الجيش السوداني متخوّف من مصير مشابه للجزيرة في سنار

تصاعد وتيرة الاعتقالات بحق المكون المدني يعود أيضا إلى أن الجيش يعتقد أن هناك تخادما بين النشطاء المدنيين وعناصر الدعم السريع.
السبت 2023/12/30
حملات تقودها الفلول لتسليح المدنيين

الخرطوم - تشهد ولاية سنار جنوب شرقي السودان حالة من الاستنفار في صفوف الجيش، وسط حملة اعتقالات واسعة تشنها الاستخبارات العسكرية مستهدفة بالأساس نشطاء مدنيين وسياسيين.

ويربط مراقبون المشهد المتوتر في سنار، التي كانت تعرف سابقا بعاصمة مملكة الفونج، بتخوّف قيادة الجيش من أن تكون الولاية المحطة التالية لقوات الدعم السريع بعد نجاحها في السيطرة على ولاية الجزيرة المتاخمة لها.

وكان انسحاب الفرقة الأولى مشاة من الجزيرة وعملية التسليم السلس للولاية إلى قوات الدعم السريع قد صدما قيادة الجيش، وأثارا خوفها من تكرار السيناريو ذاته في الولايات التي مازالت تسيطر عليها ومن بينها سنار.

وكشف حزب الأمة القومي عن اعتقال الاستخبارات العسكرية بسنار عددا من أعضاء الحزب المنخرطين في غرف الطوارئ بالولاية.

واعتبر حزب الأمة في بيان له أن هذه الانتهاكات بحق المدنيين تؤكد بجلاء “ضلوع الاستخبارات العسكرية في أجندة النظام البائد الانتقامية بحق السياسيين والناشطين والمدنيين”.

محمد الهادي: التهديدات في منطقة البحر الأحمر تعزز الضغوط على الجنرالين
محمد الهادي: التهديدات في منطقة البحر الأحمر تعزز الضغوط على الجنرالين

وكانت شبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة) أعلنت في وقت سابق إقدام الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش السوداني على اعتقال عضوة فيها وإحدى مرافقاتها في مدينة سنجة بولاية سنار.

وبحسب بيان للشبكة تم ‏في 25 ديسمبر الجاري اعتقال هيام عبده من شبكة صيحة وبرفقتها آلاء محمد عبدالله من قِبل الاستخبارات العسكرية في سنجة وهما في طريق عودتهما إلى ولاية سنار.

وأضاف البيان “‏نحن في شبكة صيحة مستاءون وقلقون للغاية إثر هذا الاعتقال؛ ونطالب بإطلاق سراحهما فورًا ونحمّل الحامية العسكرية بمدينة سنجة المسؤولية الكاملة عن سلامتهما”.

ويقول مراقبون إن حملة الاعتقالات التي تشنها الاستخبارات العسكرية تعود بالدرجة الأولى إلى عداء الجيش المتأصل للمكون المدني، الذي سبق وأن انقلب عليه في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، وأعاد تكرار الأمر في الخامس عشر من أبريل الماضي بشنه حربا على الدعم السريع على أمل قطع الطريق أمام تسليم المدنيين زمام السلطة.

ويشير المراقبون إلى أن تصاعد وتيرة الاعتقالات بحق المكون المدني يعود أيضا إلى أن الجيش يعتقد أن هناك تخادما بين النشطاء المدنيين وعناصر الدعم السريع، والذي ساهم بشكل ما في سقوط ولاية الجزيرة بأيدي الأخيرة.

وسبق أن وجه قائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان إلى القوى المدنية اتهامات بالتواطؤ مع قوات الدعم السريع، متوعدا إياها بدفع الثمن.

وشهدت الأيام الماضية مواجهات بين قوات الدعم السريع والجيش على الأطراف الغربية لولاية سنار، الأمر الذي عزز التكهنات بإمكانية تمدد قوات الدعم السريع في الولاية، وبالتالي وضع قدم لها في المنطقة الشرقية.

المعز حضرة: إرجاء اللقاء بين البرهان وحميدتي يجعل جميع الاحتمالات واردة
المعز حضرة: إرجاء اللقاء بين البرهان وحميدتي يجعل جميع الاحتمالات واردة

وأكد الأمين العام للحزب الاتحادي الوطني محمد الهادي أن تقدم قوات الدعم السريع إلى ولايات جديدة قد يشكل خطراً عليها، فربما لا تستطيع التحكم في المناطق الشاسعة من السودان، وقد ينفجر غضب المواطنين في بعض الولايات مع ارتكاب منفلتين وفارين من السجون جرائم تسهم في الفوضى.

وأشار الهادي إلى أن الولايات السودانية تعاني كارثة إنسانية وهناك مجاعات وغياب لتوفر أساسيات الحياة، ما يجعل الاستجابة لصوت العقل الآن مطلوبة لأن المواطنين الأبرياء سيدفعون الثمن.

ولفت الهادي في تصريحات لـ”العرب” إلى أن “التهديدات المستمرة في منطقة البحر الأحمر تعزز الضغوط على قائدي الجيش والدعم السريع للجلوس إلى طاولة واحدة بحثًا عن مخرج لإنهاء الحرب وإطلاق عملية سياسية حقيقية. والقوى المدنية لديها أولوية بضرورة إنقاذ الوضع الإنساني المتدهور قبل الاتجاه إلى أي عملية سياسية مستقبلية”.

وكان من الفترض عقد اجتماع بين البرهان وقائد الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) في جيبوتي استجابة لمقترح الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد)، لكن جرى تأجيله لدواعي فنية، بحسب الدعم السريع.

وينتظر أن يجري تحديد موعد جديد للقاء في يناير المقبل، لكن الوضع يبقى رهين المشاورات الجارية في الكواليس لتقريب وجهات النظر بين الجنرالين.

وقال القيادي في تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) المعز حضرة إن “القوى السياسية كانت تأمل أن يتم اللقاء بين البرهان وحميدتي في جيبوتي الخميس، وإن إرجاءه جعل جميع الاحتمالات ممكنة بما فيها إمكانية وصول قوات الدعم السريع إلى شرق السودان، ما يدفع إلى زيادة الانفلات الذي يصب في صالح أطراف لديها رغبة في إطالة أمد الصراع، في مقدمتها حزب المؤتمر الوطني المنحل”.

وأضاف حضرة في تصريحات لـ”العرب” أن “استمرار العمليات العسكرية لن يخدم الطرفين المتصارعين سواء استمرت قوات الدعم السريع في تقدمها أو أعاد الجيش ضبط الأمور لصالحه، فالذي يدفع الثمن هو السودان، وتبرهن الأوضاع الإنسانية الصعبة التي ظهرت في مناطق متعددة على أن الشعب لا يجد ملاذا آمنا، ومع وصول الاشتباكات إلى ولاية الجزيرة يضطر الرجال والنساء إلى الفرار طلبا للأمن، وكلما انتقلت المعارك إلى مناطق جديدة اشتدت الأزمة الإنسانية”.

وأوضح القيادي في قوى الحرية والتغيير أن القراءات السياسية والعسكرية للأوضاع الراهنة تشير إلى أن الجيش السوداني توقف عن القيام بواجبه تجاه الدفاع عن المدنيين، وأن دعاوى الاستنفار وتجييش الأهالي مقدمة لأن تتحول الحرب إلى صراع قبلي وجهوي، خاصة مع توالي مطالب حمل المدنيين للسلاح.

وظهرت حملات واسعة تقودها فلول النظام السابق لتسليح المدنيين في مواجهة تقدم قوات الدعم السريع، وبرزت هذه الحملات لاسيما في شمال السودان وشرقه، ما ينذر بإمكانية انفلات الوضع أكثر وتحول الحرب الدائرة إلى صراع عرقي وقبلي.

ويرى مراقبون أن الإشكال في السودان يكمن في وجود طرف رئيسي وهو فلول النظام السابق التي تسيطر على قرار قيادة الجيش، وليس من صالحها إيقاف الحرب، لأن ذلك يعني نهايتها.

ويقول المراقبون إن الحل بيد العقلاء من قادة المؤسسة العسكرية الذين عليهم التحرك واستعادة سلطة القرار، في هذه الحالة فقط من الممكن وضع حد للصراع والتوصل إلى تسوية تنهي الأزمة المندلعة منذ منتصف أبريل الماضي.

2