الجنيه المصري في سقوط حر أمام الدولار

القاهرة - تسارع انحدار العملة المصرية إلى مستوى غير مسبوق أمام العملة الأميركية الأربعاء، عقب حصول القاهرة على تأكيدات من صندوق النقد الدولي لدعم اقتصادها.
وتجاوز سعر صرف الدولار حاجز 30 جنيها لأول مرة في تاريخ العملة المصرية ليصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، بحسب بيانات منصة رفينيتيف، بعد أن كان عند 27.4 جنيه.
وقالت بنوك حكومية إن الجنيه تراجع بنسبة 104 في المئة بعدما خفضت السلطات النقدية قيمته للمرة الثالثة استجابة لمطالب صندوق النقد.
وتم تداول الجنيه بسعر 31.8 في مقابل الدولار في القطاع المصرفي، في حين كان متداولا بسعر 15.6 في مارس الماضي.
وبذلك تكون العملة المصرية قد هبطت بواقع 10 في المئة، مسجلة أكبر انخفاض في يوم واحد منذ أواخر أكتوبر الماضي، فيما يُعد جزءا ممّا تعهدت به الحكومة، وهو الالتزام بنظام سعر صرف أكثر مرونة.
ويبدو أن ذلك يهدف إلى المساعدة في القضاء على السوق الموازية التي ظهرت وسط أسوأ أزمة للصرف الأجنبي بالبلاد منذ سنوات.
وتعهدت الحكومة بسعر صرف مرن للعملة، ودور أكبر للقطاع الخاص وإصلاحات نقدية ومالية عندما اتفقت على حزمة دعم مالي بثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد.
وكانت البلاد تئن بالفعل تحت وطأة ضغوط مالية قبل أن تعصف الحرب في أوكرانيا بعائدات السياحة، وترفع تكلفة استيراد السلع الأولية، وتدفع المستثمرين الأجانب إلى سحب أكثر من 20 مليار دولار من الاقتصاد.
ومع هذا الخفض الجديد في قيمة العملة يتوقع أن تزداد معاناة الأسر في بلد يستورد غالبية احتياجاته وبلغت نسبة التضخم فيه 21.9 في المئة وهو أعلى مستوى منذ أواخر 2017، متجاوزا توقعات المحللين.
وكشف صندوق النقد الثلاثاء الماضي تفاصيل حزمة التمويل. وقال إن مصر تتجه نحو سياسة سعر صرف مرنة، كما أن أي تدخل من قبل البنك المركزي سيكون “مُوجها” وفقا للحاجة إلى التخفيف من حدة التقلبات بالسوق.
ومع ذلك، حذر من أن استمرارية تحول سياسة سعر الصرف “ما يزال يتعين إثباتها، وقد يواجه المركزي ضغوطا سياسية واجتماعية لعكس مساره”.
والسيولة الأجنبية بالسوق المحلية لا تزال شحيحة، حيث يكافح اقتصاد أكبر بلد بالمنطقة العربية من حيث عدد السكان تداعيات الحرب في أوكرانيا على تكلفة السلع من الغذاء إلى الوقود.
وتحتاج مصر إلى الحصول على المزيد من التمويل الخارجي بينما تحاول التخلص من مأزق تكدس الواردات في موانئها، مما يضيف إلى تراكم الطلب غير المحقق على الدولار.
ووفق بلومبرغ، قال فاروق سوسة الخبير في غولدمان ساكس إنه “يجب أن يكون هدف الحكومة التخلص من أزمة الصرف والتأكد من تلبية الطلب على العملات الأجنبية في السوق الرسمية، وبالتالي توحيد السعر والقضاء على السوق الموازية”.
ويتحوط التجار ضد مخاطر هبوط الجنيه إلى نحو 35.4 للدولار خلال العام الجاري، وفقا لسوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم.
وهذا الأسبوع توقع تقرير صادر عن بنك أتش.أس.بي.أس أن تغيرات أسعار الصرف قد تنتهي عند بلوغ الدولار مستوى يتراوح بين 30 و35 جنيها على المدى القصير.
وقالت كارلا سليم الخبيرة الاقتصادية في ستاندرد تشارترد “سيظل الجنيه تحت الضغط حتى يتحقق المزيد من التدفقات الدولارية، مما يوازن الطلب والعرض بالنقد الأجنبي”.
ورجحت في تعليق لبلومبرغ أن يدفع سد الفجوة مع السوق الموازية الجنيه إلى الهبوط بعنف قبل أن يستقر.
وفي خضم ذلك، انخرطت الأسهم المصرية في موجة صعودية منذ أن بدأت جولة التخفيض الأخيرة لقيمة العملة في أكتوبر الماضي في ظل توجه المستثمرين لاقتناص الأسهم الرخيصة.
وارتفع مؤشر إي.جي.إكس 30 القياسي بما يصل إلى 4.4 في المئة مقوّما بالجنيه الأربعاء، مسجلا أعلى مستوى في شهرين.
والأسبوع الماضي أصدر بنكا مصر والأهلي المصري شهادات ادخار لأجل عام بعائد يبلغ 25 في المئة، وهو أعلى مستوى مسجل في تاريخ شهادات الادخار.

ويرى محللون أن أحدث تحرك بشأن الجنيه قد يكون إشارة إلى أنَ القاهرة تتجه أكثر إلى اعتماد سياسة سعر صرف مرنة يدعمها صندوق النقد رغم أن الأيام المقبلة ستكشف عن مدى عزمها.
وعندما خفّضت مصر عملتها مرتين خلال العام الماضي، أعقبت نوبات الهبوط فترات طويلة من الاستقرار في الجنيه.
وقال صندوق النقد إنَ المركزي المصري “قد يتدخل من حين لآخر في أوقات التقلب المفرط في أسعار الصرف”.
لكنه أشار إلى أنه “لن يكون هناك لجوء إلى تدخلات الصرف الأجنبي أو استخدام الأصول الأجنبية الصافية للبنوك بقصد تثبيت أو ضمان مستوى سعر الصرف”.
ويقدّر الصندوق فجوة التمويل الخارجي لمصر بنحو 17 مليار دولار خلال فترة البرنامج الذي يستمر قرابة أربعة أعوام. ومن المتوقع أن يُسهل الاتفاق سيولة بنحو 14 مليار دولار إضافية من الشركاء الدوليين والإقليميين.
وقدمت الدول الخليجية خلال الأشهر الماضية استثمارات وودائع لدعم الموارد المالية لبلد يُنظر إليه على أنَه محور إقليمي بالمنطقة.
وفي مؤتمر صحفي عقد عبر الإنترنت، أوضحت رئيسة بعثة صندوق النقد في مصر إيفان هولر أن “الخفض المستمر في قيمة العملة في وقت ترتفع أسعار السلع العالمية أدى إلى الضغط على الأسعار المحلية وارتفاع التضخم”.
وقالت إن “التضخم لن يبدأ في التراجع إلا بحلول منتصف العام 2024”.