الجولاني يتوعد المحتجين في شمال غرب سوريا: لن نسمح بتجاوز خطوطنا الحمراء

هيئة تحرير الشام تتبع سياسة متدرجة لاحتواء الحراك قبل الانتقال إلى القوة المفرطة.
الخميس 2024/03/14
ما بني في سنوات لن نسمح له بأن يهدم

يحاول زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني إظهار قدر من الليونة في التعامل مع الاحتجاجات غير المسبوقة التي تشهدها مناطق سيطرة الهيئة في شمال غرب سوريا، وهو ما ترجم في القرارات المتخذة من قبيل إعادة تشكيل جهاز الأمن العام، لكن مراقبين يرون أن فشل تلك القرارات في إقناع المحتجين قد يقود إلى توجه التنظيم الجهادي لاستخدام القوة المفرطة، وهو ما أشار إليه الجولاني خلال لقائه الأخير بفعاليات في إدلب.

إدلب (سوريا) - كثف زعيم هيئة تحرير الشام أبومحمد الجولاني من تحركاته على أمل احتواء الاحتجاجات الشعبية التي دخلت أسبوعها الثالث وانضمت إليها المزيد من القرى والبلدات في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، متوعدا في الآن ذاته معارضيه بـ”التدخل الشديد”.

ويواجه الجولاني منذ أيام مظاهرات غير مسبوقة، اندلعت على خلفية مقتل عنصر ينتمي إلى أحد الفصائل (جيش الأحرار) تحت التعذيب في سجون الهيئة على خلفية قضية “العمالة للخارج”، وطالب المحتجون بإطلاق سراح النشطاء وكف يد الأجهزة الأمنية وتحسين الأوضاع الاقتصادية قبل أن تتطور الاحتجاجات ومعها المطالب التي باتت تنادي بإسقاط الجولاني.

وقال زعيم هيئة تحرير الشام، خلال اجتماع مع فعاليات شعبية ومسؤولين محليين وأعضاء مجلس الشورى في إدلب، إن ليس هناك خلاف على السلطة في المحافظة، محذرا من تجاوز الخطوط الحمراء في “المناطق المحررة”.

وأضاف أن “هناك مطالب أعتقد أن الوقت لا يسمح بها الآن، وستؤثر على حياة الناس، وإن هناك خطوطا حمراء يجب أن يعيها الجميع، خطوطا أرجو ألا يصل أحد إليها، وأرجو أن توقفوا من يسعى لخراب المحرر، لأنه إذا تدخلنا لحماية المحرر سنتدخل بشكل شديد”.

عدم تدخل تركيا يشير إلى أن أنقرة تفكر في أن إضعاف هيئة تحرير الشام وتحجيمها قد يصبان في صالحها

وأكّد الجولاني قائلا “لن نسمح لأحد على الإطلاق بأن يمس المحرر (المناطق الخاضعة لسيطرة الهيئة)، وما وصلنا إليه من مكتسبات لن نعود فيها إلى الوراء على الإطلاق، لذلك انتبهوا وحذروا الناس، لأن ما بني في سنوات لن نسمح له بأن يهدم على الإطلاق، فهو بني على دماء وأشلاء أناس ضحت”. وأردف “دعونا نعيش بالمحرر جميعا بسلام وأمان، لا تعيدونا إلى المربع الأول، هذا الكلام بناء على معلومة وليس تحليلا. هناك من تضرر من الانضباط في المحرر مستغلا المطالب المحقة والحادثة الأخيرة التي حدثت، بعد هذا المجلس أرجو أن يكون الأمر قد حل. العودة إلى الوراء خط أحمر بالنسبة إلينا”.

وأشار الجولاني إلى أنه “ليس هناك خلاف على السلطة، تستطيعون من مجلسكم هذا وأنا أقولها وأعني ما أقول، اتفقوا على شخص تسمعون له جميعا أغلبكم لا أقول الجميع، اتفقوا عليه بنسبة 60 إلى 70 في المئة وأنا معكم أول واحد أسلم له كل ما عندي، وليأخذ المحرر إلى بر الأمان على أن يلتزم بضوابط عمل يسير عليها المحرر، إن أردتم ذلك أنتم هنا تمثلون كل شرائح المجتمع ومن غاب يتحمل مسؤولية غيابه”.

واتفق المجتمعون مع الجولاني خلال اللقاء على جملة من القرارات لاحتواء الاحتجاجات من بينها تشكيل مجلس استشاري أعلى من أهل الشورى والرأي والاختصاص للنظر في السياسات العامة والقرارات الإستراتيجية في المنطقة.

وبحسب المواقع القريبة من هيئة تحرير الشام، فإن من بين القرارات المتخذة إعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة، والدعوة إلى انتخابات مجلس الشورى العام في المناطق الخاضعة للسيطرة وإعادة النظر في القانون الانتخابي وتوسيع التمثيل للأهالي والشرائح والفعاليات، وتعزيز الدور الرقابي لمؤسسة الشورى.

كما تقرر تشكيل ديوان المظالم والمحاسبة، وتشكيل جهاز رقابي أعلى، وإعادة النظر في السياسات الاقتصادية، ومكافحة الفساد ومنع الاحتكار، إلى جانب تفعيل دور المجالس المحلية والنقابات المهنية.

وكانت هيئة تحرير الشام، وذراعها التنفيذية، قدمت في وقت سابق عدة وعود منها عفو عام على السجناء بشروط واستثناءات، وتشكيل لجان للاستماع إلى الأهالي، وإلغاء رسوم عن الأبنية وإعفاء جزء منها وفق شروط، لكن ذلك لم يحل دون خروج المظاهرات.

ويرى متابعون أن القرارات التي أخذتها الهيئة هي محاولة لاحتواء الاحتجاجات، قبل أن تتجه إلى استخدام العنف لإخضاع المتظاهرين، وهو ما بدا واضحا في خطاب الجولاني، حينما أشار إلى الخطوط الحمراء وأنه لن يقبل أي مس بما حققته الهيئة خلال السنوات الأخيرة.

القرارات التي أخذتها الهيئة هي محاولة لاحتواء الاحتجاجات قبل أن تتجه إلى استخدام العنف لإخضاع المتظاهرين وهو ما بدا واضحا في خطاب الجولاني

ونجحت هيئة تحرير الشام خلال السنوات الماضية في فرض سيطرتها على محافظة إدلب وعدد من القرى في أرياف حلب واللاذقية وعملت على ضرب الفصائل السورية غير المنتمية إليها في بادئ الأمر قبل أن تنتقل إلى السيطرة على مفاصل الإدارة والاقتصاد في تلك المناطق.

ومنذ العام الماضي عمد الجولاني، والحلقة الضيقة المحيطة به، على ضرب القيادات البارزة والمختلف معها في التنظيم، على غرار أبوماريا القحطاني الذي اضطرت الهيئة مؤخرا إلى الإفراج عنه من سجونها بعد اعتقاله لأزيد من ثلاثة أشهر على خلفية قضية العمالة.

ويستبعد مراقبون أن تفضي القرارات المتخذة حاليا من طرف الهيئة لتهدئة الناس إلى نتائج في ظل غياب الثقة بالقيادة الحالية للهيئة، وسط مخاوف من أن تتجه الأخيرة لاستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، وهذا الأمر بالتأكيد ستحاول قوى أخرى استثماره.

ويشير المراقبون إلى أن اللافت فيما يحدث في شمال غرب سوريا هو عدم تدخل تركيا حتى الآن، الأمر الذي يشير إلى أن أنقرة قد تفكر في أن إضعاف هيئة تحرير الشام وتحجيمها يصب في صالحها.

ويوضح المراقبون أن تركيا قد ترى أن المرحلة في حاجة إلى تنظيمات أكثر مرونة، ولهذا تنظر إلى الاحتجاجات ضد الهيئة على أنها تخدم بشكل أو بآخر توجهها.

وتصنف الأمم المتحدة هيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني على قوائم الإرهاب. وكانت الولايات المتحدة قد عرضت مؤخرا مكافأة مالية للجهة التي تقدم أي معلومات عن الأخير أو أماكن تواجده في الشمال السوري.

2