبيلة وفي مقدمتها تشكيل حكومة مدنية تمضي بنا نحو تحول ديمقراطي حقيقي".
وفي بيان جديد شديد اللهجة صدر، صباح اليوم الثلاثاء رفضت قوات الدعم السريع أي قرار صادر عن قائد الجيش معتبرة أنه باطل جملة وتفصيلاً.
واعتبرت أن دعوة قائد الجيش الأخيرة لعناصرها من أجل إلقاء السلاح، واعدا بإعفائهم من العقوبات أو الملاحقة، باطلة.
ووصفت البرهان بالإرهابي الذي يبحث عن نصر زائف، وهو مختبئ في جحر تطارده قواتنا الباسلة.
كما اعتبرت أن "من لا يستطيع حماية نفسه وهو مولي الأدبار لا يملك حق إصدار القرارات، وكما قيل فاقد الشيء لا يعطيه"، في إشارة إلى البرهان والقرارات التي أفصح عنها خلال الساعات الماضية.
إلى ذلك، جددت قوات الدعم السريع دعوتها عناصر القوات المسلحة بالانضمام لخيارات الشعب في الحرية والديمقراطية"، وأكدت أنها ستضمن معاملة أسرى القوات المسلحة معاملة إنسانية.
كما طمأنت أسرهم بأن أبناءهم في أيدٍ أمينة، وسيجدون الرعاية الطبية التي يستحقونها.
وكان البرهان أصدر قراراً بوقت سابق اليوم بالعفو عن كل من يضع السلاح من قوات الدعم السريع، واستيعابهم ضمن الجيش.
والقتال في الخرطوم ومدينتي أم درمان وبحري المجاورتين لها منذ يوم السبت هو الأسوأ منذ عقود وينذر بتمزيق السودان بين فصيلين عسكريين تقاسما السلطة خلال فترة انتقالية سياسية صعبة.
وفي كلمة بثها التلفزيون المصري في ساعة متأخرة من مساء الاثنين قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن بلاده تجري "اتصالات لا تنتهي مع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتشجيعهم وحثهم على إيقاف إطلاق النار وحقن دماء السودانيين واستعادة الاستقرار".
وبموجب خطة انتقالية مدعومة دوليا، كان من المقرر قريبا دمج قوات الدعم السريع مع الجيش، لكن البرهان وصف الاثنين قوات الدعم السريع بأنها جماعة متمردة وأمر بحلها وسط تبادل للاتهامات بين الجانبين.
ووصف حميدتي البرهان بأنه "إسلامي متطرف يقصف المدنيين من الجو" وقال في بيان "مثالا على ذلك مقر سفير بعثة الاتحاد الاوروبي في الخرطوم في محاولة مكشوفة لإجبارهم لمغادرة منازلهم لتنفيذ عمليات عسكرية بالطيران امتدادا لقذف الاحياء السكنية بالطائرات وانتهاك القانون الدولي والانساني فيما يتعلق بمعاملة الاسرى لا سيما أن الانقلابين نشروا فيديوهات لبعض الأشخاص ليس لهم صلة بالقوات ولا يرتدون أزيائها على انهم يتبعون للدعم السريع. وغيرها من الممارسات الموثقة التي صارت ماركة مسجلة باسم الإسلاميين المتطرفين".
ومن شأن استمرار العنف أن يؤدي إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة وأن يلعب دورا في التنافس على النفوذ هناك بين روسيا والولايات المتحدة وقوى أخرى في المنطقة تتودد إلى جهات فاعلة مختلفة في السودان.
ومصر، التي طالما كان التغيير السياسي في الخرطوم مبعث قلق لها، أهم الداعمين للقوات المسلحة السودانية.
وقال البيت الأبيض إنه لا توجد لدى الحكومة الأميركية أي خطط للقيام بعمليات إجلاء من السودان في الوقت الحالي.
وأُغلقت المكاتب والمدارس ومحطات الوقود في العاصمة الاثنين، بينما واجهت المستشفيات والخدمات الصحية على نطاق أوسع معوقات كبيرة في عملها. وقالت لجنة الأطباء المركزية، وهي جماعة نشطاء غير حكومية، إن معظم المستشفيات الكبرى خرجت من الخدمة.
كما أغلقت العربات المدرعة الجسور التي تربط الخرطوم بمدينتي أم درمان وبحري المجاورتين عبر الفرعين الرئيسيين لنهر النيل، كما كان من الصعب اجتياز بعض الطرق المؤدية لهما من العاصمة. وأظهرت لقطات تلفزيونية اندلاع حريق في المطار الدولي داخل المدينة.
ومع انقطاع خدمات المياه والكهرباء أيضا في أجزاء كبيرة من العاصمة، غامر بعض السكان بالخروج لشراء الطعام واصطفوا في طوابير طويلة عند المخابز.
ولم يكن هناك أي وجود للشرطة في شوارع الخرطوم منذ السبت وأبلغ شهود عن وقوع حالات نهب.
وقال عبدالسلام ياسين (33 عاما)، وهو صاحب متجر اشترى مخزونا إضافيا قبل عيد الفطر، إنه يخشى من نهب متجره بسبب عدم وجود شعور بالأمن.
وندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بتفجر القتال وحث على العودة إلى الهدوء، قائلا إن الوضع الإنساني غير المستقر بالفعل أصبح كارثيا الآن. وقال مارتن غريفيث منسق المساعدات بالأمم المتحدة إن القتال أدى إلى توقف العديد من برامج المساعدات. واندلع القتال مطلع الأسبوع عقب تصاعد التوتر حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وأدى الخلاف حول الجدول الزمني لعملية الدمج إلى تأجيل توقيع كان مزمعا هذا الشهر على اتفاق إطاري للانتقال إلى الحكم المدني.