الجيش الروسي يواجه إخفاقات في السيطرة على دونباس

يُبقي إعلان الكرملين استعداده لعقد لقاء مباشر بين الرئيسين فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي آمال الدبلوماسية قائمة لوقف الحرب الأوكرانية. ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه القوات الروسية إخفاقات في السيطرة على المدن الأوكرانية.
كييف - يعكس استعداد موسكو لعقد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحولا لافتا في تعاطي الكرملين مع الحرب الأوكرانية، إذ أنه كان يرفض لوقت غير بعيد هذا اللقاء ويعتبره غير مجد، فيما يقول مراقبون إن الإخفاقات التي واجهت العملية العسكرية في روسيا كانت أحد أسباب تعديل الكرملين لموقفه.
وقال المتحدث الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف، إن روسيا لا تمانع من حيث المبدأ عقد اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكن يجب أن يتم تحضير الوثيقة النهائية.
وأضاف بيسكوف "لا أحد يرفض من حيث المبدأ إمكانية عقد مثل هذا الاجتماع، لكن يجب الاستعداد له جيدا. والتحضير لهذا الاجتماع يمكن ويجب أن يكون كذلك وأن الأمر يتعلق فقط بوضع وثيقة مناسبة، والتي يجب أن يتم الانتهاء منها بالفعل على أعلى مستوى". وتابع "لا يوجد تحرك بشأن الوثيقة حتى الآن. شروطنا معروفة جيدا وقد صيغت بوضوح ووضعت على الورق. كل هذا تم تسليمه للجانب الأوكراني ولا يوجد رد".
وتطالب روسيا بحياد أوكرانيا وعدم انضمامها للناتو واعتراف كييف بضم شبه جزيرة القرم لموسكو وكذا بالاعتراف باستقلال جمهوريتي لوهانسك ودونيتسك المعلنتين ذاتيا. غير أن أوكرانيا رفضت التخلي عن أي جزء من أراضيها.
أيّ من حروب روسيا في جورجيا والقرم وسوريا لم تهيّئ روسيا لمواجهة مقاومة عسكرية بمستوى القتال في أوكرانيا
وإن كانت نقاط الضعف التي كشف الجيش الروسي عنها في غزوه أوكرانيا فاجأت العالم بأسره وحملت موسكو على إعادة تركيز أهدافها على شرق البلاد، فإن قوات الكرملين تبدو أقل فاعلية مما كان مرتقبا في هذه المنطقة أيضا.
وبعدما كان الرئيس الروسي واثقا على ما يبدو عند شنه الهجوم العسكري في الرابع والعشرين من فبراير بأن كييف ستسقط خلال أيام، اضطر إلى الإقرار بعجز قواته عن السيطرة على العاصمة الأوكرانية وإسقاط نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وعند إعلان إعادة نشر جيشه في محيط الجزء الشرقي من أوكرانيا وفي منطقتي دونباس حيث يدور نزاع مستمر منذ 2014 مع الانفصاليين الموالين لروسيا، كان المراقبون الغربيون يخشون تراجعا سريعا للقوات الأوكرانية. وقال مارك كانسيان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن "كنا نتوقع أن يشن (الروس) هجوما من النمط السوفييتي، هذا لم يحصل"، مضيفا "استقدموا وحدات بصورة تدريجية، خطوة خطوة".
والنتيجة أن الجبهة في الشرق لا تشهد أي حركة، ما بين ضربات جوية وباليستية روسية مكثفة، وهجمات مضادة أوكرانية موضعية، لا بل أجبر الروس على التراجع في مدينة خاركيف (شمال) وخسروا بلدات صغيرة في هذه المنطقة الحدودية. وتبين أن الجيش الروسي ليس تلك القوة الهائلة التي كان يخشاها العالم بأسره.
وقال كانسيان "هذا ليس الجيش الأحمر الذي كان يزحف نحو النصر تاركا قتلاه وضحاياه خلفه، إنه جيش صغير عليه أن يبقي خسائره نصب عينيه" مشيرا إلى أن الروس "خسروا العديد من العناصر ذوي الكفاءة" خلال الأسابيع الأولى من المعارك الضارية.
وإن كان الكرملين نفسه أقر بتكبد “خسائر كبرى”، فإن بعض المصادر الغربية أفادت عن مقتل ما يصل إلى 12 ألف جندي روسي خلال بضعة أسابيع، فيما قدرت كييف الخسائر بـ25 ألف قتيل، وهي أعداد هائلة تؤثر على سير العمليات.
وبعيدا عن الصورة المهيبة التي ورثها الجيش الروسي، يصف الخبراء والمحللون العمليات الخارجية التي انخرط فيها مؤخرا بأنها خادعة، مشيرين إلى أن أيا من حروب روسيا في جورجيا عام 2008 والقرم عام 2014 وسوريا عام 2015 لم تهيئ قواتها لمواجهة مقاومة عسكرية بمستوى القتال في أوكرانيا.
وقال ضابط كبير فرنسي ملخصا الأمر “ليست هذه حرب بين داود وجليات” مشيرا إلى نوعية الجيش الأوكراني الذي أساءت موسكو تقدير قوته على ما يبدو. وحين ظهر توازن القوة الحقيقي على الأرض، وجد الروس صعوبة في التعامل مع الأمر. وتابع أن “التخطيط روسيا، على غرار تخطيط سلفه السوفييتي، يستند إلى حسابات رياضية لا تترك سوى هامش ضيق للمبادرة والتعامل مع حالات غير مطابقة للخطط”.
وركزت موسكو منذ نهاية مارس 80 في المئة من قواتها في الشرق، بالمقارنة مع 20 في المئة قبل ذلك، وتمكنت من إعادة نشر عدد كبير جدا من المدرعات ومن التكيف مع بعض تكتيكات الأوكرانيين.
صعوبات روسيا قد لا تنحصر في الجيش وحده، وهو ما يكشفه ضعف في تفويض الصلاحيات العسكرية على الأرض
غير أن ألكسندر غرينبرغ المحلل في معهد القدس للأمن الإستراتيجية لفت إلى أن الكثير من نقاط الضعف التي لوحظت في مارس في محيط مدينة كييف تظهر اليوم في شرق البلاد، ومنها استخبارات ضعيفة وقدرة محدودة على المبادرة ووسائل لوجستية غير كافية ومعنويات متدنية لدى القوات في ظل خطة لا يفهم الجنود هدفها.
وأوضح المحلل أن "كل وحدة تخوض حربها الخاصة تكتيكيا واستراتيجيا" مضيفا "حتى لو أعلن بوتين التعبئة العامة.. من الصعب أن نرى كيف سيتخطى المشكلات التنظيمية البديهية".
ولا يحصر بعض المراقبين هذه الصعوبات بالجيش الروسي وحده، بل يؤكدون أنها تطال نظام موسكو برمته، مشيرين إلى أن رئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيمون توجه شخصيا إلى جبهات القتال، ما يكشف عن ضعف في تفويض الصلاحيات العسكرية.
وقال إيفان كليشتش الباحث في جامعة تارتو في إستونيا إن "النظام يعتمد المركزية إلى حدّ أن بوتين نفسه يتولى عمليا السيطرة على مسائل يجدر أن تكون من صلاحيات عسكريين مهنيين". وأضاف أن "هذه وصفة تقود إلى كارثة وعامل ينبغي أخذ بالاعتبار عند النظر إلى الأداء السيء" للقوات الروسية.
وفي نهاية المطاف لم تحصل "الحرب الخاطفة" التي أعلن عنها صباح الرابع والعشرين من فبراير الماضي، والنزاع سيلقى تسوية من خلال مفاوضات إذا ما قرر الطرفان ذلك، أو سيستمر لأشهر أو ربما سنوات أخرى.
وبمعزل عما يمكن أن تحصل عليه روسيا من مكاسب عسكرية، فهي خسرت الكثير، إذ اضطرت إلى مراجعة أهدافها الأساسية لتخفيضها، ولم تتمكن من استخدام بحريتها بل خسرت سفنا أبرزها سفينة القيادة "موسكفا" التابعة لأسطول البحر الأسود، وفشلت في السيطرة على الأجواء الأوكرانية وتكبدت انتكاسات على الأرض. وقال إيفان كليشتش إن "روسيا حددت لنفسها أهدافا عسكرية وتحديا أساءت تقديره إلى حد كبير، إذ أنها أعلنت حربا لا يمكنها الانتصار فيها".