الجهاديون يتحركون بسرعة للاستفادة من الانسحاب الفرنسي من مالي

باماكو - أعلنت مجموعة جهادية مرتبطة بتنظيم القاعدة عن قتل أربعة عناصر من مجموعة فاغنر الأمنية الخاصة الروسية في كمين وسط مالي، بحسب ما ذكر موقع “سايت” الذي يتابع الحركات الإسلامية المتطرفة.
ويأتي هذا الهجوم بالتزامن مع إعلان فرنسا عن سحب آخر جندي من قواتها من مالي، وهو ما يعني أن الجهاديين يتحركون بسرعة للاستفادة من الانسحاب الفرنسي.
وجاء في بيان صادر عن الذراع الدعائية التابعة لـ”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تعد التحالف الجهادي الرئيسي في منطقة الساحل، أن المجموعة نصبت كمينا لعناصر من فاغنر السبت بينما كانوا على متن دراجات نارية في منطقة باندياغارا متّجهين من قرية دجالو إلى الجبال.
فرنسا وجدت نفسها عالقة بين منطق سياسي يفرض عليها الخروج وبين فاعلية عسكرية تحضّها على البقاء
وقال أحد المسؤولَين المحليين طالبا عدم الكشف عن هويته “قتل أربعة روس نهاية الأسبوع على أيدي جهاديين قرب باندياغارا”.
وأكد مصدر في مستشفى في المنطقة “مقتل أربعة روس في ميدان المعركة”، مضيفا أن أحدهم “مر في مستشفى موبتي”.
وتحالفت روسيا مع المجلس العسكري الحاكم في مالي في معركته ضد تمرّد جهادي مستمر منذ سنوات.
واستعان النظام بالمقاتلين الروس شبه العسكريين الذين تصفهم باماكو بمدرّبين عسكريين بينما تعتبرهم الدول الغربية مرتزقة، لدعم القوات المسلحة.
وكان نشرهم من بين العوامل الأساسية التي دفعت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة في مالي وحليفتها التقليدية، لسحب قواتها العسكرية من البلاد.
وتضم “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تتسع رقعة نفوذها على الأرض، مجموعة متباينة من الجماعات الجهادية التي تنشط خصوصا في مالي وبوركينا فاسو المجاورة.
وبعد تسعة أعوام على تواجدهم في مالي لمواجهة جماعات جهادية، أتم العسكريون الفرنسيون انسحابهم من البلاد في خضم توتر قائم مع المجلس العسكري الحاكم ووسط عدائية شعبية متزايدة تجاههم.
وأفادت رئاسة الأركان الفرنسية في بيان الاثنين أن آخر كتيبة من قوة برخان متواجدة على الأراضي المالية قد عبرت الحدود بين مالي والنيجر.
وأشارت إلى أن الكتيبة “غادرت قاعدة غاو الصحراوية التي تم تسليم قيادتها صباحا إلى القوات المسلحة المالية”.
وأكدت رئاسة الأركان أن “هذا التحدي العسكري اللوجستي الكبير رُفع بشكل منظم وبأمان، وكذلك بشفافية كاملة وبتنسيق مع مجمل الشركاء”.
وهذا الانسحاب الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد قرّره في 17 فبراير، يضع حدا لتدخل عسكري فرنسي في مالي استمر نحو عشر سنوات، ويرجّح أن يبقى الأخير بهذا الحجم لفترة طويلة.
وفي بيان منفصل، أشادت الرئاسة الفرنسية بالتزام العسكريين الفرنسيين “الذين قاتلوا على مدى تسع سنوات الجماعات الإرهابية المسلحة” في منطقة الساحل وضحى 59 منهم بأرواحهم في سبيل ذلك.
وشدد ماكرون على أن “تضحيتهم تلزمنا وتذكرنا بأن جنودنا حافظوا خلال هذه السنوات على وحدة مالي ومنعوا إقامة خلافة في أراضيها وكافحوا الجماعات الإرهابية التي تهاجم المجتمعات المحلية وتهدد أوروبا”.
وأشار الرئيس الفرنسي إلى أن فاعليتهم “طوال هذه السنوات كلها وحتى الأيام الأخيرة هذه برهنها تحييد غالبية كبار كوادر التراتبية الهرمية في المجموعات الإرهابية الساحلية”.
وفي انتقاد ضمني للسلطات المالية المنبثقة عن انقلابين، أكد الرئيس الفرنسي عزمه على “متابعة هذا الالتزام إلى جانب كل الدول التي اتّخذت خيار مكافحة الإرهاب وصون الاستقرار والتعايش بين المجتمعات” في غرب أفريقيا.
وأطلقت فرنسا في يناير 2013 عملية “سيرفال” بهدف وقف تقدم الجماعات الإسلامية المسلحة نحو جنوب مالي ودعم القوات المالية. وتمكنت العملية، التي كانت رأس حربة التدخل العسكري الدولي، من طرد جزء كبير من الجماعات الجهادية من شمال مالي بعد أن احتلت المنطقة في 2012.
وفي الأول من أغسطس 2014، خلفتها عملية “برخان” لمكافحة الجهاديين، بقيادة فرنسا مع خمس دول في منطقة الساحل والصحراء هي موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد.
"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التي تتسع رقعة نفوذها على الأرض تضم مجموعة متباينة من الجماعات الجهادية التي تنشط خصوصا في مالي وبوركينا فاسو
وبلغ عدد العناصر الميدانيين لهذه القوة 5500 جندي في العام 2020.
وسيُخفّض الوجود العسكري في منطقة الساحل بحلول نهاية العام إلى النصف مع 2500 عسكري. ووافقت النيجر على إبقاء قاعدة جوية في نيامي و250 جنديا لعملياتها العسكرية على الحدود المالية.
وستواصل تشاد استضافة قاعدة فرنسية في نجامينا وتأمل فرنسا في الحفاظ على كتيبة من القوات الخاصة في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو.
وتبحث فرنسا مع دول أخرى في غرب أفريقيا تقديم دعم لها، خصوصا في خليج غينيا.
لكن التدخلات العسكرية الفرنسية ستتحول إلى “قوات أصغر حجما وأقل عرضة للخطر”.
ويقول محللون إن فرنسا وجدت نفسها في مالي عالقة بين منطق سياسي يفرض عليها الخروج بأسرع وقت ممكن وبين منطق فاعلية عسكرية يحضّها على البقاء إلى أن تصبح القوات المسلحة المحلية قادرة على الاضطلاع بالمسؤولية.
وقال آلان أنتيل خبير شؤون منطقة الساحل في “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية”، “نعلم حاليا ومنذ تجربة أفغانستان أن عملية خارجية مع قوات غربية عدة لا يمكنها أن تستمر ميدانيا إلى الأبد”، مشدّدا على “محدودية” تحكم “العمليات الكبرى التي تضم أعدادا كبيرة من العناصر وتتطلب حضورا ميدانيا كبيرا”.
واعتبر أن التحوّل نحو “مزيد من الدعم القتالي من بعض كتائب الجيوش الوطنية وعمل القوات الخاصة والدعم الجوي، سيجعل الحضور السياسي الظاهر لفرنسا أقل بكثير من دون التفريط في الفاعلية”.