الجيش الجزائري يطلق حملة دعائية لطمأنة الجزائريين

الجيش الجزائري يقود حملة قوية على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف توجيه رسائل للداخل والخارج، خاصة في ما يتعلق بالتهديدات على حدوده مع مالي والنيجر، وزيادة حجم الدورين التركي والروسي.
الجزائر - أطلق الجيش الجزائري حملة دعائية على صفحاته الرسمية في شبكات التواصل الاجتماعي، يبرز فيها عقيدته العسكرية الدفاعية، وتمسكه بإرث جيش التحرير الوطني، ويستعرض قدراته البشرية واللوجيستية، وجاهزيته التامة لكل السيناريوهات، ويأتي ذلك بالموازاة مع حالة التوتر الأمني والسياسي التي تسود منطقة الساحل.
وينظر مراقبون إلى هذه الحملة على أنها تدخّل في سياق طمأنة الجزائريين بقدرة جيشهم على مواجهة التحديات الإقليمية في وقت يشعر فيه قسم كبير منهم بأن إستراتيجية توسيع دائرة الأعداد إقليميا ودوليا تحاصر الجزائر.
ويظهر كذلك رغبة في تخويف الجزائريين بأن التطورات الإقليمية لا تسمح بأيّ حراك داخلي تحت أيّ عنوان اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، وأن الجيش يتعامل معه كمؤامرة يجب التصدي لها بقوة، وهو ما أوحى به كلام وزير الخارجية أحمد عطاف خلال زيارته إلى تونس حين قال إنّ “الأوضاع المحيطة بالبلدين إقليميا وعالميا لا تبشّر البتّة، ولا تطمئنّ إليها النفوس.”
وأطلقت وزارة الدفاع الجزائرية خلال الأيام الأخيرة حملة دعائية قوية، على صفحاتها الرسمية في شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال سلسلة من مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية والمصورة، توثّق مناورات ميدانية ضخمة للجيش الوطني الشعبي برا وبحرا وجوا، إلى جانب مقتطفات من مختلف الأنشطة والأعمال التدريبية.
وتأتي الحملة الدعائية بالموازاة مع تصاعد وتيرة التوتر الأمنية والعسكرية في الحدود الجنوبية، لاسيما بعد إسقاط وحدات الدفاع الجوي لطائرة مسيّرة للجيش المالي، بعد اختراقها للمجال الجوي مطلع الشهر الجاري، وهي الحادثة التي أثارت خطوات تصعيدية بين الجزائر، ومجموع حكومات الساحل، خاصة دولة مالي.
◙ الجيش يظهر رغبة في تخويف الجزائريين بأن التطورات الإقليمية لا تسمح بأي حراك داخلي تحت أي عنوان
ويبدو أن لهجة التصعيد باتت تتفاقم تدريجيا، في ظل حملة الشحن التي يشنها المجلس العسكري الحاكم في مالي ضد الجزائر، خاصة بعدما أوعز للموالين له بالاحتجاج أمام مبنى السفارة الجزائرية في باماكو، وظهور تصريحات خطيرة تدفع إلى توسيع العداء ليأخذ طابعا شعبيا.
ويشير مراقبون إلى أن الجزائر تشعر بقلق بالغ من تحول منطقة الساحل إلى تجمع لقوى دولية مؤثرة مثل روسيا وتركيا بشكل يجعل الدور الجزائري محدودا ومحسوبا بما يتعارض مع عقيدة المؤسسة العسكرية التي تدفع نحو دور جزائري أوسع في الإقليم، لكن الأمر بات صعبا.
وكشف التصعيد الأخير بشأن استدعاء السفراء وإغلاق المجال الجوي أن الجزائر تشعر بالانزعاج من الوجود الخارجي على حدودها الجنوبية.
وشدد بيان الخارجية الجزائرية في الرد على استدعاء السفراء من مالي والنيجر وبوركينا فاسو على أن “التهديد الأول والأخطر الذي يتربص بمالي يتمثل اليوم في عجز الانقلابيين عن التصدي الحقيقي والفعال للإرهاب، إلى درجة إسناد ذلك إلى المرتزقة الذين طالما عانت منهم القارة الأفريقية في تاريخها المعاصر.”
وتلمّـح الخارجية الجزائرية إلى مجموعة فاغنر الروسية التي استعانت بها النخب العسكرية الحاكمة في دول الساحل، الأمر الذي يعيد الخلاف الجزائري – الروسي إلى الواجهة، حول دور مسلّحي المجموعة في تهديد أمن وسلامة الجزائر والإقليم، وهو ما كان محل نقاشات عديدة بين مسؤولين سامين في الدولتين.
ومن الواضح أن الجزائر منزعجة من دعم روسيا للدول الثلاث، وهو ما قد يكون دفع هذه الدول إلى التصعيد باستدعاء السفراء واتهام الجزائر بالوقوف وراء إسقاط المسيّرة المالية عن عمد.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد المحادثات مع نظرائه من مالي وبوركينا فاسو والنيجر الخميس الماضي إن بلاده على استعداد للمساعدة في تعزيز جيوش هذه الدول وقواتها الأمنية. وأشار إلى أن روسيا ستساعد دول الساحل على تشكيل قوة عسكرية مشتركة من خلال تقديم “خدمات استشارية”، منوها إلى أن “عددا كبيرا” من المدربين العسكريين الروس يعملون هناك بالفعل.
ويؤكد هذا التقارب أن القلق الجزائري ما زال قائما حول الدورين الروسي والتركي، وهو ما يشجع مالي على تحدي الجزائر خاصة طلبها عدم اقتراب العمليات المسلحة من المناطق الحدودية إلى أقل من 100 كيلومتر، وإصرار الجيش المالي على ملاحقة الفصائل الأزوادية على مسافة صفر في بعض الحالات بدعوى محاربة الإرهاب.
ويبدو أن الجيش الجزائري يريد توجيه رسائل مشفرة إلى محيطه المعادي، من خلال إبراز قدرته على التعامل مع جميع السيناريوهات والمخططات التي تحاك ضد البلاد، بحسب الأدبيات الرسمية التي يرددها قادة المؤسسة العسكرية.
◙ التطورات الأمنية في منطقة الساحل باتت تهدد مساعي الجزائر لكسر عزلتها والانفتاح على غرب أفريقيا
وتضمنت هذه المقاطع رسائل صوتية واضحة، من بينها مقطع يبرز تأكيدا على أن “الجيش الجزائري لديه مهمة شريفة للدفاع عن حدوده ضد الإرهاب والتهريب وضد حتى عدو كلاسيكي،” وهي المفردة التي يرددها قائد المؤسسة العسكرية الجنرال سعيد شنقريحة، لما يتعلق الأمر بتناول الخلاف مع المغرب.
كما أُرفق أحد المقاطع بعنوان بارز “الجيش الوطني الشعبي.. استعداد دائم وجاهزية قصوى،” لإبراز حالة الجهوزية العالية التي يتمتع بها الجيش الجزائري، وهي الوضعية التي يتواجد عليها منذ بداية التوترات الأمنية والسياسية في عموم المنطقة.
واستعرضت وزارة الدفاع من خلال هذه المقاطع الإمكانيات العسكرية الهائلة التي يحوزها الجيش الوطني الشعبي على كافة المستويات، من قدرات برية وجوية وبحرية، بالإضافة إلى مشاهد حية لمناورات وتدريبات قتالية متقدمة.
كما تضمّن أحد المقاطع رسالة صوتية لرئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، عبدالمجيد تبون، عبّر فيها عن تحيته لأفراد الجيش المرابطين على الحدود، مشددا في تصريح سابق له أُدرج ضمن المحتوى المرئي على أن “الجزائريين وُلدوا أحرارًا وسيبقون أحرارا.”
ويتعامل الجيش مع إسقاط وحدات الدفاع الجوي، للطائرة المالية المسيّرة، على أنه نصر ميداني قياسا بقدرة الوحدات المذكورة على التعامل مع أحدث ما أنتجته الصناعات العسكرية في العالم، وهي طائرة “بيرقدار أكنجي” التركية، المعروفة بقدراتها العملياتية وتكنولوجيتها العالية، مما مكنها من أداء دور مثالي في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وكرست الجزائر موازنات ضخمة خلال السنوات الأخيرة، لفائدة وزارة الدفاع من أجل تطوير وعصرنة جيشها، وتسليحه بمختلف المعدات الحديثة، القادرة على إحداث التوازن ومواجهة جميع الأخطار، وتقترب من الحصول على طائرات سو – 57 الروسية، إلى جانب منظومات دفاعية متنوعة، كما تتوجه إلى تنويع شراكاتها العسكرية، بما في ذلك السوق الهندية والأميركية والأوروبية.
وحسب تقرير لمؤسسة “غلوبال فير باور”، فان الجيش الجزائري يصنف في المرتبة الـ26 عالميا، والثانية إقليميا وقاريا، في إحصاء شمل 145 دولة، مما يعكس حجم القدرات الدفاعية التي باتت الجزائر تمتلكها في سبيل الحفاظ على أمنها واستقرارها في محيط إقليمي متقلب. ويرى محللون جزائريون بأن التطورات الأمنية في منطقة الساحل باتت تهدد مساعي الجزائر لكسر عزلتها والانفتاح على غرب أفريقيا.