الجيش السوداني يحرك دارفور لقطع إمدادات الدعم السريع إلى الخرطوم

جغرافيا الإقليم توفر مزايا عسكرية وقبلية لحميدتي لمواصلة القتال.
الجمعة 2023/04/28
احتدام الاقتتال ينذر بعودة شبح الحرب السابقة

الخرطوم- بدأ الجيش السوداني ينقل جزءا من معركته في الخرطوم إلى الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أملا في قطع الطريق على قوات الدعم السريع ومنع نقل معدات عسكرية من الإقليم إلى الخرطوم وقطع شرايين الجغرافيا التي تعمل لصالح هذه القوات ومحاولة تفريغ جيوبها من أي قوة مسلحة تمثل رديفا وحصنا لها.

ويشير اندلاع اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع في الجنينة إلى أن الأول يريد تخفيف الضغوط العسكرية في العاصمة الخرطوم التي تواصلت فيها المعارك قرابة أسبوعين دون حسم نهائي لأي من الطرفين، والسعي لشتيت انتباه الثانية التي تشكلت نواتها المسلحة الرئيسية في دارفور منذ حوالي عقدين من الزمان.

ويعيد احتدام الاقتتال في بعض مناطق دارفور، على الرغم من إعلان والي شمال دارفور أخيرا أن الأمور هادئة ومستقرة، شبح معارك سابقة خاضتها عدة حركات مسلحة ضد نظام الرئيس السابق عمر البشير، ووقتها كانت قوات الدعم السريع جزءا من الجيش وتعاون قائده الحالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان مع قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) وتمكنا معا من تكبيد الفصائل المسلحة خسائر فادحة.

◙ تواصل المعارك قرابة أسبوعين دون حسم نهائي لأي من الطرفين
تواصل المعارك قرابة أسبوعين دون حسم نهائي لأي من الطرفين

ويخشى الجيش السوداني تأثيرات البيئة الاجتماعية والجغرافية المتشابكة في إقليم دارفور حيث تنشط قوات الدعم السريع بحكم الامتدادات القبلية التي تصل إلى تشاد، وسط تداخل مكثف بين قبائل ومكونات اجتماعية مختلفة على جانبي الحدود، ولدى هذه القوات خبرة كبيرة فيها ربما تنحاز لصالحها في لحظة معينة من المعارك.

وأعلنت الحركات المسلحة المنتشرة في دارفور، وبعضها وقّع على اتفاق جوبا للسلام مع الخرطوم وبعضها لا يزال بعيدا عنه، أنها على مسافة واحدة من الطرفين المتحاربين، وهو ما سيخدم صالح الدعم السريع لاحقا، وعدد منها يشارك في الحكومة، فرئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم يتولى وزارة المالية، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو ميناوي يشغل منصب حاكم إقليم دارفور بولاياته الخمس.

ويقول مراقبون إن حياد الحركات المسلحة في دارفور، المنخرطة في الحكومة والمقاطعة لها، قد لا يستمر طويلا إذا اشتد القتال في الإقليم، ويمكن أن تنحاز إلى الجيش أو الدعم السريع، وسيحاول كلاهما استقطاب قادة الحركات إلى جانبه، خاصة أنهم يملكون عتادا عسكريا يمكن أن يلعب دورا في تغيير وجهة المعارك.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن هناك مخاوف سودانية من حصر القتال في دارفور، والعودة إلى شبح الحرب السابقة، فإذا تفوق الجيش على قوات الدعم السريع في الخرطوم لن يكون أمام الأخيرة سوى التحصن في دارفور، حيث تعرف البيئة جيدا، ولها روابط اجتماعية ومصاهرات في تشاد والكثير من أعضاء الحكومة في أنجمينا ينحدرون من قبائل تقيم على الحدود المشتركة وتدين بالولاء لحميدتي.

ولا يستبعد المراقبون أن تغير تشاد موقفها المحايد الذي أعلنته عقب اندلاع القتال وتُقْدم على فتح الحدود التي قالت إنها مغلقة، والتي عمليا لا تستطيع ضبطها بحكم التداخل القبلي وفائض الأسلحة الكبير، وكلها عوامل يمكن أن يستثمرها حميدتي.

وتعلم قوى إقليمية ودولية أن فتح جبهة دارفور يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الأهلية السابقة، لأن الجيش تمكن من دحر المتمردين في الإقليم بمساعدة قوات الدعم السريع خلال عهد البشير، وابتعاد هذه القوات عن الجيش حاليا سيمثل تحديا ونقطة ضعف للجيش في إمكانية سيطرته على المفاتيح الرئيسية في دارفور.

ويتأتّى قلق البرهان من إمكانية أن تعيد قوات الدعم السريع ترتيب أوراقها انطلاقا من دارفور التي تعرف جيدا تضاريسه الجغرافية والاجتماعية والسياسية والأمنية، ولذلك سعى الجيش لاستقطاب قياديين في الإقليم وتجنيد عناصر لصالحه خشية لجوء قوات الدعم السريع إلى حاضنتها الرئيسية وسد المنافذ على الجيش.

◙ الجيش يخشى تأثيرات البيئة الاجتماعية والجغرافية في دارفور التي ينتمي إليها حميدتي وتخدم صالحه

وشهدت ولايات دارفور، خاصة الجنينة، على مدار الأشهر الماضية اشتباكات قبلية أوقعت المئات من الضحايا، ولم يتمكن الجيش من ضبطها واتهم بالتقاعس وعدم الرغبة في التهدئة بسبب تخلف الجنرال البرهان عن نقل اتفاق الترتيبات الأمنية مع الحركات المسلحة إلى حيز التنفيذ، وعدم تعويض أصحاب المصلحة، وعدم حل مسألة عودة النازحين وتوفير الملاذات الآمنة لهم.

وتمثل هذه المحددات ثغرة في توجهات الجيش نحو دارفور لتضييق الخناق على قوات الدعم السريع، ولا ينسى أغلب سكان الإقليم أن عدم إنزال اتفاق جوبا للسلام على الأرض ببنوده الكاملة في دارفور يقع على عاتق البرهان، لأن حميدتي قام في الفترة الماضية بتوثيق علاقاته في الإقليم وأسهم في إطفاء الكثير من الحرائق والمعارك التي نشبت فيه.

كما أن المجتمع الدولي لديه ما يوصف بـ”فوبيا دارفور” حيث تمكن من وقف الحرب في الإقليم عبر تدخلات متباينة وإرسال قوات لحفظ السلام إلى هناك دون أن يحقق أهداف سكانه الذين يتطلعون إلى استتباب الأمن والاستقرار، وما يمنح حميدتي تفوقا نوعيا في الإقليم أنه ينحدر منه وأعاد صياغة علاقاته مع قواه الرئيسية مؤخرا.

ويريد الجيش كسر شوكة دارفور قبل أن تشتد قريبا وتخرج الأوضاع عن سيطرته، وهو ما يعيد إلى الأذهان مآسي عاشها السودان خلال عهد البشير، وعرّفت العالم بما يجري في دارفور، وحصرها في أبعاد إنسانية أدت إلى مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بمثوله أمامها هو وعدد من معاونيه.

ويعد إقليم دارفور كتلة اللهب الجديدة – القديمة، والتي يمكن أن تقلب الطاولة عسكريا وسياسيا واجتماعيا مع انفتاحها على جنوب شرق ليبيا وشرق تشاد وصولا إلى أفريقيا الوسطى، وهي منطقة بدأت تعج بمتطرفين وإرهابيين يمكن أن يشاركوا في المعارك بحكم ما يتردد حول علاقة البرهان بفلول النظام السابق، أو يحاربوا لأجل أنفسهم والقوى التي يتعاونون معها، وآنذاك ستنزلق دارفور إلى حرب لا يمكن أن يتكهن أي أحد بما ستؤول إليه.

 

• اقرأ أيضا:

          وساطات لأزمة السودان ومبادرات متعارضة تطفو على السطح

          الحرب في السودان أطلقها الإخوان ويستثمرها المتطرفون

1