الجودة حلقة مفقودة في سباق بيونغ نحو الأرباح

سياتل (الولايات المتحدة) - كل ضعف الجودة في تصنيع طائرات بونيغ أحد المؤشرات، التي اتفق عليها محللون ومصادر في الصناعة، في مسار الشركة الأميركية لجني الأرباح واللحاق بمنافستها الأوروبية أيرباص.
وفي أكتوبر الماضي، كان ديف كالهون الرئيس التنفيذي لبوينغ متفائلا عندما سئل عن مدى السرعة التي يمكن بها زيادة إنتاج طائرتها الأكثر مبيعا 737 ماكس بعد سلسلة من العقبات في الجودة.
وقال إن “بوينغ ستعود إلى 38 طائرة شهريا”، وكان كالهون حريصا على البناء من هناك بأسرع ما يمكن.
وفي الوقت الذي سعى فيه إلى طمأنة المستثمرين بشأن تعافي أفضل طرز الشركة بعد خسارة ربع سنوية أخرى، كانت إحدى الطائرات ضيقة البدن تنتظر في بوينغ فيلد في سياتل لإجراء الاختبارات النهائية وتسليمها إلى شركة ألاسكا أيرلاينز بعد ستة أيام فقط.
ولكن الطائرة خرجت من المصنع بلوحة باب مفككة، ما أدى إلى انفجار مرعب في الجو مطلع يناير الماضي، وأثار معه بحثا ذاتيا حول ضوابط الجودة وأغرق بوينغ في أزمة السلامة الثانية خلال خمس سنوات.
وأوقف المنظمون خطط بوينغ لزيادة إنتاج طائرات 737، ويقول كالهون الآن إن الوقت قد حان “للتحرك ببطء قبل التحرك بسرعة”.
ويلقي ذلك بظلال من الشك على شكل تعافيها من الأزمات المتتالية، الأولى بعد حادثتي تحطم طائرة ماكس، التي أودت بحياة 346 شخصا، ومن ثم الوباء الذي خلف عليها ديونا بقيمة 38 مليار دولار.
وتشير المقابلات التي أجرتها رويترز مع العشرات من المديرين التنفيذيين الحاليين والسابقين في الصناعة إلى أن الضغط من أجل الإنتاج إلى جانب نزوح العمال ذوي الخبرة هو الذي ساهم في حادثة طائرة شركة ألاسكا أيرلاينز بعد إقلاعها من مطار بورتلاند الدولي.
وقال خبير التصنيع كيفن مايكلز، المدير الإداري لشركة استشارات الطيران أيروديناميك آدفيسوري في ميشيغان “يبدو أن بوينغ كانت تركز أكثر على الاستثمار في زيادة معدلات الإنتاج بدلا من الارتقاء بنظام الجودة الخاص بها إلى المستوى التالي”.
وأكد مصدران مطلعان على قسم الجودة في بوينغ لرويترز، أن الضوابط تراجعت في السنوات الأخيرة بعد مغادرة العديد من المفتشين ذوي الخبرة أثناء الوباء ووسط الضغوط للالتزام بالجدول الزمني لاسترداد الإنتاج.
وتقول المصادر، التي تحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها، إنه بينما تقول بوينغ إنها أضافت المزيد من المفتشين منذ تفشي الوباء، فإن العديد منهم كانوا عديمي الخبرة ويقومون بفحص العمل الذي يقوم به الميكانيكيون الذين تم تعيينهم هم أنفسهم مؤخرًا فقط.
وبررت بوينغ موقفها مستعيدة تصريحات كالهون الشهر الماضي، بأنها “حرصت بشدة على عدم دفع النظام بسرعة كبيرة”، ولم تتردد أبدا في إبطاء أو وقف الإنتاج أو وقف التسليمات لتصحيح الأمور.
وتقول الشركة إن موظفي التصنيع الجدد يحضرون دورات لمدة 10 إلى 14 أسبوعًا ثم يحصلون على 6 إلى 8 أسابيع من التدريب العملي. ويُطلب منهم أيضا الفوز بالشهادات أثناء تقدمهم.
ومنذ انفجار خطوط ألاسكا الجوية، قالت بوينغ أيضًا إنها تنفذ خططا لتحسين الجودة في نظامها 737، بما في ذلك المزيد من عمليات التفتيش وكلفت بإجراء دراسة مستقلة لإدارة الجودة.
وقال المجلس الوطني لسلامة النقل الثلاثاء، إن “قابس الباب، الذي يحل محل مخرج الطوارئ غير المستخدم في بعض الطائرات، يبدو أنه يفتقد أربعة مسامير رئيسية”.
وقالت السناتور الأميركي تامي داكوورث، التي ترأس لجنة فرعية للطيران، لرويترز إن “التقرير المؤقت للمجلس يثير تساؤلات جدية حول عمليات فحص الجودة في بوينغ”.
ويرى مسؤولون تنفيذيون في الصناعة أن بذور المشاكل التي عانت منها بوينغ زُرعت قبل سنوات، لكنها تسارعت بعد الأزمة الناجمة عن تحطم طائرتي ماكس في عامي 2018 و2019، والفوضى التي شهدتها الصناعة خلال الوباء الذي أعقب ذلك.
الضغط من أجل الإنتاج إلى جانب نزوح العمال ذوي الخبرة هو الذي ساهم في حادثة طائرة شركة ألاسكا أيرلاينز بعد إقلاعها من مطار بورتلاند الدولي
وتم إطلاق طائرتي أيرباص أي 320 نيو وبيونغ ماكس 737 الموفرة للوقود في عامي 2010 و2011 في سوق طيران ساخن تغذيه أسعار الفائدة المنخفضة وارتفاع أسعار النفط وصعود شركات الطيران الآسيوية منخفضة التكلفة.
وخلال معظم العقد الماضي، انهالت الطلبيات لخدمة الطبقة المتوسطة العالمية على أكبر شركتين لصناعة الطائرات، مما أدى إلى حرب على حصة السوق وأوقات الانتظار الطويلة التي يقول المسؤولون التنفيذيون إنها لا تزال تدعم الضغوط الحالية للإنتاج.
ولتغذية الزيادة الكبيرة في الطلب على الطائرات النفاثة، اتجهت بوينغ وأيرباص بشكل متزايد إلى صناعة السيارات للمساعدة في جعل مصانعهما وسلاسل التوريد الخاصة بهما أكثر كفاءة.
وحصل كلا الشركتين على ثمن من الموردين للانضمام إلى القطار السريع لإنتاج الفضاء الجوي، أي قطع غيار أرخص مقابل كميات كبيرة.
وأسقطت بيونغ مشروعا لخفض تكاليف الموردين تعرض لانتقادات واسعة النطاق خلال أزمة كورونا بعد سنوات، مما وصفه أحد المديرين السابقين بـ”صرخة حشد الكفاءة”.
وفي أول خطاب علني له منذ وقوع الحادث، وجه إحسان منير، رئيس سلسلة التوريد في شركة بوينغ، رسالة تعاونية وحث الموردين على التحدث والانضمام إلى منتدى يضم أكثر من 30 شركة تم إنشاؤه للمساعدة في فك سلاسل التوريد.
أيرباص تواجه مشكلة الجودة ونقص الموظفين، حيث أدى الوباء إلى قطع سلسلة التوريد الممتدة بالفعل
وتواجه أيرباص وغيرها أيضا مشكلة الجودة ونقص الموظفين، حيث أدى الوباء إلى قطع سلسلة التوريد الممتدة بالفعل.
ودعت الهيئة التنظيمية الأوروبية، الأسبوع الماضي، إلى إجراء عمليات تفتيش للكشف عن الفجوات المجهرية في طائرة أي 380 بعد وجود خلل في التصنيع.
ويقول الخبراء إن السرعة وحدها لم تكن هي المشكلة. ووصلت بوينغ إلى ذروتها عند 57 طائرة شهريا مع مشاكل أقل في الجودة، قبل أن يؤدي الحادث الثاني من حادثتي ماكس إلى توقف الإنتاج في عام 2019.
ولكن مع قيام الشركة الأميركية بإعادة بناء الإنتاج تدريجيا في أعقاب الوباء، فقد واجهت سلسلة من عيوب التصنيع البارزة، التي أبطأت، أو حتى أوقفت تسليم الطائرات، في حالة طائرة 787 دريملاينر.
وفي ديسمبر الماضي، أكد المنظمون الأميركيون أن شركة طيران أجنبية عثرت على مسمار به صامولة مفقودة في نظام الدفة بالطائرة ماكس 737، واكتشفت بوينغ حالة لم يتم ربط صامولة بشكل صحيح.
ولم تتراجع الأهداف المالية وأهداف الإنتاج إلا بعد انفجار الشهر الماضي، واعترفت شركة بوينغ بأخطائها، مستشهدة بمسألة الجودة، حيث وجدت شركات الطيران المزيد من البراغي المفككة.
وتتعرض بوينغ الآن لضغوط لربط النقاط بسرعة أكبر. وقال شخص مطلع على الإحاطات الداخلية إن “هناك إشارات، ولكن هناك أيضاً الكثير من الضجيج”، مستخدماً المصطلحات الإحصائية لفصل المعلومات ذات المعنى.
لكن المسؤولين التنفيذيين في الصناعة قالوا إنه لا يوجد بديل للتفتيش البشري وأثاروا تساؤلات حول التأثير المتبقي لتخفيضات التكاليف السابقة وثقافة بوينغ، والتي هي بالفعل موضوع تحقيق منفصل تجريه إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية.
وقال إد بيرسون، أحد كبار المديرين السابقين في بوينغ والذي كان مُبلغًا عن المخالفات خلال أزمة ماكس في 2018 و2019، إن بوينغ “بدأت في خفض عمليات فحص الجودة خلال سنواته الأخيرة هناك، والتي انتهت في أغسطس 2018”. وأضاف لرويترز إن “المنطق هو أنه إذا تمكنت من إلغاء عمليات التفتيش هذه، فيمكنك تسريع الإنتاج.”