الجيش الأميركي يسأل نفسه: ماذا نتعلم من الدرس التركي في ناغورني قرة باغ

الطائرات المسيرة أحدثت فارقا في المعارك الجوية لكفاءتها وتكاليفها الزهيدة.
الجمعة 2021/04/02
أدوات لا يمكن الاستغناء عنها

يُظهر تنامي استخدام المسيرات في الحروب الحاجة إلى تحديث أساليب الجيوش حول العالم. ويبدو أن الولايات المتحدة باتت اليوم متأخرة قليلا في مسايرة هذا الاتجاه على الرغم من المساعي الحثيثة للبنتاغون من أجل اعتماد طرق جديدة أقل تكلفة لاسيما بعد أن أثبتت الطائرات دون طيار التركية فعاليتها حينما رجحت كفة القوات الأذرية في نزاعها مع الجيش الأرمني على إقليم نارغوني قرة باغ قبل عدة أشهر.

واشنطن -  عندما سيطرت أذربيجان على المجال الجوي في معركتها مع أرمينيا حول إقليم ناغورني قرة باغ المتنازع عليه في الخريف الماضي، وربحت الحرب الجوية بطائرات مسيرة تركية، بدأت الحقيقة تتضح أمام خبراء استراتيجيين في الجيش الأميركي، وهي أنه أصبح من السهل مطاردة وقتل أي قوات أكثر من أي وقت مضى والقيام بذلك أيضاً بثمن بخس.

واستمرت المواجهات قرابة شهر ونصف الشهر، وتمكن خلالها الجيش الأذري بمساعدة تركيا من فرض الأمر الواقع في المعركة مع القوات الأرمنية، فقد قالت باكو إنها كبدتها خسائر هائلة في أسلحتها، عبر شن ضربات باستخدام المدفعية والقوات الجوية، التي كانت فيها للمسيرات الكلمة الفصل.

حرب بأقل التكاليف

جاك ديتش: المسيرات مكنت العديد من الدول من امتلاك قوة جوية كبيرة
جاك ديتش: المسيرات مكنت العديد من الدول من امتلاك قوة جوية كبيرة

مع انتشار الطائرات المسيرة غير المكلفة والجاهزة للقتال في جميع أنحاء العالم، قد يُقتل الجنود المسالمون بمجرد خروجهم من مواقعهم للحظة للذهاب إلى دورة المياه. ويستند مراسل وزارة الدفاع (البنتاغون) جاك ديتش لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية في ذلك الموقف على انطباعات كبار قادة القوات المسلحة الأميركية.

ويقول الكولونيل سكوت شو الرئيس السابق لوحدة أسيمتريك وورفير غروب التابعة للجيش الأميركي “يمكنك مشاهدة مقطع فيديو لدبابات تتعرض لضربات من نظام جوي مسير، ومواقع مدفعية تتعرض لضربات من نظام جوي مسير، وتضرب القوات بمنظومة جوية مسيرة”.

وما يتضح بعد هزيمة القوات الأرمنية أمام القوات الأذرية في الخريف الماضي، هو أن الجيش الأميركي لن يتمتع فقط بالتفوق الجوي ضد منافسيه مثل الصين، ولكن يمكن للدول الفقيرة أيضاً شراء قوة جوية كبيرة.

ويرى شو أن ما هو واضح من خلال ذلك الصراع، هو أن دولة لا تمتلك تمويلات كبيرة يمكنها القيام بحرب أسلحة مشتركة. وليس من المفترض أن تكون الولايات المتحدة أو روسيا، فالحد الأدنى للسعر للدخول في حرب أسلحة مشتركة أقل مما كان يعتقد في البداية. وقال “لست بحاجة إلى شيء مثل سلاح الجو الأميركي، وهي قدرة مذهلة ومدربة، من أجل القيام بنشاط محلي جو-أرض أو جو-جو”.

وخلال الصراع الذي استمر ستة أسابيع، نشرت أذربيجان طائرات تركية من طراز بيرقدار تي.بي 2، كما استخدمت ذخائر، العديد منها إسرائيلية الصنع، لتقليص ساحة المعركة وتدمير القوات المدرعة الأرمنية، وكذلك الذيل اللوجستي، الذي لم يصل حتى إلى الخطوط الأمامية.

ومع قيام القوات الأذرية بالسيطرة على المزيد من الأراضي في المنطقة المتنازع عليها، أصبحت مقاطع الفيديو الدعائية التي تظهر تدمير القوافل الأرمنية ومستودعات الذخيرة بطاقة دعوة للنهج العسكري الجديد.

وفي الأيام الأخيرة من الصراع، قام الرئيس الأذري إلهام علييف، بالترويج لقائمة طويلة من المعدات الأرمنية التي يُزعم أنها دمرت أو تم الاستيلاء عليها، بما في ذلك ما يقرب من 250 دبابة و50 مركبة قتال مشاة وأربعة أنظمة دفاع صاروخي روسية الصنع من طراز أس – 300، وكذلك 198 شاحنة و17 وحدة مدفعية ذاتية الدفع.

المسيرات ترجح الكفة

طائرات بيرقدار التركية رجحت كفة الجيش الأذري حين كبد الجيش الأرمني خسائر هائلة في المعدات بلغت مليار دولار
طائرات بيرقدار التركية رجحت كفة الجيش الأذري حين كبد الجيش الأرمني خسائر هائلة في المعدات بلغت مليار دولار

في منتصف أكتوبر الماضي، نسب علييف الفضل للطائرات التركية المسيرة في مساعدة جيشه على تدمير معدات أرمنية بقيمة مليار دولار رغم أن باحثين بجامعة الاقتصاد الأذرية قاموا بحساب القيمة المادية للأسلحة والمعدات التي خسرتها أرمينيا على مدار الحرب التي استمرت 44 يوميا، وذكروا في خلاصة بحثهم أن خسائر القوات الأرمنية بلغت 4.8 مليار دولار.

ومع ذلك، لم يتضح بعد كيف يتم ترجمة هذه الأرقام إلى حقائق بسبب الضبابية. وقال شو إن “الكم الهائل من المعلومات المضللة التي تنتشر على شبكات مفتوحة المصدر جعلت من الصعب معرفة كل ما حدث في الوقت الفعلي”.

كما أنه لا يزال من غير الواضح للخبراء أن الطائرات المسيرة هي التي تستطيع أن تنهي الصراع بشكل نهائي لصالح المهاجمين أو المدافعين.

ويقول ديتش إن البعض من الخبراء العسكريين يعتقدون أن الحرب في ناغورني قرة باغ هي علامة أخرى على أن أيام اعتماد الجيش الأميركي على سياسة “الصدمة والترويع”، مثل تلك التي اتبعتها القوات الأميركية في بداية الحربين على العراق، قد ولت. وبدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تستعد لخوض معركة مفتوحة، على غرار حروب الاستنزاف، التي كانت تحدث في الماضي.

ومن المحتمل أن تتجاوز الأتمتة المجال الجوي أيضًا، فالرئيس السابق لوحدة أسيمتريك وورفير غروب يرى أن هناك جيوشًا ضعيفة تحاكي الولايات المتحدة وتنشر مركبات برية وبحرية مسيرة. وقال “إذا أتت عن طريق الجو، فإنها ستأتي عن طريق البر، وأيضاً عن طريق البحر، فهذه الأنظمة المسيرة ستنتشر لأنها أرخص، وستصبح أصغر وأصغر من حيث الحجم”.

ويتحرك مخططو الدفاع الأميركيون بالفعل في هذا الاتجاه، حيث سعى مارك إسبر وزير الدفاع السابق إلى الوصول إلى هدف إدارة الرئيس دونالد ترامب المتمثل في وجود 355 سفينة بحرية من خلال استثمار المزيد في البحث والهندسة للسفن المسيرة.

ولكن لم يتضح بعد كيف ستتعامل إدارة الرئيس جو بايدن مع الحجم المستقبلي للأسطول وتكوينه، على الرغم من إصدار سلاح البحرية ومشاة البحرية خارطة طريق لاستخدام الأنظمة المسيرة هذا الشهر.

تحديث الأساليب

Thumbnail

يعتبر ديتش أن كل ما سبق يخلق تحديات جديدة أمام أسلوب الولايات المتحدة في حرب المناورة، وحتى الاتصال عبر موجات راديو أف.أم، والذي كان إجراءً تشغيليًا تقليدياً للقوات الأميركية التي تقاتل في العراق وأفغانستان على مدار العقدين الماضيين.

ولذلك، سيتعين إعادة التفكير بشأنه نظرًا لأن دولًا مثل روسيا أصبحت أكثر مهارة في تحديد مواقع – وضرب – الوحدات التي لا تهتم بالبقاء معرضة لخطر القصف.

وقال شو “يجب أن نفكر في التخطيط لعمليات تمويه أكبر من هذه. يمكنك إخفاء مركبة أينما تريد إخفاءها. ولكن إليك ما لا يمكنك إخفاءه: المسارات التي تذهب إلى مواقع القوات، أو مسارات الدبابة، أو مسارات الطين، أو أي شيء آخر، ومسارات آثار الأقدام. لذلك على المستوى التكتيكي، علينا معرفة كيفية إخفاء تحركاتنا وإخفاء مواقعنا ومقراتنا الرئيسية”.

وكجزء من جهود إعادة تنظيم سابقة قام بها وزير الدفاع السابق إسبر العام الماضي، سيتم إغلاق وحدة أسيمتريك وورفير غروب، التي أمضت معظم العقدين الماضيين في إرسال مستشارين مدربين تدريباً خاصاً لمحاربة التهديدات بما في ذلك العبوات الناسفة في العراق وحرب المعلومات في أوروبا.

وكان خبراء البنتاغون قد قاموا خلال السنوات القليلة الماضية بتحليل لتقييم الحاجة إلى استخدام موارد المجموعة والقوى العاملة للتحضير لحرب القوى الكبرى.

لكن شو مهتم بإطلاع قادة الخدمة الآخرين، مثل قائد التدريب العسكري الجنرال بول فونك، على ما تعلمه هو وجنوده من دراسة لقطات من معركة ناغورني قرة باغ. ويأمل أن يظل الجيش على دراية بهذه الدروس المستفادة، حتى عندما يحوّل قادة الخدمة انتباههم بعيدًا عن حروب الشرق الأوسط للتعامل مع الصين.

وعلى هذا الأساس، سوف يتعين على القوات الأميركية التفكير في إعادة اختراع العجلة لتكون قوة متحركة باستمرار، وتجنب الكشف والنيران الواردة.

وقال شو “إذا كانت غريزة البقاء على قيد الحياة مستمرة ودائمة، فإن ذلك يزيد من معدل استهلاكك للطعام والماء والوقود، فالجنود من حقهم أن يناموا بعض الشيء، ولذلك يجب أن يكون هناك قادة يعملون وهم يشعرون بالارتياح في ظل الظروف غير المريحة”.

7